انطلاقًا من تونس، مرورًا بالجزائر فالقاهرة فنواكشوط، تتنوّع العواصم لكنّ أسلوب الاحتجاج واحد: الموت حرقًا. ويبدو أنّ الرياح تنقل شرارة ثورة حرق النفس التي بدأت تونسيّة إلى الدول المجاورة. فـ quot;ثورة الياسمينquot; التونسيّة المنشأ لقيت رواجًا، وقد تكرّر خلال الأيّام القليلة الماضية أسلوب الاحتجاج ذاته في كلّ من الجزائر والقاهرة ونواكشوط.

نواكشوط، القاهرة، الوكالات: في حادثتين متتاليتين تذكران بالشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه وتحوّل إلى رمز لـ quot;ثورة الياسمينquot; التي أطاحت برئيس تونس سابقًا، زين العابدين بن علي، أضرم رجل مصري وآخر موريتانيّ تباعًا النار بنفسيهما اليوم الاثنين تعبيرًا عن استيائهما من النظام. وفي الجزائر، توفي رجل يوم الاحد متأثرًا بحروقه بعدما اضرم النار بنفسه السبت في مدينة قريبة من الحدود التونسية، فيما حاول ثلاثة اشخاصفي الايام الماضية القيام بالامر نفسه.

منذ بداية العام الجديد، شهدت مختلف المدن الجزائرية احتجاجات أدت إلى صدامات عنيفة بين المواطنين وقوات الأمن بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية (أرشيف)
الغلاء والبطالة والأوضاع المعيشية المتردية يفجّرون غضب الجزائريين

ففي القاهرة، أعلن مصدر نيابيّ أنّ رجلاً أضرم النار بنفسه أمام مجلس الشعب. الشرارة لم تنطفئ هناك، إنّما انتقلت إلى ساحة قريبة من المقر الرئاسي في نواكشوط، حيث أعلن شهود عيان أنَّ رجلاً موريتانيًّا أضرم النار بنفسه تعبيرًا عن quot;استيائهquot; من النظام.

مصريون يهتفون: اسمعوا كلام التونسيين
الاحداث المتسارعة في تونس تتابع عن كثب في مصر، البلد الذي يشهد توترات اجتماعية وسياسية. وقد أقدم عبده عبد المنعم (50 عامًا) وهو صاحب معطم من مدينة القنطرة، القريبة من الاسماعيلية على قناة السويس، على رش البنزين على جسده ثم اشعل النيران فيه لكن شرطيًّا كان قريبًا منه نجح في اطفاء النيران، وفق مصدر برلماني ووكالة انباء الشرق الاوسط المصرية.

وتم نقل الرجل الى مستشفى قريب. وقال وزير الصحة حاتم الجبلي انه اصيب بحروق سطحية ويتم علاجه وينتظر ان يخرج من المستشفى في غضون 48 ساعة. ولم يسمح للصحفيين بمقابلة الرجل. واكدت وكالة انباء الشرق الاوسط ان الرجل الذي يمتلك مطعمًا صغيرًا في القنطرة اراد الاحتجاج على عدم حصوله على quot;كوبونات لشراء الخبز الذي يستخدمه في اعداد المأكولات في مطعمهquot;.

مسؤولون يسارعون للتقليل من شأن الحادث
وسارع رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف الى وضع هذا الحادث في سياق المشاكل البيروقراطية نافيًا عنه اي صفة اجتماعية او سياسية. وقال الشريف وهو الامين العام للحزب الوطني الحاكم quot;يجب ان نتعامل مع الموضوع بحجمه وحقيقته وعلى حد علمي فإنّ هذا المواطن يمتلك مطعمًا ولديه مشكلة في صرف حصة الدقيق الخاصة به، وليس هناك ما يدعو ان يناقش المجلس (البرلمان) هذا الامرquot;. لكن الشريف أكد quot;ضرورة العناية بهذه المشاكل. واذا كانت جهة ادارية ما تعنت معه فيجب ان تحاسبها الحكومة ويأخذ المواطن حقهquot;.

من جهته، قال وزير الشؤون القانونية والبرلمانية مفيد شهاب انه ينبغي quot;عدم استباق الاحداث في مثل هذه المواضيع والقفز الى نتائج نحددها نتيجة استنتاجات. والامانة تقتضي ان ننتظر نهاية التحقيقاتquot;.

