رفضت بريطانيا طلب الولايات المتحدة استخدام قواعد بريطانية لدعم الحشود العسكرية في منطقة الخليج متعللة باستشارة قانونية سرّية تقول إن أي ضربة استباقية ضد إيران يمكن أن تشكل انتهاكًا للقانون الدولي.


إعداد عبد الاله مجيد: علمت صحيفة الغارديان أن دبلوماسيين أميركيين ضغطوا من أجل استخدام قواعد بريطانية في قبرص والسماح بالتحليق من قواعد أميركية في جزيرة أسينشن في المحيط الأطلسي وقاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، وكلا الجزيرتين من الممتلكات البريطانية في ما وراء البحار.

تأتي الطلبات الاميركية في اطار خطط طوارئ تحسبًا لوقوع مواجهة مع ايران حول برنامجها النووي، ولكنّ وزراء بريطانيين تعاطوا حتى الآن بفتور مع هذه الطلبات، ولفتوا انتباه المسؤولين الاميركيين الى الرأي القانوني الذي قدمه المدعي العام البريطاني الى مكتب رئيس الوزراء ووزارتي الخارجية والدفاع.

يعني الموقف البريطاني ان لندن لا تعتبر ان ايران تشكل في الوقت الحاضر quot;تهديدًا واضحًا وداهمًاquot;. ويقول مكتب المدعي العام في استشارته القانونية للحكومة البريطانية ان تقديم مساعدة الى قوات يمكن ان تشارك في ضربة استباقية سيكون انتهاكا صارخا للقانون الدولي.

وقال مصدر رفيع في الحكومة البريطانية quot;ان بريطانيا ستنتهك القانون الدولي إذا قدمت تسهيلات، لما يشكل ضربة استباقية ضد ايرانquot;. واضاف ان بريطانيا تستخدم هذه الحجة القانونية لرفض طلبات الاميركيين.

وقالت مصادر اخرى ان الولايات المتحدة لم تقدم حتى الآن طلبًا رسميًا إلى الحكومة البريطانية، وانها لا تعتقد ان التصعيد نحو المواجهة وشيك أو محتمل. واضافت المصادر ان النقاشات تركزت على جسّ نبض البريطانيين.

ونقلت صحيفة الغارديان عن احد المصادر قوله quot;لكنني اعتقد ان الولايات المتحدة فوجئت بامتناع البريطانيين عن تقديم تأكيدات بشأن هذا النوع من المساعدة المسبقة. فهم كانوا يتوقعون مقاومة من الديمقراطيين الأحرار، ولكن المحافظين ايضا معهم في هذا الموقف. وكانت تلك مفاجأة لهمquot;.

يعكس الموقف البريطاني عدم رغبة لندن في الانجرار الى أي نزاع، رغم ان للبحرية الملكية البريطانية وجودا كبيرا في مياه الخليج، تحسبا لفشل الجهود الدبلوماسية بشأن الملف النووي الايراني.

وتبحر في مياه الخليج 10 قطع بريطانية، بينها غواصة نووية، ويجري تدوير كاسحات الألغام البريطانية باستمرار للمساعدة على تأمين الممرات البحرية الاستراتيجية عبر مضيق هرمز.

وعلمت صحيفة الغارديان ان وفدا عسكريًا بريطانيًا، يضم عددا كبيرا من ممثلي البحرية الملكية، توجّه الى مقر القيادة المركزية للقوات الاميركية في تامبا في ولاية فلوريدا هذا الصيف لمراجعة طائفة كاملة من خطط الطوارئ مع المخططين العسكريين الاميركيين.

لكن بريطانيا تفترض أنها لن تشارك إلا بعد اندلاع النزاع، وانها أحجمت عن إعلان دعمها الصريح لواشنطن في التحشيد العسكري استعدادًا لأي عمل عسكري.

وقال المصدر البريطاني quot;انه من الجائز تمامًا أن بريطانيا لن تُبلَّغ مسبقًا إذا قرر الإسرائيليون مهاجمة إيران أو شعر الاميركيون ان عليهم ان يقوموا بالهجوم نيابة عن الاسرائيليين أو لإسنادهمquot;. واضاف quot;ان الحكومة البريطانية تفضل ذلك من بعض النواحيquot;.

يبدو أن موقف بريطانيا التي فاجأت واشنطن برفضها أن تكون جسرًا لعمل عسكري اميركي في الخليج نابع من دروس حرب العراق التي ما زالت محفورة بعمق في ذاكرة صانعي القرار البريطانيين. وأوضحت بريطانيا هذه المرة انها لن تنساق وراء الولايات المتحدة، وستتخذ قراراتها المستقلة بشأن ما هو قانوني وما هو ليس قانونيًا.

