مشروع تأسيس الدولة الديمقراطية التي تؤمن بحقوق الإنسان، كما ظل يردد الثوار الليبيون، يبدو على المحك بسبب ما يتعرض له الأفارقة السود من ممارسات عنصرية خطرة، خصوصًا بعد فرار كتائب القذافي من طرابلس. ورغم نفي ممثل quot;الانتقالي الليبيquot; لـ(إيلاف) أنباء تعرضهم لانتهاكات، فإنّ أخبار التجاوزات ضدّهم تتواتر.


سود أفارقة في قبضة الثوار الليبيين بعد دخول طرابلس في أغسطس الماضي

باريس: العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية دق ناقوس الخطر، معتبرًا أن فئة السود في ليبيا معرضة للخطر، كما ورد في بيان لمنظمة العفو الدولية، فيما كانت منظمة أطباء بلا حدود السباقة في كشف ملجأ جماعي لهؤلاء في ميناء مهجور يبعد عن العاصمة الليبية 25 كلم غربًا.

من جهته، قال المجلس التمثيلي لجمعيات السود في بيان له quot;في الوقت الذي يجري العمل على إقامة حكم جديد في طرابلس بدعم من فرنسا، تقع تجاوزات عنصرية تستهدف السكان السود وتنقلها وسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية العاملة على الأرضquot;.

وأضاف البيان نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، quot;ترتكب عمليات قتل وأعمال سرقة واعتقالات اعتباطية وممارسات غير إنسانية بحق السكان السود في الشوارع في كل أنحاء البلاد وخصوصًا في طرابلسquot;.

وطالبت هذه الجمعية quot;رئيس الجمهورية الفرنسية نيكولا ساركوزي ووزير الخارجية آلان جوبيه باستقبال ممثلين لها في اقرب وقت لدرس الإجراءات التي يمكن أن تتخذ مع السلطات الليبية الجديدة لوقف هذه التجاوزات ومعاقبة مرتكبيهاquot;.

كما دعت الحركة المناهضة للعنصرية ومن اجل الصداقة بين الشعوب، في بيان مماثل، باريس إلى التدخل، مؤكدة أنه توجد quot;حاجة ماسة لذلكquot;.

وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو،الثلاثاء، في مؤتمر صحافي: quot;ابلغنا السلطات الليبية الجديدة تمسك فرنسا بضرورة التعامل باحترام مع هؤلاء السكان الذين أنهكتهم النزاعات، وقد تم تمرير هذه الرسائل بنجاحquot;.

الواقع المرّ للمهاجرين السود في ليبيا

نقل مبعوث صحيفة quot;لوموندquot; إلى ليبيا الوضعية الصعبة جدًا التي تنتاب هؤلاء الأفارقة، حيث تنقل إلى ميناء صياد الذي احتشد فيه المئات من المهاجرين السود، وتحدث إلى البعض منهم، إذ عبّروا له عن قلقهم على مصيرهم والأخطار المحدقة بهم.

وقال مهاجر نيجري في تصريح لمبعوث الصحيفة الفرنسية quot;اعتقلت من منزلي، ولولا وجود مشغلتيفي المكان عينه لكنت قتلت، سرقوا مني ممتلكاتي، واقتادوني إلى معتقل، كنا 59 شخصًا في زنزانة واحدة، من دون مرحاض ولا ماء ولا غطاءquot;.

وأضاف متحدثًا عن معاناته مع الاعتقال quot;كانوا يقدمون لنا الأكل والشراب مرة واحدة في اليوم، كان معنا مواطن مالي مصاب، إلا أنهم لم ينقلوه إلى المستشفى، بعض الحراس كانوا يضربوننا، و لم نستجوب قطquot;.

مهاجرون أفارقة اعتقلوا في ليبيا

وذكرت الصحيفة أن هذا النيجري أنقذه ليبي من البقاء في السجن، وطرحت في الوقت نفسه تساؤلاً عن مصير الذين تبقوا في هذا المعتقل، شأنهم شأن اللاجئين اليوم في الميناء المذكور، حيث يقضون الوقت في لعب كرة القدم أو ترديد الأهازيج.

ممثل منظمة أطباء بلا حدود بعين المكان قال في تصريح له للجريدة نفسها quot;يجب توفير الحماية لهؤلاءquot;، كما أشار في الوقت نفسه إلى وجود مخيم مماثل وسط مجموعة من الضيعات الزراعية في ضواحي طرابلس.

الثوار الليبيون أكدوا في مناسبات عديدة وبالحجة والدليل إبان أوج القتال بينهم وبين كتائب القدافي أن العقيد الليبي وظف مرتزقة أفارقة في محاربتهم، لكن من هم؟.

معطيات تقول إنّ مجموعة منهم قامت بذلك إلا أنه، اليوم، تحول كل من يحمل بشرة سوداء إلى متهم.

quot;لوموندquot; سردت قصة نساء سوداوات ليبيات يجمعن عند باب معتقل يوجد خلف جدرانه زوج أو أخ أو أب لهن، اعتقل فقط لأنه أسود، ما يوضح أن الأوراق اختلطت كثيرًا، ولا يخفي مراقبون أن الأمر في الكثير من الحالات مرتبط بتصفية حسابات.

سيف النصر: هناك من يريد الإساءة للثورة

منصور سيف النصر، ممثل المجلس الوطني الانتقالي الليبي في باريس والمعارض السابق للقذافي،الذي عرف بدوره معاناة المنافي نتيجة مطاردة العقيد له ولمن كان يناهض نظامه، له رؤية مختلفة عما يروّج له العديد من وسائل الإعلام الدولية بخصوص الواقع الذي يعيشه الأفارقة السود في ليبيا.

