في ملف جديد لـlaquo;إيلافraquo;، يبحث كتاب وخبراء من مختلف دول المنطقة الأسباب التي تحدو بالأنظمة المتلظّية من laquo;ربيع العربraquo; للتهديد بأن البديل الوحيد غيرها هو الحكم الإسلامي الأصولي.


قال زين العابدين بن علي إن ما يجري في بلاده laquo;عمل إرهابيraquo;. وفي مصر وصف نظام حسني مبارك الجموع الهائلة في ميدان التحرير بأنها laquo;شوية ولاد صيّعraquo;. وفي البحرين ألقى القصر باللائمة في الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح والإنصاف على ايد دخيلة وإرهابية.

وفي خطاب laquo;زنقة زنقةraquo; الشهير قال الزعيم الليبي السابق معمر القذافي إنّ البديل عنه وعن نظامه قيام إمارات تابعة لتنظيم laquo;القاعدةraquo;. وفي اليمن وجّه الرئيس علي عبد الله صالح التهم للقاعدة ايضا بالوقوف وراء ما يحدث. وفي سوريا يقول بشار الأسد الآن إن laquo;عناصر إرهابية مخرّبة تسعى لتقويض الاستقرار في سورياraquo;.

هؤلاء هم زعماء الدول العربية التي طالها لهيب laquo;ربيع العربraquo; فطوى صفحتها في كتاب التاريخ السياسي العربي أو انه في وارد طيّها الآن. ويظل ملاحظا أن الخيط الذي يتخلل هذه المنظومة وحبات العقد الأخرى التي ستضاف اليه هو تهديد الحكام الدائم بأن الأفضل للمحكومين هو استمرارهم في الحكم لأن بديلهم حكم إسلامي أصولي لا يبقي ولا يذر.

ومن هذا المنطلق استطلعت laquo;إيلافraquo; قراءها حول مضمون هذه المقولة وما إن كانت مجرد فزّاعة تنصبها الأنظمة لتبرير بقائها (ثلثا المساهمين وافقوا على هذا)، أو ما إن كان التهديد جديّا ويجدر الأخذ به وهو ما قال به الثلث الباقي.

وغني عن القول ربما إن العرب، في تحدّيهم لشرعية أنظمتهم وإطاحتهم ثلاثة من أقدمها ومسعاهم العنيد للتخلص من أخرى، أنجزوا شيئا ما كان ليخطر على البال حتى العام الماضي فقط. ولأن هذه الأنظمة لجأت - كدأبها منذ أن كشّرت الأصولية الإسلامية عن أنيابها وصارت لمختلف الأسباب صنوا للإرهاب في الداخل والخارج - الى استخدام هذه الورقة للتخويف من البديل سواء عبر العصيان المدني أو المسلّح أو العملية الديمقراطية.

ولهذا اتخذت laquo;إيلافraquo; من نتيجة استطلاعها الأخير منطلقاً لاستضافة كوكبة مما لا يقل عن 25 من الكتاب والخبراء في مختلف انحاء العالم العربي للإدلاء بتعليقاتهم على هذا الأمر المعتبر جزءا من أهم المنعطفات في تاريخ المنطقة الحديث.

وعبر مكاتب laquo;إيلافraquo; العديدة في مختلف أنحاء العالم العربي، أدلى اولئك الكتاب والخبراء بطائفة من الآراء المترامية الأطراف التي ننشرها تباعا في ملف خاص على خمس حلقات تبدأ غدا. وهي آراء نعتقد أنها ستشكل، على الأقل، الأرضية المناسبة لمنبر يدلو فيه القراء أيضا بخواطرهم في ما يمكن أن يعتبر قضية الساعة على الساحة العربية.

وحري بهذه التوطئة أن تضع خلاصة آراء الخبراء الواردة في الحلقات الخمس المقبلة داخل إطار يتيح للقارئ استباق ما يمكن ان يتوقعه منها.. وهي على النحو التالي:

* التيار العام وسط ضيوف laquo;إيلافraquo; هو أن الأنظمة في تهديدها ببديل الحكم الأصولي البديل، تعلم أن هذا التهديد لا يتعدى كونه فزّاعة لأنه يهمل معطيات كثيرة أخرى منها أهمها أداؤها هي في المقام الأول، ثم الأنماط والسوابق التاريخية والعوامل الكثيرة المعقدة والمتشابكة اللازمة لقيام أي حكم بديل بغض النظر عما إن كان أصوليا أو غيره. وتصب تلك الآراء في أن تلك الأنظمة توظف هذه الفزّاعة ايضا لغرض آخر وهو تبرير تاريخ القمع والظلم على مختلف أشكاله وسجل فشلها الكامل في تحقيق أماني مواطنيها.

