إيلاف من لندن: بات رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يرى في صعود حزب ريفرم يو كيه (Reform UK) بقيادة نايجل فاراج تهديدًا يتجاوز حدود التنافس السياسي التقليدي. في تحذير لافت، اعتبر أن بريطانيا تقف أمام ما وصفه بـ"منعطف تاريخي"، محذرًا من أن البلاد قد تواجه "ضررًا هائلًا" في حال وصول هذا الحزب الشعبوي اليميني إلى السلطة.
وفي مقابلة مطوّلة مع مجلة ذي إيكونوميست نُشرت في 3 كانون الأول (ديسمبر)، قال ستارمر إن الخطر الحقيقي لا يكمن في حزب المحافظين، بل في إمكانية تشكيل حكومة بقيادة ريفرم، مؤكدًا أن سياسات هذا الحزب قد "تُدمّر الكثير مما بُني خلال عقود"، وأنها تمثّل تهديدًا لبريطانيا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والدولي.
اتهامات بدعم موسكو وتحذير من "انهيار التحالفات"
ووصف رئيس الوزراء حزب ريفرم بأنه "مؤيد لبوتين أو محايد تجاهه"، مشيرًا إلى أن أحد قادته السابقين في ويلز حُكم عليه مؤخرًا بالسجن لأكثر من عشر سنوات، بعد إدانته بتلقي رشاوى ذات صلة بروسيا.
وأضاف أن "التدخل الروسي في ديمقراطيتنا أمر حقيقي"، مؤكدًا أن تولي فاراج رئاسة الحكومة سيُعقّد بقاء المملكة المتحدة ضمن "تحالف الراغبين"، وهو تحالف دولي يضم 35 دولة تدعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي. وبحسب تصريحه، فإن "المملكة المتحدة لا يمكن أن تكون جزءًا من هذا التحالف تحت قيادة نايجل فاراج".
العلاقة مع واشنطن وسط تحولات سياسية
في ما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، أظهر ستارمر موقفًا براغماتيًا حيال دعم بعض المقربين من الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب لصعود فاراج، قائلًا إنه "يعيش في العالم كما هو".
وردًا على سؤال حول قدرة بريطانيا على الاعتماد على أميركا للدفاع عن حلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قال: "نعم". كما قلّل من أهمية انتقادات بعض الأصوات داخل البيت الأبيض لبريطانيا ووصفها بـ"جزيرة كوابيس" تُهيمن عليها الهجرة والجريمة، رغم إقراره بأن الشكوى من ضعف الإنفاق الدفاعي الأوروبي "ربما تكون صحيحة".
الاقتصاد في مواجهة الشعبوية
أكّد ستارمر أن السبيل الأساسي لمواجهة صعود الشعبويين هو إنعاش الاقتصاد البريطاني، مشيرًا إلى أن سنوات ما بعد الأزمة المالية العالمية شهدت تراجعًا في الأجور الحقيقية وتدهورًا في مستويات المعيشة، بسبب التقشف والبريكست والجائحة والحرب في أوكرانيا.
ودعا إلى تنشيط التجارة الخارجية من خلال صفقات كبرى تشمل بيع سفن حربية للنرويج بمليارات الجنيهات، وتوفير طائرات تايفون لتركيا، إلى جانب تحسين العلاقات مع أوروبا "بخطوات تدريجية" بدل العودة المباشرة إلى الاتحاد الجمركي—وهي مقاربة لا تحظى برضا قطاع من ناخبي حزب العمال.
إصلاحات غائبة وخطاب يثير الجدل
رغم حديثه عن "تجديد وطني"، يرى بعض المحللين أن أجندة حكومة ستارمر تفتقر إلى خطوات إصلاحية واضحة. ووفق ما جاء في المقابلة، يرى ستارمر أن "الاستثمار يحتاج إلى الاستقرار واليقين"، مع الإشارة إلى جهود الحكومة لتيسير إجراءات البناء، لكن الميزانية الأخيرة، الصادرة في 26 تشرين الثاني (نوفمبر)، لم تتضمن إصلاحات هيكلية كبيرة، بل اكتفت بإجراءات تخفيفية كخفض فواتير الطاقة وتجميد أسعار القطارات.
وفي خطوة أثارت نقاشًا داخل حزب العمال، وصف ستارمر حزب المحافظين بأنهم "حلفاء فعليون" في مواجهة حزب ريفرم، وهو ما فسره منتقدون بأنه يمنح الشعبويين حجة للقول بأن "حزبًا واحدًا" يسيطر على الحكم في بريطانيا منذ عقود.
قراءة إيكونوميست: توصيف بلا وصفة
وفي ختام تحليلها، اعتبرت مجلة ذي إيكونوميست أن ستارمر "قادر على توصيف اللحظة التاريخية بدقة، لكنه لا يزال يفتقر إلى الوصفة الواضحة لكيفية مواجهتها"—في مفارقة تعبّر عن طبيعة التحدي الذي يواجهه رئيس الوزراء البريطاني في هذه المرحلة السياسية الدقيقة.





















التعليقات