في أول عيد بعد ثورة 25 يناير، نشرت الداخلية المصرية الآلاف من جنود الأمن المركزي لتأمين النساء من ظاهرة التحرش المنتشرة في الأعياد بشكل أساسي. ورغم كثافة التواجد الأمني إلا أن ذلك لم يبدد المخاوف من شبح التعرض للتحرش.


في الإحتفال الأول للمصريين بعيد الفطر بعد الثورة، كان مشهد نشر آلاف من جنود الأمن المركزي على طول كورنيش النيل في القاهرة الممتد لعشرات الكيلومترات، أشبه ما يكون بمشهد طالما اعتادوه لنحو 30 عاماً مضت، ألا وهو مشهد مرور موكب الرئيس السابق حسني مبارك أو نجله جمال، حيث كان يتم نشر هؤلاء الجنود بالطريقة ذاتها على جانبي الشارع الذي سيمر منه، رغم أنه قد لا يعبره، ويتم تغيير مسار الموكب في اللحظات الأخيرة. ولكن هذا التواجد الأمني المكثف لم يكن لتأمين عصام شرف رئيس الحكومة أو المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري، بل لتأمين النساء من التحرش في الأعياد، بشكل أساسي، وبسط السيطرة الأمنية على المناطق الخطرة.

غياب نسائي رغم كثافة الأمن

لم يكن مشهد إصطفاف الجنود بملابسهم البيضاء، وليست السوداء كالمعتاد، على طول الكورنيش وحول وداخل الحدائق والمتنزهات العامة إلا جزءاً من خطة وزارة الداخلية لمكافحة التحرش الجنسي الذي عادة ما ينتشر في الأعياد، ورغم كثافة التواجد الأمني للمرة الأولى، إلا أن ذلك لم يبدد مخاوف النساء، ولاسيما الفتيات في مصر من شبح التعرض للتحرش الجنسي، حيث تلاحظ غياب العنصر النسائي عن المناطق التي توصف بأنها quot;خطر على النساء في الأعياد وأثناء الزحامquot;، وهي كورنيش النيل، وسط القاهرة، ولاسيما أمام دور العرض السينمائي، شارع الهرم الذي يضم أكبر عدد من الملاهي الليلية ومحال تعاطي الخمور في القاهرة، حديقة الحيوان في الجيزة.

ويبدو أن دعوة المركز المصري للدفاع عن حقوق المرأة التي أطلقها في اليوم السابق للعيد، قد لاقت آذاناً صاغية لدى وزارة الداخلية، حيث دعاها إلى توفير دوريات أمنية، وتكثيف التواجد الشرطي في الشوارع، إنطلاقاً من حملته quot;شارع آمن للجميعquot;، ورغم أن العديد من المصريين شكلوا لجاناً شعبية لتأمين الشوارع خلال العيد، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتبديد مخاوف الفتيات والشابات من التعرض للتحرش، فاكتفين بالإحتفال بالعيد داخل جدران منازلهن، أو في النوادي الرياضية والإجتماعية ذات الخصوصية، ولكن المتوقع أن يخرجن للإحتفال في خلال اليومين المقبلين.

وشهدت الإحتفالات بأعياد الفطر والأضحى والربيع في الماضي، حالات تحرش جماعي في منطقة وسط القاهرة والكورنيش، كان أشهرها حالات التحرش بعشرات الفتيات أمام سينما في وسط القاهرة بعد وصلة رقص شعبي قدمتها الراقصة الشهيرة دينا، والمغني سعد الصغير إحتفالاً ببدء عرض فيلم يقومان ببطولته معاً.

