طالب المفكر المصري القبطي جمال أسعد البابا الجديد في مقابلة مع quot;إيلافquot; ألا يدور في فلك رسمه سلفه البابا شنودة، وألا يتدخل في السياسة ويترك الأقباط ينخرطوا في العمل السياسي بعيداً عن وصاية الكنيسة.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: جمال أسعد مفكر بارز، يرفض وصفه بـquot;المفكر القبطيquot;، ويفضّل وصف quot;المفكر المصريquot;، يحظى بإحترام جموع المصريين، إلا أن بعض الجماعات القبطية المتشددة تعتبره مناوئاً للكنيسة وخارجًا عليها.

إنتخب أسعد نائباً في البرلمان لدورتين برلمانيتين 1984 و1987، كأول قبطي يخوض الإنتخابات على قائمة التحالف الإسلامي بزعامة جماعة الإخوان في ذلك الوقت. وعيّن نائباً في مجلس الشعب في العام 2010. وتتسم آراؤه بأنها تحمل الكثير من الجرأة، ويرى أن مشاكل الأقباط لا يمكن أن تجد طريقها إلى الحل على أساس طائفي، بل في إطار المواطنة.

في مقابلة مع quot;إيلافquot; دعا أسعد البابا الجديد للأٌقباط إلى عدم السير على درب البابا شنودة الراحل سياسياً، لتفادي تكرار فرض وصاية كنسية على الأٌقباط، مشيراً إلى أن شنودة كان quot;يستمرئ العمل السياسي، وكان يريد أن يكون زعيماً سياسياًquot;. وشدد على ضرورة التركيز على الجانب الروحي، وترك مشاكل الأقباط السياسية والإجتماعية تحلّ في إطار مشاكل المصريين العامة.

وإنتقد أسعد، الذي يعتبر من أبزر المفكرين الأقباط، القرعة الهيكلية، ووصفها بأنها تنسف إنتخابات البطريرك من الأساس، مشيراً إلى أنها تخالف الإنجيل. كما إنتقد إصرار قيادات الكنيسة على إقامة مشروعات إقتصادية داخل الكنائس والأديرة، واصفاً إياها بأنها مخالفة لتعاليم المسيح، ودعا إلى دفع الضرائب المستحقة عليها للدولة، إذا كان الكنيسة مصرّة على مخالفة تعاليم المسيح، على حد تعبيره.

ـ كيف ترى تجربة إنتخابات البطريرك، التي جرت في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي؟
جرت الإنتخابات على المستوى المطلوب، وتمتعت بقدر كبير من الشفافية، لدرجة إنها تصل إلى حد النموذجية، مقارنة بالتراث الخاص بمصر في الإنتخابات العامة السخيفة، فقد تمت في أجواء تتسم بالنزاهة والحيادية، لكنها للأسف لن تؤتي ثمارها المرجوة، بسبب ما يسمّى بـquot;القرعة الهيكليةquot;، التي تنسف الإنتخابات وعمليات الإقتراع من الأساس. أنا ضد هذه القرعة على الإطلاق. وكنت من أوائل المعترضين عليها. وسبق أن دعوت ومازلت أدعو إلى تعديل لائحة 57 التي يتم بموجبها إنتخاب البابا، وإلغاء القرعة الإلهية منها.

ـ لكن هناك إعتقادًا سائدًا لدى قيادات الكنيسة بأن البطريرك إختيار الرب؟
هذا الإعتقاد لا أساس له في الإنجيل، بل إن المسيح نفسه أبطل القرعة الهيلكية، فعند إختيار رجال الدين هناك مبدأ ثابت في الإنجيل يقول quot;أنتم تختارون، ونحن نقيّمquot;، أي إن الشعب هو من يختار البطريرك وسائر قيادات الكنيسة، ويقيمون المراسم الدينية أي مراسم التنصيب. وإجراء إنتخابات، ثم إبطالها بالقرعة الهيلكية، هذا أمر مخالف لثوابت الديمقراطية.

وإذا كانت القرعة الهيلكية من اختيار السماء، وإذا كانت الكنيسة تضع ثلاث ورقات بأسماء أكثر ثلاثة مرشحين في عدد الأصوات، فماذا لو وضعنا ورقة رابعة بيضاء، ووقع إختيار الطفل عليها؟، هل يعني ذلك أن الرب غاضب على جميع قيادات الكنيسة ولا يريد أي منهم أي يكون بطريركاً؟، إن الرب منحنا هذه النعمة الكبيرة المسمّاة بحرية الإختيار، ويجب علينا أن نحسن إستعمالها، لذلك يجب تعديل لائحة إنتخاب البابا، وإلغاء القرعة الهيكلية، وسنرى أن الرب سيكون أكثر رضى عنا وسيبارك كنيسته.

