تطفو إلى السطح مجدداً رغبات بتأمين حماية دولية لأقباط مصر أجّجتها أحداث ماسبيرو الأخيرة. وفيما يميل أقباط المهجر في أميركا وأوروباإلى هذا الإجراء متلاقين مع مواقف بعض من في الداخل، ترفض القيادات القبطية تبنّيه وتدويل القضية.

أثارت أحداث ماسبيرو الأخيرة رغبات البعض بفرض حماية دولية لصالح أقباط مصر لكن القيادات القبطية قابلتها بالرفض

القاهرة: تجدّدت الدعوات لفرض الحماية الدولية للأقباط في مصر عقب أحداث ماسبيرو التي راح ضحيتها 26 قتيلاً و306 مصابين، جراء المواجهات بين قوات الأمن والمسيحيين أمام مقر الإذاعة والتلفزيون. ويتبنى أقباط المهجر المقيمون في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا تلك الدعوات، ورغم أن القيادات القبطية في الداخل كانت تعلن رفضها القاطع لتلك الدعوات في السابق، إلا أن مواقفها جاءت متباينة حالياً، ما بين مؤيدة ومعارضة لها.

موريس صادق يصف الأحداث بـquot;النازية الإسلاميةquot;

أطلق المحامي الأميركي المصري الأصل موريس صادق، الدعوة منذ شهر آذار (مايو) الماضي، وتقدم بطلبات إلى الأمم المتحدة والكونغرس الأميركي والإتحاد الأوروبي، وأعلن عن إقامة ما أسماه بـquot;الدولة القبطيةquot; في الخارج، وها هو يجدد دعوته لفرض الحماية الدولية للأقباط من جديد، على خلفية أحداث ماسبيرو. ووصف الأحداث بأنها quot;نازية إسلاميةquot;، كما وصف المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري وأعضاء المجلس بأنهم quot;نازيونquot;، وأن الجيش المصري quot;جيش إحتلال إسلاميquot;.

وقال في بيان له: quot;النازيون العسكر طنطاوي وسامي عنان والمجلس العسكري لجيش الاحتلال الاسلامي لمصر يرتكبون أكبر مجزرة بشرية لذبح وإبادة الاقباط بعد إبادة يهود مصر quot;. وقال إن الأحداث أسفرت عن quot;ذبح ثلاثة أطفال و52 إمرأة ورجلا بمدافع الدبابات وتحت عجلاتهاquot;، وطالب بمحاكمة دولية للعسكر على غرار محكمة الحريري، وطرد السفراء المصريين من دول العالم، وفرض الحماية الدولية على مصر.

إنطلاق دعوات الحماية الدولية من الداخل

ولا يخلو الأمر من مبالغات ومغالطات واضحة، لا سيما في أرقام الضحايا، والحديث عن عمليات إبادة للمسيحيين، كما حدث من إبادة لليهود في مصر، حيث إن التاريخ لم يذكر أن اليهود تعرضوا للإبادة في مصر، بل اقتصر على ذكر تعرضهم للإبادة في ألمانيا على أيدي النازيين. لكن دعوة صادق للحماية الدولية للأقباط تلاقت مع مواقف البعض في مصر، ومنهم المحامي ممدوح رمزي الذي قال في تصريحات تلفزيونية عقب الأحداث إن الأقباط سيلجأون للتحكيم الدولي أمام الأمم المتحدة، في مواجهة ما وصفه بـquot;إرهاب الدولة الذي يمارسه النظام الحاكم ضدهمquot;. واتهم الجيش quot;بالإفراط في استخدام القوة ضد احتجاجات الأقباطquot;، داعياً إلى اعتباره quot;حساباً عنيفاًquot;. وقال quot; لابد من حساب عنيف لما حدث، ولم يعد لدينا خيار إلا تدويل القضيةquot;.

قصور في حماية الأقباط

وأيّد محامي الكنيسة نجيب جبرائيل دعوة رمزي لتدويل قضية الأقباط، وقال أيضاً إن quot;طلب الحماية الدولية للأقباط هو خيار غير مستبعد في ظل الظروف الراهنةquot;. لكنه صرّح لـquot;إيلافquot; أن حماية الأقليات من المهام الأساسية للدولة، مشيراً إلى أنه ليس هناك ما يمنع أن ينظر المجتمع الدولي في مسألة إهدار حقوق الأقليات باعتبارها جزءاً من منظومة حقوق الإنسان.

وأضاف أن مصر وقّعت على العديد من المواثيق الدولية في هذا الصدد. وأوضح أنه إذا كان هناك قصور في حماية الأقليات في مصر وعلى رأسها الأقباط، فليس هناك ما يمنع أن تحثّ الدول الأخرى والأمم المتحدة، الدولة المقصّرة على القيام بواجبها حيال الأقلية الموجودة على أراضيها. نفى جبرائيل ان يكون ذلك تدخلاً في شؤون مصر، رغم ان البعض يعتبره كذلك، لكن الأمر ليس صحيحاً.

