المحلل الاستراتيجي ابراهيم الصميدعي

وسط استمرار الصراع بين القوى الأمنيّة العراقيّة وتنظيم القاعدة وخصوصًا في الآونة الأخيرة مع ازدياد عمليّات السطو لتأمين مصادر تمويل، رأى المحلل ابراهيم الصميدعي أنّ نقص التمويل الذي يعاني منه التنظيم في العراق ليس كبيرًا الى درجة أنه سيشلّ قدرته على القيام بعمليّات نوعيّة في المدى القريب والمتوسط بسبب تغيير تكتيكات التنظيم.

تدور المعركة على ارض الرافدين بين القوات الامنية وتنظيم قاعدة العراق في صراع وجود يبذل فيه الجانبان كل امكانياتهما الاستخبارية والتمويهية من اجل الانتصار... وفي حين يجف تمويل التنظيم، هناك اساليب لتوفيره ومتى ما تشتد القبضة الامنية ضده يلجأ الى خطط وابتكارات للتمويه نجحت في حالات متعدّدة من تحقيق خروقات أمنية خطرة لعل اخرها السيطرة على مبنى البنك المركزي بمركز العاصمة بغداد وسط تحذيرات رسمية عراقية من محاولات قد تجري للهجوم على مراكز حساسة داخل المنطقة الخضراء عصب العراق الرسمي والامني والدبلوماسي.

ويؤكد الناطق باسم قيادة عمليات بغداد اللواء قاسم عطا أن تنظيم القاعدة يشكو من جفاف مصادره المالية، ولذلك فإنه سيستهدف بهجوماته المصارف والبنوك والمحلات التجارية لتوفير اموال لعملياته المسلحة. وفعلاً فقد شهدت محافظات عراقية متعدّدة على مدى الاسابيع القليلة الماضية زيادة ملحوظة في عمليات السطو المسلح.

بغداد: القاعدة تعد للسيطرة على مصارف ومطلقون يقودونها حالياً

quot;ايلافquot; توجهت بأسئلة متعدّدة الى المحلل السياسي الاستراتيجي العراقي ابراهيم الصميدعي، وجوابًا على سؤال حول اسباب نقص التمويل الذي تعاني منه القاعدة في العراق حاليًا، قال quot;لا اعتقد ان نقص التمويل الذي يعاني منه التنظيم في العراق كبيرًا الى درجة أنه سيشل قدرته على القيام بعمليات نوعية في المدى القريب والمتوسط بسبب تغيير تكتيكات التنظيم التي تراجع من شبه امارة تفرض سيطرتها بشكل واقعي على مساحة جغرافية تقدر بنصف مساحة العراق في المنطقة الوسطى والغربية من العراق بشكل (دولة العراق الاسلامية ) التي تم اعلانها بعد ان وصل التنظيم فعليًا الى الامكانيات المالية والبشرية الى مستوى شبه الدولة او دولة الواقع، في ظل غياب الدولة العراقية وعدم التعاطي معها بشكل جدي او ربما رفضها والتعاطف مع محاولة وأدها من جزء كبير من سكان المناطق الوسطى والغربية الذين شعروا أنهم المستهدف الاول جراء مشروع هذه الدولة الى تنظيم سري ينتقي اهداف نوعية على درجة عالية من التخطيط والاحتراف وبشكل يختصر الكثير من تكاليف العمليات اليومية الهائلة ضد قوات التحالف والقوات العراقية وكذلك يختصر نفقات ادارة منظومة الدولة البديلة التي عوضت الدولة المركزية، في ما يخص الانفاق العملياتي ونفقات التجنيد وتوفير وسائل الدعم اللوجستي، وبالطبع فإن ذلك حدث تمامًا نهاية العام 2007 العام الذي استغرقته حرب الاستنزاف بين القاعدة وبيئتها السنية الحاضنة التي انقلبت عليها بداية من انطلاق العمليات العسكرية الحقيقية ضد التنظيم من محافظة الانبار غربي العراق بعد تعثر مثل هذه المحاولات في تلعفر شمال غرب العراق قبل ذلك التأريخ بعام ونيفquot;.

واشار الصميدعي الى ان إنطلاق مشروع الصحوات قد ساهم في الحد كثيراً من مصادر تمويل القاعدة التي كانت تدير بشكل فعلي الموارد الاقتصادية وتوجه الى درجة كبيرة الموارد البشرية فيما اصطلح عليه المثلث السني حتى العام 2008 فاستعاضت عن ذلك بمصادر تمويل خارجية لتعويض هذا النقص حتى ظهرت بداية الاشارات الاستخبارية الاميركية الى ان التنظيم يتلقى دعمًا ماليًا ولوجستيًا وعسكريًا من دول مجاورة معنية بتقويض التجربة الديمقراطية العراقية واخرى تسعى لتصفية حساباتها مع الاميركين على الساحة العراقية سيما وان العام 2008 قد شهد ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار البترول جعلت بعض المحاور الاقليمة لا تتردد في الانفاق بسخاء على تصدير صراعاتها وأزماتها الى العراق.