ـ تعديل لائحة 57 وارد، بل إن ثمة إلتزام من البابا الجديد بتعديلها، لكن إلغاء القرعة الهيكلية غير وارد، لعدم رغبة قيادات الكنيسة في ذلك؟
قيادات الكنيسة ليسوا الكنيسة، فهي جماعة المؤمنين من العلمانيين والإكليروس، والعلمانيون، أي شعب الكنيسة، هم الأكثر عدداً، لا ينبغي أن تتحكم مجموعة يمكن أن تحصى على أصابع الأيدي في ملايين البشر من الأقباط، يجب أن تتاح لهذه الجموع التعبير عن رأيها في ما يخص الشأن الكنسي.

ـ بلغ عدد المرشحين للمنصب البابوي نحو 17 مرشحاً، جرت تصفيتهم إلى خمسة فقط، فهل هناك جهات رسمية تتدخل في عمليات الإستبعاد أو الإبقاء على المرشحين؟
الدولة لا تتدخل إطلاقاً في إنتخابات البطريرك، لكن الجهاز الأمني يخترق الكنيسة بشكل قوي منذ عهد النظام السابق. وكما إن هناك مشايخ أمن الدولة ومديري أمن الدولة، فإن في الكنيسة أيضاً قساوسة أمن الدولة. فالأجهزة الأمنية لديها علاقات مع بعض الرهبان والقساوسة وقيادات الكنيسة، ومن الوارد أن تتدخل الدولة عن طريق هذه الأجهزة لدعم مرشح ضد آخر.

لكن في الوقت نفسه هذا الأمر غير وارد. ومع الإفتراض أن الدولة تتدخل لدعم مرشح أو إستبعاد آخر في مرحلة من المراحل، لكنها بالقطع لن تستطيع التدخل في مرحلة القرعة الهيكلية. أما بخصوص الإستبعادات من الترشيح، فإن لجنة الإنتخابات البابوية المكونة من أعضاء في المجمع المقدس إستجابت للرأي العام القبطي، وإستبعدت مجموعة من الأشخاص، بسبب صراعاتهم على كرسي مارمرقس، وبالتحديد الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس، والأنبا يؤانس سكرتير البابا شنودة، لاسيما أنه غير خاف على أحد أن بين الإثنين صراعات حادة، ولو فاز أحدهما بالمنصب، لدخلت الكنيسة في نفق مظلم.

ـ كيف ترى مستقبل الكنيسة في ظل البابا المقبل، والنظام الجديد في ظل حكم جماعة الإخوان المسلمين؟
مصر تمر بظروف إستثنائية، ويجب على البابا المقبل ألا ينساق أو ألا يدور في الفلك الذي رسمه البابا شنودة الراحل. فالأنبا المتنيح كان لديه طموح سياسي، وكان يستمرئ العمل السياسي، كان يريد أن يكون زعيماً سياسياً، وليس مجرد بابا للأٌقباط، وتلاقى طموحه الشخصي مع مصالح النظام السابق، فكان يدعو الأقباط إلى إنتخاب الحزب الوطني في الإنتخابات البرلمانية، أو يمهد لتوريث الحكم لجمال مبارك نجل الرئيس السابق، أو يمهّد لفترات جديد لمبارك نفسه.

في المقابل كان النظام يمنحه ما يرنو إليه من زعامة سياسية، ولم يكن النظام يتعامل مع أي قبطي أو جهة مسيحية في الداخل إلا من خلاله شخصياً. وللأسف الشديد النظام الحالي يسعى إلى إعادة العلاقة بين البابا شنودة في شخص البطريرك الجديد، والحزب الوطني ممثلاً في حزب الحرية والعدالة.
النظام الجديد يسعى إلى أن يكون البابا ممثلاً للأقباط، وإلى إلغاء أية جماعات قبطية أو تيارات مدنية أخرى. ويجب على البابا الجديد ألا يتدخل في السياسة من قريب أو من بعيد، حتى لا يمنح الدولة الفرصة لإعادة الأقباط إلى حظيرة الكنيسة مرة أخرى. يجب عليه أن يترك الأقباط ينخرطوا في العمل السياسي بعيداً عن وصاية الكنيسة، حتى يتم حل مشاكلهم ضمن مشاكل المصريين جميعاً، لأن مشاكل الأقباط هي جزء من مشاكل وأزمات المصريين، ولا تنفصل عنها بأية حال من الأحوال.