ومع ذلك فمن بين الذين أدلوا بآرائهم من يعتقد أن الحكم الأصولي laquo;خطر حقيقي وليس وهميا بأي شكل من الأشكالraquo;. وعلى سبيل المثال وليس الحصر يقول أحد هؤلاء إنه بتناول المخاطر والتهديدات التي يشكلها الأصوليون laquo;فإننا لا نهوّل ولا نبالغ. الإسلاميون يفزعون المطمئن ويروعون الهادئ ويهددون الأمن، وينبغي على الشعوب العربية أن تعي مخاطرهم الجمة على مستقبل بلدانهم ومنطقتهم وعالمهمraquo;.

وفي جهة وسط يأتي صوت نسائي بالقول إن فرص قيام دولة دينية وارد تماما، لكنه يجب ان لا يخيفنا. وتبعا لهذه الكاتبة فما يجب أن نقلق بشأنه هو قيام دول متشددة في أي اتجاه كان، إذ مهما كانت هوية الدولة الجديدة فعليها أن تطرح نموذجا عقلانياً متوائما مع العصر لتكون فاعلة وقادرة على الاستمرار.

* إن الحديث عن فزاعة أصولية غير ممكن من دون وجود العنصر الغربي. وهذا إما لأن الأنظمة العربية تستمد بقاءها بوعدها الغرب بأنها أفضل حاجز بينه وبين الحكم الإسلامي المتشدد، أو لأن الغرب نفسه صنع أو ساعد في صنع هذا التوجه.

ويتناول أصحاب الرأي القائل إن الفزاعة الإسلامية صناعة غربية بامتياز وأن التهويل من الخطر الإسلامي يعود تحديدا إلى ما بعد الحرب الباردة أي بعد سقوط الفزاعة الاشتراكية لتُستبدل بها فزاعة إسلامية. وقيل في هذا الاتجاه ايضا إن الغرب إستخدم جماعات الإسلام السياسي في الحرب ضد الإتحاد السوفياتي في أفغانستان، كما استخدم جماعات الإسلام السياسي في باكستان في مواجهة قوة الهند عندما كانت لها تحالفات قوية من الإتحاد السوفياتي. وهكذا صار من السهل على الأنظمة الآيلة للسقوط أن تتشبث بكراسي الحكم عبر التهديد بقدوم الإسلاميين وسيادة الفوضى والإضرار بمصالح الغرب في المنطقة.

* إن الأحزاب الدينية نفسها صنيعة الأنظمة التي تصفها بالفزّاعة. فهذه الأخيرة هي المسؤولة في الأساس عن وجود الحركات المتشددة. وعلى هذا النحو فقد أعاقت، على مدى حقبة طويلة، قيام أنظمة ديمقراطية، وحالت دون إعمار البلدان وتنميتها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً بما يخفّض من مستوى خط الفقر ويقلّل من نسبة التخلف.

ويقول هذا الرأي إن سياسات الأنظمة السائدة أفضت الى حال رهيبة من الإملاق والأمية في المجتمعات العربية، وإن هذا هو المناخ المناسب للتشدد والتطرف. ففي هذه البيئة انبثقت الحركات الإسلامية المتشددة. ويضيف هذا التحليل نفسه أن فاقد الشيء لا يعطيه، وأن الأنظمة العربية فقدت القدرة على إدارة مجتمعاتها وهي بالتالي غير مؤهلة لتقديم البديل، الممثل في النظام الديمقراطي المدني العلماني، للأصولية الإسلامية.

* إن الأحزاب الدينية تشكّل بعبعا حقيقيا للأنظمة الحاكمة بسبب قوة تنظيمها وشبه جاهزيتها لوراثة الحكم مقارنة بالكتل السياسية الأخرى الكسيحة تقريبا. وقيل في هذا الصدد إن قوة الكيانات الإسلامية تكمن في قدرتها على التعبئة الجماهيرية الواسعة والبناء التنظيمي المتجذر والتحكم الجيد في أنصارها واقتراب أطروحاتها مع أحلام وتطلعات الجماهير، وهو ما يعني أن فرص وصولهم الى السلطة أكثر من تلك المتاحة لغيرهم. وقيل أيضا إن ما يُثار بشأن الإسلاميين وتقديمهم بثوب الأكثر تنظيمًا وشعبيّةً من قوى يساريّة وليبراليّة حقيقة ماثلة في العديد من الدول التي يغشاها الربيع العربي.

* ثمة من يعتقد أيضا أن الدافع الحقيقي وراء الأمر طائفي. والمعني هنا هو الأنظمة التي تحتمي بالأقليات من اجل استنفارها في وجه الغالبية. وينبه أصحاب هذا المنحى الى أن على الجميع أن يدركوا أنهم ليسوا جاليات أجنبية وجدوا بالصدفة في الشرق الأوسط، وأن الثورات التي انطلقت لم ترتكز على دوافع ايديولوجية ودينية، وإنما حدثت بدافع واحد وهو حقوق الانسان والحرية والعدالة للجميع.

