في الحلقة الرابعة من ملف laquo;إيلافraquo; حول مضامين laquo;ربيع العربraquo;، يقرأ خمسة محللين جزائريين سبب تهويل الأنظمة بالإسلام المتشدد واستخدامه كفزّاعة وعلى أنّه رسالة تخويف. كما توقع المحللون أن يستخدم الغرب الإسلاميين من أجل ملء الفراغ الذي ستتركه الأنظمة المنهارة، ولإدارة العالم العربي من خلال الإسلاميين ذاتهم.


تظاهرة في الجزائر للمطالبة بالإصلاح- ارشيف

يرى الباحث والمفكّر الجزائري محمد بغداد أنّ السقوط السريع والمريع وغير المتوقع لبعض الأنظمة العربية الحاكمة جاء في وقت كانت قد وصلت معظم النخب المعارضة إلى مرحلة اليأس وانتقلت إلى المراهنة على القوى الدولية من أجل مساعدتها على الانخراط في السلطة والمشاركة الهامشية في أجهزة الأنظمة الحاكمة.

ويرى بغداد أنّ السقوط السريع لهذه الأنظمة والذي تبقى الكثير من حيثياته غامضة ndash; مثلما يقول -، فتح أعين هذه النخب على واقع جديد تمثل في قوة التيارات الإسلامية التي تحركت كغيرها من القوى السياسية، إلا أنّها ظهرت أكثر قوة من غيرها، وقوتها تكمن في قدرتها على التعبئة الجماهيرية الواسعة والبناء التنظيمي المتجذر والتحكم الجيد في أنصارها واقتراب أطروحاتها مع أحلام وتطلعات الجماهير، الأمر الذي دفع إلى رفع شعار يستعمله الغرب نفسه والمتمثل في استراتيجيات التخويف من الإسلاميين، ورسالة التخويف موجهة بالدرجة الأولى إلى الغرب، وثانيا إلى النخب المتبقية من الأنظمة المنهارة.

محمد بغداد

ويذهب بغداد إلى أنّ هذه الوضعية تدفع إلى الوقوف أمام مجموعة من الملاحظات المهمة:

- النخب السياسية العربية الليبرالية واليسارية الجديدة،لا تزال تحت صدمة السقوط المريع للأنظمة ولم تنتقل إلى مرحلة بناء رؤية سياسية أو انجاز مشروع سياسي لما بعد الأنظمة المنهارة.
-الغرب انتقل من مرحلة حرب الإسلاميين إلى مرحلة التعامل معهم، وفق استراتيجيات محددة أساسها إشراكهم في الحكم وإبعادهم عن الشارع، ونزع أسلحتهم القوية المتمثلة في التعبئة الشعبية والنموذج القابل للتدويل هو النموذج الجزائري.
- أغلب التيارات الإسلامية انتقلت إلى مرحلة فهم اللعبة الغربية، وشرعت في التعامل البراغماتي معها بهدف التقليل من الخسائر، وسيطرة نخب جديدة على قيادة التيارات الإسلامية أهم ما تتميز به هو quot;الانتهازيةquot; السياسية.
- الغرب فهم أن نقطة ضعف التيارات الإسلامية، هو المشاركة في السلطة فهي المحطة الوحيدة التي تفتح عليهم أبواب جهنم من خلال الصراعات والانشقاقات والدوران في فلك الاختلافات الداخلية، ولهذا فالطرح الغربي متقدم على رؤية التيارات السياسية العربية لواقع التيارات الإسلامية.
- التيارات السياسية العربية لا تزال بعيدة عن التعبئة الجماهيرية والتنظيم الداخلي كونها لم تفهم بعد نفسية الإنسان العربي، تماما مثل الخطاب الغربي (الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وغيرها..) لا تقنع الإنسان العربي لأنها لا تنسجم مع رؤيته للواقع القائم.
- الغرب يمارس ضغوطاته على التيارات الإسلامية من أجل الانتقال من مرحلة العمل المسلح إلى مرحلة العمل السياسي من أجل ملء الفراغ الذي تركته الأنظمة المنهارة وإدارة المرحلة المقبلة التي تتسم بسيطرة رهيبة للغرب على العالم العربي من خلال الإسلاميين.

د . بن عبد الله مفلاح

بدوره، يعتبر د. بن عبد الله مفلاح انه جرت العادة أن تستثمر الأنظمة العربية فزاعة quot;الإسلامفوبياquot;، لحماية مصالحها ومصالح الغرب في المنطقة، وهما بنظره في سلة واحدة.

ويعزو د.مفلاح إمعان تلك الأنظمة في تضخيم الإحساس بالخطر الإسلامي، في التخوّف القائم لدى الحكام العرب كما الغرب من مظاهر الروح الدينية القوية وما يُثار بشأن الإسلاميين وتقديمهم بثوب الأكثر تنظيمًا وشعبيّةً من قوى يساريّة وليبراليّة موجودة في الحالتين المصريّة والتونسيّة وغيرهما، وهذا يعني أنّ احتمال وصول الإسلاميين إلى السلطة أكثر ترجيحًا.

