يرى كتّاب جزائريون أنّ الإعلام الإلكتروني صار سلطة أولى إثر تمرّده على الرقابة، وتحوّله إلى مارد يربك الأنظمة التي تجذّف عكس التيار لإجهاض الثورات الشعبية التي تسعى إلى إسقاطها، الأمر الذي سيؤهّله للعب أدوار فارقة في كل ما تشهده المنطقة العربية حاضرًا ومستقبلاً.


هل تصمد الصحافة الورقية أمام quot;غزوةquot; الالكترون؟

الجزائر: يؤكد كل من سليمان جوادي وسعد بوعقبة في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot;، أنّ صحافة الالكترون حجّمت سلطة السلطة، وكسرت الصورة التقليدية للإعلام والسياسة، متوقعين أن يكون لها شأن كبير مستقبلاً، يدفع الدول إلى مراجعة نظمها.

ويركّز الإعلامي الجزائري سعد بوعقبة على امتلاك الإعلام الالكتروني خاصية إيجابية، تتمثل في إلغائه لحكاية الرقابة، وإبقائه الرقابة الخاصة التي يتوخاها جمهور ممارسيه والمضبوطة بقوانين وضعتها بعض الدول.

ويلاحظ كاتب العمود الصحافي الأشهر في الجزائر، أنّ الإعلام الالكتروني أخرج دائرة الصحافة من دائرة الاختصاص الصحافي إلى دائرة الشعبية، حيث صار بوسع أي شخص ndash; على حد تعبيره - أن يخوض في الصحافة عبر إعطائه المعلومة ونقلها والتقاطه الصور الخاصة بها.

الالكترون فجّر شرارة التغيير

يجزم الكاتب الجزائري البارز سليمان جوادي بأنّ شرارة ثورات التغيير العربية انطلقت من هذا الإعلام الذي تفوّق على الصحافة الكلاسيكية من حيث ملامسته هموم الجماهير العربية ورغباتها وأحلامها من دون مزايدات أو تسييس.

ويثمّن جوادي نجاح صحافة الالكترون في قهر الرقيب، الذي ظلّ عقدة كبيرة لدى شعوب العالم الثالث، وخاصة العربية، وأتى الإعلام الإلكتروني ليخلصها من هذه الممنوعات، ويجعلها ترى الأحداث بعيون أوسع وأكثر قربًا من الواقع، فأصبحت تشاهد ما هو أسود على أنّه أسود، وما هو أبيض أبيض من دون مساحيق أو رتوشات أو تغيير وتحوير يتدخل في توجيه الأخبار والوقائع.

تحجيم سلطة quot;السلطةquot;
يذهب بوعقبة إلى أنّ الإعلام الالكتروني حدّ من سلطة السلطة على تدفق المعلومات، كل هذا أدى إلى خلق شيء جديد برز مع الثورات العربية، وهو quot;التنظيم السياسي على الإعلام الالكترونيquot;، حيث صار بوسع أي فصيل شبابي في تونس ومصر وغيرهما، أن ينشئ موقعًا وينسق بشأن سيرورته، بشكل تجاوز الطابع الإعلامي إلى مستوى سياسي تجلى في شبكة التواصل الاجتماعي فايسبوك.

إلى ذلك، يُبرز بوعقبة أنّ الإعلام الالكتروني أحيا الإعلام كسلطة أولى، وصار في العالم الأول بمثابة سلطة السلطات، بارتقائه من سلطة رابعة إلى سلطة أولى، ويلفت محدثنا إلى أنّه في أميركا، الكونغرس يشرّع، والحكومة الأميركية تنفذّ تحت رقابة القضاء، والإعلام الالكتروني يراقب الجميع، يعني أنه صار سلطة السلطات.

ونتيجة التطور الهائل في سرعة تدفق المعلومات، صار الرئيس الأميركي لا يقدّم الحساب لشعبه عبر ما كان معمولاً به قبل سنوات وعقود، وصار يتعاطى عبر الإعلام مباشرة وبشكل يومي، وباتت معها الرقابة الإعلامية يومية.