* الجماعات الإسلامية ndash; مثيرة الفزع في المقام الأول ndash; ما عادت هي نفسها بحاجة الى عنصر التخويف. فقد جاء لجوؤها الى العنف، سواء المعنوي أو المحسوس، كنتيجة لإغلاق جميع قنوات التعبير في وجهها وفقدها الأمل في التغيير السلمي. ولكن بعد نجاح الشعوب في إحداث التغيير المنشود سلمياً، لم تعد هناك حاجة أمام هذه الجماعات لاستخدام العنف لأن الديمقراطية يمكن ان تكفل لها الوصول الى الحكم في حال أقنعت الجماهير بأهليتها له وفعاليتها في إدارة دفته.

* إنطلاقا من هذه النقطة الأخيرة فإن شباب الثورات العربية نفسه محصّن تقريبا من الخوف من هذا الطرف أو ذاك. فالجيل الجديد الذي قاد هذه الثورات إنما هو جيل عصري يستخدم التكنولوجيا الحديثة للتعبير عن احتجاجه وآماله في مستقبل أكثر تحررا من كوابح الماضي، وسيبقى متسلحاً بهذه التكنولوجيا لممارسة الرقابة على أجهزة السلطة ومنع تحولها إلى الفردية أو التسلط. التكنولوجيا الحديثة، إذن، صمام أمان واق من مطبات المستقبل أمام الأمة العربية.

هذه هي بعض المرتكزات الرئيسة التي قامت عليها آراء الكتّاب والخبراء في ملف يقيننا أنه منبر حافل سيجد فيه القارئ مادة ثرية ستلهب خياله على مستويات يصعب حصرها. وربما كان ملائما أن تُختتم مقدمة الملف هذه بتساؤلات وملاحظات قد تلقي ببعد آخر الى منظور الأمر برمته:

- ماذا يفيد الإسلاميين اذ يبدون نذيراً وخطراً بدل أن يحملوا لشعوبهم الأمل في غد أفضل؟ وهل يريحهم أن يكونوا مثلهم مثل العسكر لا يمكن الوثوق بهم في إدارة أي دولة؟ بل انهم بتنكرهم بالدين ربما يكونون أخطر من العسكر.

المكان الأفضل للإسلاميين يكمن في منابر التوجيه والتصويب والتنبيه لا في مراكز صنع القرار. وهذا لأنهم، بممارساتهم، لا يختلفون بشيء عن أي فئة ذات إيديولوجية مغلقة. يمكنهم أن يكونوا ضمير الأمة. أما أن يديروا شؤون الأمة ومصيرها فلا، لأن من يتولى مهمة كهذه يخضع للمساءلة فالشعب يفوّضه والشعب يحاسبه. هل يمكن منع الإسلامي المؤدلج من ان يعتبر نفسه مفوضاً من الله وبالتالي فوق المساءلة. ما الفرق بينه وبين أي حاكم من أولئك الذين لم يسائلهم أحد طوال عقود الى أن سقطوا أخيراً.

* وكانت إيلاف طرحت في الاستفتاء الأسبوعي السؤال حول ما تردده الأنظمة العربية الآيلة للسقوط أن حكماً إسلامياً متشدداً سيحل مكانها في حال رحيلها. ورأى معظم القراء أن هذا الطرح هو مجرد فزاعة تنصبها الأنظمة لتبربر بقائها.

شارك برأيك.

إقرأ أيضًا

ملف laquo;إيلافraquo; حول laquo;ربيع العربraquo; وفزاعة الأصوليّة (2/6)
الأنظمة الاستبداديّة والأقليات... حاميها يحتمي بها!
الأنظمة الاستبداديّة والأقليات... حاميها يحتمي بها!
ملف laquo;إيلافraquo; حول laquo;ربيع العربraquo; وفزاعة الأصوليّة (3/6)
تونسيون: عُمر الإسلام المتطرف قصير إن حكم!
تونسيون: عُمر الإسلام المتطرف قصير إن حكم!
ملف laquo;إيلافraquo; حول laquo;ربيع العربraquo; وفزاعة الأصوليّة (4/6)
محللون جزائريون: التهويل بالإسلام المتشدد رسالة تخويف

ملف laquo;إيلافraquo; حول laquo;ربيع العربraquo; وفزاعة الأصوليّة (5/6)
ثورتا مصر وتونس أبطلتا مفعول فزاعة الإسلاميين السلطوية

ثورتا مصر وتونس أبطلتا مفعول فزاعة الإسلاميين السلطوية

ملف laquo;إيلافraquo; حول laquo;ربيع العربraquo; وفزاعة الأصوليّة (6/6)
شباب العرب الثائر يستهدف إسقاط الاستبداد والتشدّد..في آن