ورفض جبرائيل دعوات أقباط المهجر بإنشاء دولة قبطية، وقال إن الشعب المصري نسيج واحد، يختلف في ذلك عن باقي شعوب المنطقة، سواء في لبنان أو العراق أو السودان، مؤكداً أن الخلفية التاريخية والسياسية لمصر تأبى انقسامها إلى دويلات. وأضاف: quot;لا يمكن تحقيق هذا الأمر، الذي نرفضه بشدة.quot; وأرجع تلك الدعوات إلى أن أقباط المهجر يندفعون بمشاعر عاطفية، حينما يرون دماء أبنائهم وأشقائهم تراق على أرض الوطن.

رفض كنسي

ومن جهتها، ترفض الكنيسة رفضاً مطلقاً دعوات فرض الحماية الدولية للأقباط أو تدويل قضيتهم. وقال الأنبا مرقس أسقف شبرا الخمية إن تلك الدعوات مرفوضة جملةً وتفصيلاً، مشيراً إلى أن الأقباط لديهم مشاكل، لكنهم لا يعانون الإضطهاد.

وأضاف لـquot;إيلافquot; أن من يدعون إلى الحماية لا يعرفون جيداً أن علاقة الأقباط بإخوانهم المسلمين قوية، وأن التدخل لن يحمي الأقباط، متسائلاً: quot;هل حمت أميركا ودول التحالف في العراق المسيحيين هناكquot;؟

ويجيب قائلاً: quot;الواقع يقول لا، إنهم لم يحموا مسيحيي العراقquot;. وأكد أن الأقباط لن يحصلوا على حقوقهم إلا بدعم من إخوانهم المسلمين المعتدلين.

ورفضت الكنيسة الإنجيلية أيضاً تلك الدعوات، وقال الأنبا يوحنا قلتة إن الدعوات لطلب الحماية الدولية لصالح الأقباط غير مقبولة. وأضاف لـquot;إيلافquot; أن من يقف وراء إطلاق تلك الدعوات هم أصحاب مصالح شخصية. وأشار إلى أنه لا يمكن تفسير حادث ماسبيرو على أنه محاولات إبادة واصفاً قول هذا بأنه ضرب من quot;الهزارquot;، أو الهذيان. وأوضح أن جميع التجارب في هذا الصدد مريرة، وجاءت بالخراب على الجميع، داعياً إلى ضرورة حل المشاكل داخلياً بالحوار، وليس بطلب الحماية الدولية.

دعوة لتدخل الناتو

غير أن المحامي القبطي ممدوح نخلة ذهب إلى أكثر من دعوة الأمم المتحدة لحماية الأقباط سياسياً، ودعا إلى تدخل الناتو أو قوات دولية على غرار ما حدث في ليبيا وما يدعو له السوريون حالياً.

وقال: quot;لقد طلبت المعارضة الليبية الحماية الدولية، ولم يعترض أحد وطلبت المعارضة السورية ممثلة في جماعة الاخوان المسلمين الأمر نفسه، ولا أحد يزايد عليهم في وطنيتهم ولم يعترض أحد.quot;

وأضاف نخلة، المعروف بتشدده، في مقابلة مع فضائية الحرة عراق: quot; اذاَ من حقنا نحن الاقباط أن نطالب بالحماية الدولية أيضاًquot;. وأشار إلى أن هذا المطلب ربما يلقى قبولاً لدى الشارع القبطي والمسلمين المعتدلين في مصر. وقال إن تنامي هذه الاحداث ربما يشجع الاقباط أو يجعل مقولة الحماية الدولية أمرا مقبولا لديهم رغم استنكارهم له في الماضي، كما أنه قد يجد تعاطفاً من بعض المسلمين المعتدلين الذين يناصرون قضيتهم.

الحوار هو الحل وليس الحماية

ولكن في المقابل، يرفض المفكرون الأقباط تلك اللهجة ويستنكرون هذه الدعوات. وقال جمال أسعد، أحد قيادات الأقباط البارزين، لـquot;إيلافquot;، إن من يدعون إلى الحماية الدولية لا يقدرون مصلحة الأقباط، معتبراً أن طلب التدخل في الشؤون المصرية من أميركا أو إسرائيل أو أية جهة دولية لا يخدم القضية القبطية، بل يزيدها تعقيداً ويؤزمها بشكل لن تجدي معها أية حلول، وسوف يزرع الكراهية بين المسلمين والمسيحيين. وأضاف أن مشاكل الأقباط لن تحل إلا من خلال الحوار، من دون تشنج أو عنف.