إختفاء التحرش

وترى منال عبيد الناشطة النسائية أن هناك عدة أسباب تقف وراء اختفاء التحرش الجماعي في أول عيد تحتفل به مصر بعد الثورة، وتوضح لـ quot;إيلافquot; أن أول تلك الأسباب التواجد الأمني الكثيف في خريطة التحرش الجنسي المعروفة للجميع في مثل تلك المناسبات، مثل كورنيش النيل، وسط القاهرة شارع الهرم وأمام دور العرض السينمائي، مشيرة إلى أنه لأول مرة منذ إنشاء قطاع قوات الأمن المركزي في مصر منذ منتصف الستينات يتم استغلال جنوده في غير الأهداف السياسية، حيث نشرت وزارة الداخلية الآلاف من الجنود في تلك الأماكن بكثافة والتنظيم نفسه الذي كان متبعاً أثناء تأمين موكب الرئيس السابق حسني مبارك، والذي يعتمد على تكثيف الأمن للردع النفسي، معتبرة أنه أسلوب جيد في الحد من تلك الجريمة.

وتشير عبيد إلى أن خوف الأسر المصرية من حالة الإنفلات الأمني التي تمر بها البلاد، جعلها تعزف عن الخروج إلى المتنزهات والتشديد على بناتها في الخروج للتنزه، متوقعة أن يحدث خروج في اليومين المقبلين من العيد للإحتفال بعد أن تأكد الجميع أن الشارع صار آمناً.

النظام السابق لم يعترف بخطورة التحرش

ووفقاً لإحصائية صادرة عن المركز المصري لحقوق المرأة، فإن 83 % من المصريات و 92 % من الأجنبيات، و 72% من المتزوجات، و94% من الفتيات، يعانين منه بشكل يومي. وجاءت الملامسة غير اللائقة للجسد على قمة أشكال التحرش بنسبة تجاوزت 40% بخلاف التتبع والملاحقة والمعاكسات الكلامية.

وقد رصدت منظمات أجنبية تصاعداً خطراً في ظاهرة التحرش الجنسي في مصر، ما جعل وزارة الخارجية الأميركية تصدر تحذيرات متكررة لرعاياها من النساء بضرورة توخي الحذر أثناء السفر إلى مصر، وعدم التجول في الأماكن المزدحمة، الأمر الذي أثر بالسلبفي معدلات السياحة الوافدة.

ورغم أن نظام مبارك كان يرفض الإعتراف بتلك الظاهرة وخطورتها، إلا أنه إضطر قبل إزاحته في فبراير الماضي، وتحديداً في شهر سبتمبر من العام 2010 إلى الإعتراف بها، بعدما لاحظ أنها صارت سبباً في تدني السياحة في مصر، على أثر تحذير دول أخرى لرعاياها منها روسيا وألمانيا وإسبانيا وفرنسا، وقال إنه يدرس إقرار مشروع لتشديد العقوبات على التحرش، لكن ثورة 25 يناير لم تمهله، وتكفل المجلس العسكري بإصدار تعديلات على قانون العقوبات لتصل العقوبة للإعدام في بعض حالات التحرش.

صلاة العيد في ميدان التحرير للمرة الأولى

ولم يكن إختفاء التحرش هو الظاهرة الأبرز فقط في احتفال المصريين بأول عيد فطر لهم بعد الثورة، لكن كانت هناك ظواهر أخرى لافتة، على رأسها إقامة صلاة العيد في ميدان التحرير، وأمام السفارة الأميركية للمرة الأولى في تاريخ مصر الحديث، فقد أدى عشرات الآلاف صلاة العيد في الميدان، من دون أن يكون ذلك تلبية لدعوة سياسية أو من أجل التأكيد على مطالب الثورة، كما يحدث في الدعوات للتظاهر يوم الجمعة طوال الستة أشهر الماضية.

وقال محمد العدلي من شباب الثورة لـ quot;إيلافquot; إن الدعوة لأداء صلاة العيد في ميدان التحرير لم تحمل في طياتها أية أهداف سياسية، بل كان الغرض منها التأكيد على وحدة المصريين، وأن يتشاركوا جميعاً في الإحتفال بالعيد وفرحته، مشيراً إلى أن صلاة العيد لم تشهد رفع شعارات أو هتافات ذات أبعاد سياسية فئوية. وأكد أن جميع القوى السياسية كانت ملتزمة بعدم إفساد فرحة العيد بالسياسة.