منصور، الذي يمثل اليوم الدبلوماسية الليبية في العاصمة الفرنسية، قال في تصريح خاص لـ(إيلاف) quot;نحن غير متأكدين من ذلكquot;، نافيًا تهمة انتهاكات ضد السود من طرف الثوار، ومعتبرًا أن من يقومون بذلك quot;يريدون أن يسيئوا إلى الثورةquot;.

منصور سيف النصر ممثل المجلس الوطني الانتقالي الليبي في باريس

وأضاف ممثل المجلس الوطني الانتقالي الليبي في باريس: quot;من يقفون وراء ذلك متآمرون على الثورة من أنصار القذافيquot;، مذكرًا بتوجيهات رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل بأن quot;لا يمس إخواننا الأفارقة في ليبيا بأي سوءquot;.

وقال منصور سيف النصر: quot;إخواننا الذين خرجوا من ليبيا هربًا من الحرب، سيعودون إلى أعمالهمquot;، مشيرًا إلى أن عبد الجليل quot;التقى على هامش مؤتمر باريس الرئيس التشادي ادريس ديبي، واتفق الطرفان على تشكيل لجان مشتركة ستتكلف بتدارس ملفات عودة العمال التشاديين إلى ليبيا والأمن على الحدودquot;.

وحول كيفية تعاطي النظام الجديد في ليبيا مع الأفارقة الذين ساندوا القذافي في حربه ضد الثوار، قال سيف النصر من ثبت بحقهم أنهم quot;ارتكبوا جرائم سيقدمون إلى محاكمة عادلة، ومن لم يتورطوا في ذلك سيرحلون إلى بلدانهمquot;.

أنيث لأكول تتهم الرئيس التشادي

من جانبها، وصفت أنيث لأوكول، منسقة المجلس الوطني من أجل التغيير الديمقراطي في التشاد، الوضع الذي يعيشه مواطنوها في ليبيا quot;بالمأساويquot;، متحدثة عن quot;مطاردة حقيقية ضد السود بشكل عام تحت ذريعة تصفية الحسابات مع مرتزقة القذافيquot;.

وقالت لأوكول في حوار خاص مع (إيلاف) quot;عدد كبير من الأسر التشادية يعيش ويعمل بشفافية في ليبيا منذ عشرات السنوات، وتوجد بين التشاديين والليبيين علاقات أخوة، هي اليوم مهددة، ويعيشان معًا في هدوء بعيدًا عن المشاكل السياسية بين البلدينquot;.

وتتهم زعيمة المعارضة التشادية في باريس الرئيس التشادي قائلة: quot;وبناء على قرار فردي، قام بإرسال مئات الشباب التشادي، مستعملاً مبالغ مالية كبيرة إلى ليبيا للقتال إلى جانب القذافي، ومن دون أن يهتم بنتائج خطوته تلكquot;.

وأضافت quot;إنها مقاولة مرتزقة عائلية حقيقية، كان المشرف المباشر عليها السفير التشادي في طرابلس، الشقيق الأكبر للرئيس ادريس ديبي، التشاديون في ليبيا عمومًا هم من يدفعون، اليوم، ثمن هذا النشاط الإجرامي للرئيس التشادي، لا يوجد أي كان في العالم رأى رئيس دولة يظهر احتقارًا من هذا النوع لمواطنيه، وسيجيب يومًا عن كل أفعاله أمام العدالةquot;، حسب تعبيرها.

أنيث لأوكول زعيمة المعارضة التشادية في باريس

وإن كان مجلس المعارضة التشادية قام باتصالات مع ممثلي النظام الليبي الجديد في العاصمة الفرنسية، تقول منسقته: quot;لقد وجهنا نداء للمجلس الوطني الانتقالي لوقف إبادة مواطنينا ونأمل صراحة أن يسمعquot;.

وتضيف أنيث لأوكول: quot;نعتزم التعبير بصوت عال عن هذا الطلب لممثل المجلس في باريس منصور سيف النصر، الذي عاش هو نفسه سنوات طويلة في أخوة في التشاد، والذي سيعرف أفضل من أي كان ترجمة انشغالات التشاديين الكبرى للمسؤولين الليبيينquot;.

وعبّرت عن quot;استعداد المعارضة التشادية في باريس للحوار والتعاون مع السلطات الفرنسية للنظر في المطالب الديمقراطية العديدة للشعب التشادي والأسئلة المرتبطة في المنطقةquot;.

وتقول: quot;فرنسا على رأس العمليات في ليبيا، ولها مسؤولية خاصة في ما يحدث، ونطلب منها أن تأخذكل الاحتياطات حتى تتوقف هذه الانتهاكات العديدة لحقوق مواطنينا، ونؤكد استعدادنا للمساهمة في ذلكquot;.

وسجلت لأوكول quot;أن مؤتمرات عدةتعقد حول ليبيا، لكنه للأسف يطرح فقط سؤال الأسواق، البترول، الأرصدة، الممتلكات... من دون كلمة واحدة تدين الجرائم العنصرية التي تحدث اليوم على أكبر نطاق أو إعلان عن احترام حقوق الإنسان يتبناه النظام الجديد، لذلك أتساءل ما هو نوع المجتمع الليبي الذي يستعد المجتمع الدولي لتشييده، حيث يحضر خطر استبعاد السود الليبيين الذين يشكلون ثلث المجتمع الليبي؟quot;.