لم تطو هامة أدبيّة مثل غازي القصيبي من ذاكرة الكويت والكويتيين، على الرغم من أنّ الموت طوى هذا الرجل أمس، مع إبداعات في الحقول الأدبية تزيد على أربعة عقود وعشرات المؤلفات الأدبية، فقصيدة quot;أقسمت يا كويتquot;، التي أبكت كل كويتي قبل نحو عشرين عامًا جعلته يتقلّد وشاحًا من أمير الكويت الراحل.

بعد أشهر قليلة من تمكّن القوات الدولية المتحالفة تحرير دولة الكويت من الغزو العراقي الذي دام سبعة أشهر، وعلى الرغم من أنّ الكويت ما زالت تتعافى من آثار الغزو، وبدأت معارك الإعمار لإنتشالها من بين الركاب، إلا أن أمير دولة الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح الذي توفّي في مطلع العام 2006، كان يدوّن إسم الشاعر السعودي الدكتور غازي القصيبي الذي غيبه الموت أمس، ليتمّ تكريمه، وتوجيه الدعوة إليه باسمه شخصيًّا لزيارة الكويت ليحظى بالتكريم لاحقًا من قبله، ومن قبل الحكومة والشعب في الكويت، علمًا أنّه كان وقتها قد عيّن في منصب السفير السعودي في المملكة المتحدة، إذ إنّ الرجل عدا عن طاقته في العمل الدبلوماسي التي جيّرها لصالح القضية الكويتية منذ الثاني من آب - أغسطس حين كان سفيرًا في البحرين1990، إذ إنّه وضع أيضًا قوّته الأدبية في سياق الحقّ الكويتي ndash; كما ظلّ يسمّيه وقتذاك- عبر مقالات وندوات وتصريحات مناهضة لما أقدم عليه العراق.

وشوهد أمير الكويت الراحل بعد ساعات من وصول الشاعر الراحل القصيبي الى الكويت تلبية لدعوة الأمير الراحل، يمشي بضعة خطوات بإتجاه الشاعر والسفير القادم إليه في ديوانه الخاص للسلام عليه، متخطيًا البروتوكول، الذي لا يجيز للأمير التحرّك الى الأمام لتقصير المسافة على ضيوفه الوافدين للسلام عليه، إلاّ أنّ أمير الكويت الراحل كان يعبر بإستثنائية عن تقديره للسفير السعودي الذي أبلغ الأمير الراحل وقتذاك قصة القصيدة العفوية التي أطلقها أثناء الغزو العراقي للكويت، مطلقًا خلالها نبوءته القوية التي طافت أرجاء العالم، وأحيت آمال الكويتيين في المنافي بقرب تحرر وطنهم، الى درجة دفعت المطرب السعودي الكبير لأن يشدو بها بعد إتفاق مع الشاعر الراحل، إذ إنّ قصيدة quot; أقسمت يا كويتquot; نالت شهرة إستثنائية وفريدة، لا يزال يتردد صداها في الداخل الكويتي.

وأبلغ الشاعر والسفير السعودي وقتها أمير الكويت الراحل، أنه كان يستمع الى نشرات الأخبار العالمية في مكتبه، وجاء فيها الخبر الأبرز وقتذاك، حول شطب رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين للحكومة الكويتية الشرعية، وتعيين حكومة موقّتة سرعان ما طلبت الإندماج مع العراق،وكتب القصيبي الأبيات التالية:

كويت ياكويت ياوردة صغيرة قد صـــــدت بعطـرها الـــلئام
وهزمــــــت بعطـــرها الغـــدر والجحــــود والاجــــــــــرام
أقسمت ياكويت برب هذا البيت سترجعين من خنادق الظلام
لــؤلــؤة رائعــــة كروعـــــــــــــة الســـــــــــــــــــــــلام
اقسمت ياكويت برب هذا البيت سترجعين من بنادق الغزاة
اغنيـــــــــة رائعــــــــة كروعـــــــــة الحيـــــــــــــــــــاة
اقسمت ياكويت برب هذا البيت سترجعين من جنازير التتار
حـــــــارة رائعــــــــة كروعــــــــــــة النهــــــــــــــــــار

وتجلت هذه الأبيات في قوة البصيرة السياسية والدبلوماسية التي كان يتمتع بها القصيبي، في الأيام الأولى لغزو الكويت، وكتب القصيبي سلسلة مقالات في جريدة الشرق الأوسط اللندنية حملت عنوان quot;عين العاصفةquot; تحدث فيها عن الغزو العراقي بأسلوب ناقد للغاية، تردد وقتذاك أنه أزعج محطة المخابرات العراقية في لندن التي كانت مهمتها الأساس إلتقاط الأقلام العربية المهاجرة، لتأييد الغزو العراقي، والعمل على إنقاص المساحة المؤيدة للقضية الكويتية، كما أن القصيبي تحدث أيضًا عن الشيخ فهد الأحمد الصباح الذي قتل على أيدي القوات العراقية في اليوم الأول لغزو الكويت حين قرر الدفاع بسلاحه الأوتوماتيكي عن قصر الحكم في العاصمة الكويتية.

وعلى هامش الدعوة الأميرية للقصيبي عام 1992، ومنحه وسامًا رفيعًا للغاية لا تتقلده إلا الزعامات الكبيرة، ومقدمي الخدمات الجليلة للكويت، فقد شارك في عدة أمسيات شعرية وأدبية في العاصمة الكويتية، لا تزال الأعلى في عدد الحضور بين سائر أنواع الأمسيات الأخرى التي عقدت في الكويت منذ ذلك الحين، إذ إنّ عدد الحضور قد فاق كلّ التوقّعات، وأنّ المئات ممّن وفدوا لأمسية القصيبي قضوا وقتهم خارج المسرح الذي عقدت فيه الأمسية، وهو أمر انتبه إليه القصيبي فوعد جمهوره ومحبيه بالإطلالة عليهم كلما سنحت ظروف عمله، واعترف بأنّه فوجئ بحجم حضوره ورواد مساحته في الكويت، معتبرًا أن الكويت بلد شديد الوفاء.

وفي زيارة أخرى له للكويت عام 2003 التي زارها لتكريمه في ملتقى القرين الثقافي بإعتباره شخصية العام الثقافية، قبل أن يشارك في عدة ندوات وأمسيات، فاق حضورها أيضًا كل التوقعات، فاعترف أمام من ضاقت بهم جنبات المسرح بأن زوجته كلما رأته عبوسًا أو مهمومًا تقترح عليه زيارة الكويت، لأنها تراه كلما عاد من الكويت أكثر سعادة وبهجة وإشراقًا، مؤكّدًا أنه على قناعة بأنها صاحبة حق، فهو فوجئ بأن ندوة أدبية أو أمسية يمكن أن تستجلب هذا العدد الهائل من الحضور، مستدركًا أنّ برودة الطقس، والأجواء الربيعية التي تنقل الكويتيين عادة الى البرّ والمخيمات كانت كفيلة بأن تجعل هذا المسرح خاليًا من الحضور.