لكن مراقبين لاحظوا ان هذا الموقف لا يعكس اختلافًا في الآراء حول جدوى الحرب كوسيلة لوقف برنامج ايران النووي، فان قادة عسكريين اميركيين، مثلهم مثل نظرائهم البريطانيين، يرون ان مثل هذه المغامرة سيكون لها على الأرجح مردود عكسي في الظروف الحالية بدفع القيادة الايرانية الى الاقتناع بأن لا خيار أمامها إلا انتاج سلاح نووي بأسرع وقت ممكن.

وأكد دبلوماسيون بريطانيون وأميركيون ان البلدين يعتبرون التوصل الى حل بالطرق الدبلوماسية اولوية، ولكن هذا مرهون بقدرة البيت الأبيض على ضبط اسرائيل، التي ترى ان منشأة فوردو الايرانية لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض ستحصّن برنامجها النووي في وقت قريب ضد أي محاولات خارجية لوقفه.

وأوضح مسؤول آخر ان قدرات اسرائيل ليست بمستوى القدرات الاميركية، وان النافذة المتاحة لقيامها بعمل عسكري ضد ايران ستُغلق بسرعة أكبر من النافذة المتاحة للولايات المتحدة. واضاف ان العامل الرئيس في منع اسرائيل هو اقتناعها بأن الولايات المتحدة هي التي ستتعامل مع ايران حين يكون الوقت مناسبًا.

إزاء تعطل الجهود الدبلوماسية بسبب الانتخابات الاميركية، فان أي تحرك جديد لحل الأزمة لن يبدأ قبل اواخر تشرين الثاني/نوفمبر أو كانون الأول/ ديسمبر.

وستتصدر مجموعة القوى الدولية الست، التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والمانيا، التحرك الجديد الذي من المتوقع ان يتضمن عرضًا برفع بعض العقوبات التي قصمت ظهر الاقتصاد الايراني، مقابل موافقة ايران على تحديد مخزونها من اليورانيوم المخصب. وسيمثل ايران في المحادثات مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين والمانيا كبير مفاوضيها سعيد جليل.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية quot;ان الحكومة البريطانية لا تعتقد ان العمل العسكري ضد ايران هو مسار العمل الصحيح في الوقت الحاضر، رغم ان كل الخيارات مطروحة على الطاولة. ونعتقد ان التحرك على مساري الضغط من خلال العقوبات التي أخذت تؤدي مفعولها، والتواصل مع ايران، هو افضل السبل لحل القضية النووية. ولن نتكهن بشأن السيناريوهات التي سيكون العمل العسكري قانونيًا فيها. فان هذا سيعتمد على الظروف في حينهاquot;.

وقالت وزارة الخارجية انها لن تكشف عما إذا طلبت استشارة المدعي العام بشأن أي قضية محدَّدة. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية quot;ان الولايات المتحدة وبريطانيا تنسقان في موضوعات من كل صنف كل الوقت، بشأن طائفة ضخمة من القضايا، ونحن لا نصرّح ابدًا للإعلام عن هذه الأحاديثquot;.

وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حذر في كلمته امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشهر الماضي من ان برنامج ايران النووي سيصل إلى quot;الخط الأحمرquot; الذي رسمته اسرائيل بحلول quot;الربيع المقبل أو الصيف المقبل في أبعد الحدودquot;، مشيرًا الى ان اسرائيل قد تقوم حينذاك بعمل عسكري في محاولة لتدمير منشآت نووية وتعطيل البرنامج.

يتحدد الخط الأحمر الذي رسمه نتنياهو بقلم على صورة قنبلة في الأمم المتحدة بالتقدم الذي تحققه ايران في تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة تجعل تحويله الى يورانيوم صالح لإنتاج سلاح نووي أسهل بكثير من اليورانيوم المخصب بنسبة 5 في المئة، إذا اتخذ المرشد الأعلى في ايران آية الله علي خامنئي القرار الاستراتيجي بانسحاب ايران من معاهدة حظر الانتشار النووي والعمل على انتاج سلاح نووي. وتؤكد طهران ان ليس في نيتها ذلك.

ونأى رئيس هيئة الاركان المشتركة للجيوش الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي بنفسه في آب/اغسطس الماضي عن أي خطط اسرائيلية لضرب ايران. وقال إن مثل هذا الهجوم سيؤخّر برنامج ايران النووي، ولكنه لن يدمّره. واضاف quot;أنا لا أريد ان أكون شريكا إذا اختارت [اسرائيل] القيام بذلكquot;.

ولكن محللين يرون انه إذا وجّهت اسرائيل ضربة عسكرية، وردت ايران بهجوم على الولايات المتحدة أو حلفائها في الخليج، فان واشنطن لا شك في أنها سترد على مثل هذا الهجوم. وإذا تركز الرد الايراني على اسرائيل حصرًا، وكان ردا متناسبًا سيكون من الصعب حينذاك التنبؤ برد فعل الولايات المتحدة. ويعتمد الأمر الى حد ما على من سيكون في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض عندما يحدث ذلك.