ويشدد بوعقبة على أنّ الإعلام تحوّل إلى سلطة السلطات في الغرب، وذاك ظهر بوضوح في قضية مقتل بن لادن، ورفض البيت الأبيض نشر الصور، واحتدام الجدل دفع بالبيت الأبيض إلى تبرير مواقفه للإعلام، وليس لأعضاء الكونغرس.

بينما في الديار العربية، لا يزال الاعلام الالكتروني يتدحرج على حد تعبير بوعقبة، بيد أنّ ذلك سيتغير حتمًا، ويلاحظ الرجل أنّ حجم تأثير الإعلام على السلطة كبير جدًا، كما هو حاصل في الجزائر، حيث تخشى دوائر القرار هناك مما ينشره هذا الإعلام، وهو ما يدفع الحكومة وسائر المسؤولين إلى مخاطبة الرأي العام عبر الإعلام بدلاً من البرلمان.

المتنفّس

من جهته، يرى سليمان جوادي أنّ ما تتيحه الصحافة الإلكترونية من مرونة التفاعل مع الأخبار، أعطاها شعبية ورواجًا كبيرين، خاصة لدى الطبقات المتنوّرة، التي كانت لا تجد أين تبث أفكارها، ولا أين توجه انتقاداتها، ولا أين تعلن عن رفضها واستنكارها.

ويورد جوادي أنّ الإعلام الإلكتروني يصل إلى القارئ، حيث ما كان عكس نظيره التقليدي، سواء المقروء أو المسموع أو المرئي، الأمر الذي مكّن الإعلام الإلكتروني وجعله يسدّ الفراغ، ويجلب إليه كمًّا هائلاً من القراء الذين رأوا في الإعلام الإلكتروني رئة جديدة، تمكنهم من التنفس بحرية أكبر.

ظواهر وتفاعلات

يسجل بوعقبة أنّ الإعلام الالكتروني مارس كسرًا إيجابيًا في عمومه، موضحًا أنّ الإعلام الالكتروني لم يكسر الصورة التقليدية لمهنة الصحافة فحسب، بل كسّر الصيغة التنظيمية لمفهوم الأحزاب والتنظيمات السياسية، في صيغة يراها مقتبسة من أخرى استخدمها الشباب الأميركي في الدفع بأوباما الرجل الأسود للوصول إلى رئاسة أميركا.

لكنّ ثمة سلبيات بمنظور بوعقبة، كاختلاط المهني باللامهني، مبررًا حكمه بأنّ الإعلام الالكتروني فتح المجال لأي شخص كي يكون صحافيًا (..)، وينقل معلومات قد تكون مغلوطة مثلما قد تكون صحيحة، وهو ما يطرح مشاكل بشأن نوعية تدفق المعلومات، ومسألة غربلتها، ما قد يؤدي إلى البلبلة وتبعات ذلك.

ويرفض بوعقبة أن يقتصر حكمه على شبكات التواصل الاجتماعي، بل يعممه إلى المواقع الالكترونية، ويحذر من كون الطابع quot;الشعبيquot; لهذا المواقع قد ينعكس عليها سلبًا من زاوية عدم التحقق من الأخبار قبل نشرها، وقليلة جدًا المواقع ndash; يضيف - التي تحرص على تطبيق إيجابيات العمل الصحافي التقليدي ومزاوجتها بإيجابيات العمل الصحافي الالكتروني، وهي معادلة قابلة للتطوير، كما حدثت في أميركا وأماكن أخرى.

ويسجل بوعقبة الذي تولى إدارة تحرير صحف جزائرية عديدة، أنّ الإعلام الالكتروني أنتج مجموعة ظواهر ستكون لها تفاعلات أخرى مستقبلا، معتقدا أنّ الإعلام الالكتروني في العالم العربي ما يزال في بداياته، ويرى أنّ عموم المواقع لم تصل مستوى الجماهيرية في الوطن العربي ولا تزال محصورة وسط النخب، رغم إشادته بالتجربة اللافتة لـquot;إيلافquot; واستفادته منها.