ـ لكن أجندة البابا الآتي مليئة بالأزمات منها: بناء الكنائس، الزواج الثاني، أسلمة الفتيات؟
كل هذه أزمات سياسية واجتماعية يجب على البابا أن ينأى بنفسه عنها، يجب أن يتركز دوره على الجانب الروحي. وعلى القوى السياسية أن تتصدى لهذه المشاكل. بناء الكنائس أو الأحوال الشخصية للأقباط أو اعتناق الفتيات للإسلام مسائل يجب أن تحلّ في إطار وطني، من خلال القوى السياسية ونواب الشعب المنتخبين، وليس من خلال القساوسة والمشايخ.

عندما يتدخل القس في أي من تلك المشاكل تتحول إلى مشاكل طائفية، ويتحفز الطرف الآخر، وتنشأ الفتنة الطائفية. وفي ما يخص إعتناق الفتيات للإسلام، فأنا أرى أنه ليس هناك أي نوع من الإكراه أو الإختطاف، لا يمكن أبداً إكراه أي إنسان على إعتناق دين آخر مهما فعلت، إنه إيمان يجب أن يقرّ في القلب، لكن هناك عمليات ترغيب، ويمكن مواجهة تلك الأزمة من خلال عودة جلسات النصح والإرشاد التي كانت قائمة منذ عهد محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة، حتى يكون الإنتقال إلى الدين الآخر عن إيمان وقناعة وإقتناع، وليس عن إرهاب أو ترهيب أو إغراء.

ـ تعتبر مراقبة أموال ومشروعات الكنيسة من المشاكل التي تنتظر البابا الجديد، كيف ترى الأزمة المرشحة للتفاقم؟
أموال الكنيسة من الموضوعات الحساسة، لأنها تدخل إليها من العشور والتبرعات من الأٌقباط، وهذه يجب عدم المساس بها، لأنها تصل إليها وتنفق على إحتياجات الكنائس. ولكن مشروعات الكنيسة الإقتصادية الموجودة في الأديرة والكنائس، تعتبر مخالفة لشريعة المسيح، فقد غضب المسيح عندما دخل الهيكل، ووجد شخصاً يمارس التجارة، أي إن قيادات الكنيسة تخالف تعاليم المسيح، بسبب إقامة مشروعات تجارية في الأديرة والكنائس، لأن تلك الأماكن هي بيت الصلاة، وإذا كانت قيادات الكنيسة مصرّة على مخالفة تعاليم المسيح، وإقامة مشروعات إقتصادية... فيجب عليها دفع الضرائب عن تلك المشروعات.

ـ كان البابا شنودة يواجه إتهامات بأنه يحرّك أقباط المهجر ضد الدولة، ويستخدمهم للضغط عليها، وهولاء متهمون بتأجيج الفتنة الطائفية، كيف يمكن للبابا المقبل التعامل مع هذا الملف؟
أقباط المهجر ليسوا كتلة واحدة، بل يمكن القول إن جميع المصريين المقيمين في الخارج، سواء المسلمين أو المسيحيين، هم أقباط المهجر، على أعتبار أن جميع المصريين أقباط. ولكن مسيحيي المهجر ينقسمون إلى أقسام عدة. منهم المرتزقة، الذين يستغلون مشاكل الداخل لتحقيق مصالح خاصة وتنفيذ الأجندة الأميركية، مثل موريس صادق وأقرانه، وهؤلاء غير مرحّب بهم لا في الداخل ولا في الخارج.
ثمة قسم آخر منهم يهتم بمشاكل الداخل، ويتفاعل معها بعيداً عن الأجندة الأميركية، إلا أنهم ينظرون إليها من زواية طائفية، ويطالبون بحصة للمسيحيين في الحقائب الوزارية، ومقاعد البرلمان والمناصب العليا، ويرون أن الدولة تبخس المسيحيين حقوقهم.
أما الجزء الثالث والأخير من مسيحيي المهجر، فهؤلاء لا علاقة لهم بمشاكل الداخل، وغير متهمين بها على الإطلاق. وحسب وجهة نظري، فإن المسيحيين في مصر لا يعانون مشاكل خاصة، بل يعانون مشاكل تعانيها غالبية المصريين، لاسيما الفقراء من الجانبين، فمثلاً نجيب ساويرس رجل أعمال مسيحي، لا أعتقد أنه يعاني أية مشاكل لكونه مسيحيًا، لأن لديه ثروة، في المقابل هناك مسلمون مصريون يعانون أزمات خانقة، يشتركون فيها مع المسيحيين، وهي المشاكل نفسها التي لا يشعر بها خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان أو حسن مالك، بإعتبارهما رجلا أعمال من جماعة الإخوان. نحن المصريين ـ مسلمون ومسيحيون ـ لدينا مشاكل واحدة. ولن يتم حل مشاكل المسيحيين بعيداً عن مشاكل جموع المصريين.