ووفق مصدر قضائي، قال الرجل في التحقيق الذي فتحته النيابة العامة، انه quot;اعتاد ان يحصل من الوحدة المحلية بمنطقة القنطرة على كوبونات تحدد نصيبه الشهري هو وافراد اسرته من الخبز المدعم ولكنه عندما ذهب الاربعاء الماضي ليأخذ الكوبونات فوجئ بموظفة تقول له ان اسمه غير مقيد لديها وان هناك تعديلات جديدة في الاجراءات تتطلب منه ان يسجل اسمه اولاً في الوحدة المحليةquot;. واضاف امام محققي النيابة انه quot;تقدم بشكوى لرئيس مجلس المدينة الذي طلبهاتفيًّا من الموظفة ان تعطيه كوبونات فعاد اليها ولكنها قالت له انها سوف تصرفها quot;للهquot; (اي من باب الصدقة) فشعر بالاهانة وقرر ان يشعل النار في نفسهquot;، وفق المصدر نفسه.

quot;اسمعوا كلام التونسيين... الدور عليكم يا مصريينquot;
هتافات علت من أمام السفارة التونسية في مصر يوم الجمعة الماضي.

وكان العشرات قد تجمّعوا مساء الجمعة أمام السفارة التونسية في القاهرة للاحتفال بسقوط زين العابدين بن علي وهتفوا quot;اسمعوا كلام التونسيين، الدور عليكم يا مصريينquot;. وكانت القاهرة قد أكّدت السبت انها تحترم quot;خياراتquot; الشعب التونسي داعية التونسيين الى quot;ضبط الوضع وتفادي سقوط تونس في الفوضىquot;.

وشهدت مصر، مثل غيرها من دول الشرق الاوسط، خلال الأشهر الاخيرة توترات اجتماعية وتظاهرات بسبب التضخم والبطالة. وتأثرت مصر بصفة خاصة بقرار روسيا وقف تصدير القمح كونها المستورد الاول لهذه السلعة على مستوى العالم. واضطرت الحكومة الى شراء القمح على وجه السرعة من مصدرين اخرين للحد من تأثير نقص هذه السلعة الاساسية بالنسبة إلى الفقراء الذين يعيش غالبيتهم على الخبز المدعم.

كما ادى أخيرًا ارتفاع اسعار اللحوم وبعض الخضروات والنقص في اسطوانات الغاز التي تستخدم في المواقد المنزلية، الى توتر اجتماعي. واحتفل عشرات المصريين بسقوط الرئيس التونسي مساء الجمعة امام السفارة التونسية في القاهرة وهم يهتفون quot;اسمعوا كلام التونسيين، الدور عليكم يا مصريينquot;. واكدت الحكومة المصرية السبت احترامها quot;خيارquot; الشعب التونسي ودعته الى quot;ضبط النفس لتجنب الفوضيquot; في البلاد.

بده عبد المنعم ويبلغ من العمر 50 عاما احرق نفسه لعدم قدرته على الحصول على خبز مدعم
عبده عبد المنعم (50 عامًا ) احرق نفسه
لعدم قدرته على الحصول على خبز مدعم

لهيب موريتانيا
إلى نواكشوط، حيثروى شهود عيان أنَّ رجلاً ويدعى يعقوب ولد داود (43 عامًا) أوقف سيارته أمام مجلس الشيوخ الذي يبعد بضعة امتار عن المقر الرئاسي واشعل النار بنفسه داخل السيارة. واتاح التدخل السريع لقوى الأمن إجلاءه إلى المستشفى لمعالجته من حروق في الوجه والقدمين.وافاد مصدر طبي ان وضع ولد داود تدهور بسبب الحروق التي تغطي 95% من جسمه، وان عائلته تسعى الى نقله الى الخارج للعلاج.واشار صحافيون ابلغهم قبل دقائق عزمه اضرام النار، انه قام بذلك تعبيرًا عن quot;استيائه من الوضع السياسي في البلاد وعن غضبه من النظام الحاكمquot; في نواكشوط.

وفي الجزائر توفي الأحد رجل متأثرًا بحروقه بعدما اضرم النار في نفسه السبت في مدينة قريبة من الحدود التونسية، فيما حاول ثلاثة اشخاص في الايام الماضية القيام بالامر نفسه.

وفي 17 كانون الاول (ديسمبر) قام البائع المتجول التونسي محمد البوعزيزي (26 عامًا) بإحراق نفسه احتجاجًا على مصادرة بضائعه، ما أشعل فتيل احتجاجات شعبية غير مسبوقة أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي فر من بلاده الجمعة ولجأ الى السعودية.