ويتوقع بوعقبة أنّ كثيرًا من التنظيمات والمواقف ستلغى بناء على هذا المعطى الجديد quot;الإعلام الالكترونيquot;، وسيكون لهذا الأخير بحسبه شأن كبير في تغيير الملامح السياسية، وليس الإعلامية فقط، وسيجعل دولاً كثيرة، تعيد النظر في نظمها، بما يتناسب مع المعطى الجديد، الذي يمنح الناس حق الانتظام بعيدًا عن الخضوع لحدود المكان والزمان.

الحالة الجزائرية واعدة

يلاحظ بوعقبة أنّ واجهات الإعلام الالكتروني صارت الآن في الجزائر، كما العالم العربي، تكتسح معاقل الإعلام التقليدي، ما فرض على الصحف الورقية تحديًا مضاعفًا لتسريع التحوّل إلى مطبوعات الكترونية، تتمتع بالديناميكية اللازمة لمواكبة عصر تدفق المعلومات.

ويرفض الرجل قراءة quot;نجاحquot; الإعلام الالكتروني في مصر وتونس، وquot;فشلهquot; في دول أخرى، على أنّه راجع إلى تقدم هنا وتأخر هناك، مشددًا على أنّ الجزائر استبقت بلدانًا عربية كثيرة من خلال ثورة الديمقراطية التي اندلعت في تشرين الأول/أكتوبر 1988.

كما يدفع بوعقبة بكون الأحداث التي وقعت في تونس ومصر سبق أن عايشها الجزائريون قبل سنوات طويلة، مستطردًا: quot;السلطة في الجزائر استفادت من تجربتي تونس ومصر، في منع تكرارها، حيث عرفت كيف تتعاطى بطريقتها مع أحداث عنيفة شهدتها الجزائر خلال الفترة القليلة الماضية، وحالت دون استنساخ النموذجين التونسي والمصريquot;.

تفسير الوقائع ورياح القوننة

يتوقع بوعقبة أن يبقى الإعلام الالكتروني مرتبطًا بـquot;تفسير ما يقعquot;، لأنّه حتى وإن كان سبّاقًا إلى نقل الحدث وتوصيفه، إلاّ أنّه في حاجة إلى تفاسير للوقائع، وهي قاعدة من اختصاص quot;الصحافيين المهنيينquot; على حد وصفه، مشيرًا إلى أنّ الرأي العام عادة ما يسمع الخبر بسرعة عبر الوسائط الالكترونية، ويبقى ينتظر الصحف للحصول على تفاسير للوقائع التي حدثت.

ويشكّك بوعقبة في قدرة الإعلام الالكتروني على تحقيق تحدي quot;تفسير ما يقعquot;، ويقول إنّه حتى لو حدث ذلك فسيكون محدودًا، وعليه يبقى مستقبل الصحافة بنوعيها الكلاسيكي والمبتكر، مرتبطًا بمهنيتها في quot;تفسير ما يقعquot;، وهذا هو مجال المنافسة الإعلامية مستقبلاً بعدما كسب الإعلام الالكتروني رهان السرعة في نقل الخبر.

ويلفت صاحب بريشة السردوك ونقطة نظام، إلى أنّ إقدام السلطات الجزائرية على قوننة الإعلام الالكتروني، سيكون له انعكاسات إيجابية، مشيدًا بقانون الإعلام في بلاده quot;الأحسنquot; من نوعه مثلما قال في العالم العربي، بل أحسن من بعض القوانين في أوروبا.

ويدافع بوعقبة عن استحسانه بالقول إنّ المجلس الأعلى للإعلام في الجزائر يُنتخب ثلثا أعضائه من الصحافيين، بينما في فرنسا يُعيّنون، إلى جانب عدم تجريم الكتابة الصحافية والتراجع عن ملاحقة الصحافيين قضائيًا.

هذه الصورة انعكست أيضًا في قانون المطبوعات الالكترونية، إذ رُوعي روح قانون الإعلام الجزائري، رغم فرض بعض التضييقات من منطق قانون العقوبات، وليس قانون الإعلام، ولكنها ليست بالسوء الكثير.

في المقابل، يتصور جوادي أنّ تعاظم أهمية الإعلام الإلكتروني وتأثيره في المجتمعات، يتطلب تأطيره بقوانين وتشبعه بأخلاقيات، حتى يتم استبعاد شبح الانحراف.