وعليه، يلفت مفلاح إلى ما يراه غربيون علامة على أنّ الإسلاميين ستكون لهم أدوار كبرى في توجيه الثورات، وأنّ بحلول نهاية عام 2011 سيصل - في أغلب الأحوال- إلى سدة الحكم في مصر رئيس ذو توجه quot;أصوليquot; معاد للغرب رغم أنّ الإقرار بذلك ليس واضحًا حتى الآن إلى مَن ستؤول أمورُ الحكم في كلّ من تونس ومصر، بما يجعل همّ الغرب في المرحلة القادمة هو التحريض ضد هذه الثورات، وتأليب الرأي العام العربي والغربي وصناع القرار ضدها، وسيقضي أيامه المقبلة رهينة quot;رُهاب قيام أفغانستان جديدةquot; هنا وهناك، حتى وإن كان وصول الإسلاميين أو سواهم، سيغدو مُقيّدًا بمدى قدرتهم على تلبية مطالب الناس والتصدّي بنجاعةٍ لمقتضيات المرحلة الجديدة.

د.حبيب بوخليفة

من جهته، يحيل د. حبيب بوخليفة إلى أنّ خلفية تلويح النظم بالقنبلة الإسلامية لتبرير بقائها، موصول بكون الوعي الجمعي لمواطنيها مبنيا على الثقافة الدينية التقلدية ويميل إلى ما يرمز لها.

ويلفت بوخليفة المختص في علم الاجتماع، إلى أنّ الأنظمة المستبدة تحاول من خلال تخويفها من خطر الحركة الإسلامية، تمرير خطاب صريح مفاده أنّ صعود حملة المشروع الإسلامي سيكون عنوانا للفوضى والعنف، بما قد يدفع بشعوبها للتراجع عن المطالبة بالتغيير، خشية منها من صعود بدائل تدفع إلى التعفن وسيلان الدماء بغزارة وتنتهي بالوقوع في مستنقع نظم متشددة.

ويلاحظ بوخليفة أنّ النظم الاستبدادية العربية تحرص على رفع سقف التخويف من الحركات الإسلامية المتطرفة، لأجل مغازلة الدول الغربية وأميركا التي ركبت موجة تلك التغييرات، ويتصور بوخليفة أنّ معادلة التخويف بالإسلام المتطرف هي جزء من الاتفاق بين الغرب وتلك الأنظمة على مر العقود، بما سهّل ndash; يضيف - النفوذ الاقتصادي الأوروبي وتغلغله في اقتصاديات عربية مبنية أساسا على الريع.

وإذ يقحم بوخليفة محاولة الأنظمة التخويف بالإسلاميين للتعمية على فضائح الفساد والتسيير السيئ وفشلها في حل المشاكل الاجتماعية المتعددة، يشير المتتبع quot;أمير قادرquot; إلى أنّ النظم العربية تمعن في إبراز quot;البعبع الإسلاميquot; لأنّ ذلك يشكّل لدى العلب السوداء للنظم quot;البائسةquot; حجة آمنة لبقائها، ومبررا لتكريس نمطها البوليسي.
ويستدل قادر بواقع دول هيّأت المناخ ndash; بحسبه - لمجموعات متشددة لتعيش وتزدهر فيها، لأنّها توفر المبرر لاستمرار النظم المعنية تحت ذريعة quot;محاربة الإرهابquot;، مثلما هو حال الرئيس اليمني في مقاربته بشأن القاعدة وكذا من ينعته quot;المريض القذافيquot; وquot;المخبول بشار الأسدquot; على حد وصفه.

في سياق متصل، يتصور منسق حركة بركات الجزائرية المعارضة لزهري لبتر، أنّ التيار الاسلاموي أو بالأحرى التيارات الاسلاموية أضحت تمثل اليوم معطى في المجتمعات العربية والإسلامية، لا يمكن تجاهلها أو التخلص منها باللجوء إلى الفكر السحري، واستبعادا لأي التباس، يوضح لبتر أنّه لا يقصد المجموعات الأصولية المتطرفة ذات الطابع الفاشي التي من الواجب المقدس محاربتها على كل الأصعدة الأمنية والسياسية والعقائدية والثقافية والاجتماعية وعلى المستويين المحلي والدولي.

ويقدّر لبتر أنّ الترويج أكثر من اللازم للإسلام المتشدد يجد مؤداه في حرص الأنظمة المستبدة والمهددة في كيانها على التشبث بالحكم ودفاعا عن مصالحها الضيقة، عبر تخويف شعوبها والغرب بقولها الكاذب على طريقة quot;إما نحن أو الاسلامويون المتطرفونquot;، حيث قيل هذا الكلام من طرف زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي وعلي صالح وبشار الأسد، ولا زال يُقال في الجزائر والمغرب والأردن وبلدان عربية أخرى كثيرة.

ويتساءل الناشر والكاتب الجزائري الحداثي عما إذا كانت البلدان العربية لا تتوفر على قوى ديمقراطية جمهورية وطنية أخرى، وهل الاختيار حتما هو بين الطاعون أو الكوليرا، ليخلص إلى أنّ البديل : سلطة استبدادية/سلطة اسلاموية، تجاوزه الزمن وشيعت جنازته الثورات العربية المنتصرة والقادمة التي تطرق على أبواب الانتصار.

وعليه، يوقن لبتر أنّ التيارات الإسلامية لن تلعب أي دور مهم يذكر خلال كل هذه الثورات التي رفعت شعارات الحرية والعدالة والكرامة في ظل أنظمة ومجتمعات ديمقراطية إنسانية، هذا هو الدرس والمستقبل كشاف.

إقرأأيضا فيإيلاف

كتّاب يبحثون أسباب اتخاذ الأنظمة البديل الأصولي أداة للتخويف