مصادر تمويل القاعدة في العراق

طالباني يدعو إلى خطط دوليّة إستخباراتيّة مع العراق لمواجهة القاعدة

وعن مصادر تمويل القاعدة في العراق يشير الصميدعي الى ان الحرب على الارهاب قد ضيقت بعد احداث ايلول (سبتمبر) العام 2001 الكثير من اعمال المؤسسات المالية الخيرية التي كانت تتخذ غطاء لتمويل القاعدة من قبل المتعاطفين معها حول العالم وخصوصًا دول الخليج الثرية وحتى تلك المؤسسات التي كانت تستغل رغبة الناس الفطرية في مجتمعات اقرب الى البداوة لعمل الاحسان لتحويل تبرعاتهم الى دعم الارهاب وتمت محاصرتها كثيرًا بتعاون الحكومات المعنية ودعمها للحرب على الارهاب. كما ساهم الغزو الاميركي لافغانستان في تقليل ريع تجارة الافيون التي كانت تعتمد عليها القاعدة في تمويل عملياتها وخططها حول العالم الى درجة كبيرة لذلك ابتدأت القاعدة تمويلها الرئيسي في العراق على الحكومتين الاميركة والعراقية. فالانفاق الاميركي الكبير الذي بدأ مع دخول الاميركيين للعراق في محاولة لاغراء المجتمع العراقي بالتحول الى اقتصاد رأسمالي بخلق طبقة صغيرة كعينة في كل زاوية من العراق من صغار المتعاقدين مع الجيش الاميركي اغرى التنظيم بزج عناصره للعمل في المقاولات او فرض اتاوات عالية تصل الى اقتطاع نصف اقيام هذه العقود وليس صافي أربحاها ومع إرتفاع وتيرة العنف وإحتياج الجيش الاميركي الى الاستعانة بمتعاقدين عراقيين لتنفيذ بعض متطلباته المدنية والانشاءات مع استمرار سياسية الاغراء الرأسمالي وفر التنظيم الجزء الاكبر من نفقاته وهو ما إعترف به الجيش الاميركي لاحقًا وقد إستمر هذا الامر من بداية الغزو الاميركي للعراق حتى منتصف العام 2008.

واوضح الصميدعي انه بالنسبة للحكومة العراقية فقد مول التنظيم نفسه الى درجة كبيرة من إستحواذه بشكل مباشر أو غير مباشر على صادرات زيت الغاز (الكازايل) من مصفى بيجي وبقية المصافي الى الدول المجاروة عبر الطرق البرية خاصة وان الاردن وتركيا وايران وسوريا كانت تحصل على هذه السلعة بنصف قيمتها في الاسواق العالمية لكونها كانت تهرب الى تلك الدول بشكل علني عبر مئات الشاحنات على المنافذ الرسمية لكون الحكومة العراقية وحتى عام منتصف عام 2005 تقريبًا لم تحكم سيطرتها على هذه المنافذ.. كما ساهم تفاقم ازمة المشتقات النفطية في محاولة دفع المصافي الى تكرير أكبر كمية من النفط الخام وبالتالي تراكم كميات كبيرة من نفايات التكرير (زيت الغاز) مع عدم وجود قدرة للدولة على خزنه او امكانية لتصديره لكون طرق تجارته تقع بالكامل تحت نيرن المسلحين الامر الذي دفع ادارات المصافي وخاصة بيجي الى توزيع زيت الغاز مجانًا او طرحه في برك مجاورة لمصافي النفط لضمان استمرار تشغيل المصافي بطاقاتها التكريرية.

واوضح ان بقية المصادر فلم تكن على مستوى عال من الاهمية كأعمال السلب والنهب أو ما يندرج على تسميته بفقه ( الغنائم بمفهوم التنظيم) لكن بالطبع إزدادت الحاجة الى مصادر تمويل اخرى وخاصة الخارجية حتى منتصف العام 2008 quot;وبرأيي إن وفرة المصادر المالية قد يكون العامل الاهم الذي ساعد التنظيم على إعلان دولته الاسلامية في العراقquot;.

أساليب القاعدة لتمويل عملياتها حاليا

وردًّا على سؤال حول الكيفية التي يقوم بها التنظيم الان لتوفير مردوات ماليه لتمويل عملياته قال المحلل الصميدعي quot; ان تحول آليات الحراك الاقليمي بشكل عام لجوار العراق على التأثير بالوضع العراق عن طريق دعم الطبقات السياسية بشكل مباشر بشكل أكبر من المراهنة على المجاميع العنفية ، والتقدم في إجراءات ضبط الحدود من الجانب العراقي دفع التنظيم الى الاستعانة بمدخراته من جهة والاعتماد على عمليات محدودة كالسطو على محال صاغة الذهب وبعض اعمال السلب البسيطة ضمن فقه الغنائم، إضافة الى ما يصله من دعم خارجي عن طريق الاجندات الاقليمية والمتعاطفين وهو الى انحسار لجملة من العوامل الضاغطة.

وعن قراءته لوضع وقدرات تنظيم القاعدة في العراق على المدى القصير مستقبلاً وفيما اذا كان سيستطيع استرجاع قوته في العراق اشار الصميدعي الى ان الاهم عراقيًا هو أن العراقيين تجاوزوا الطائفية اجتماعيا بالرغم من انها لاتزال تضرب اطنابها في مضارب الطبقة السياسية الى درجة كبيرة وان كانت اقل بكثر من مستوياتها السابقة مما يقلل من فرص التنظيم في اللعب بالورقة الطائفية وبدا ذلك جليًا في خارطة و استهدافاته الاخيرة التي تجاوزت الاطار الطائفي لكن التنظيم سيبقى منظمة سرية ارهابية قادرة على خلق او استغلال اية ثغرة امنية وسياسية للقيام بعمليات ارهابية نوعية وكبيرة. واضاف أن التنظيم بصورة عامة وليس في العراق يبدو واضحًا انه يعاني من ازمة قيمية ويتحول تلقائيًا الى ممارسة الارهاب كآيدلوجيا وهدف بذاته لا وسيلة لتحقيق هدف او منجز قيمي لذلك اعتقد انها ظاهرة لحتمية تاريخية لن تصمد طويلاً.