تخطَّت مذبحة بورسعيد حدود المأساة في الزمان والمكان، بما سببته من جرح عميق في الشارع المصري والعالمي، الأمر الذي تكشفه شهادات حيّة، لكن مؤلمة، من ناجين ومن أهالي القتلى، بينوا حالات القتل العمد وكيفية حصولها.


تأثير الفاجعة

بيروت: تصدرت كارثة بورسعيد، التي وقعت يوم الأربعاء، وراح ضحيتها أكثر من 70 قتيلاً وعشرات الجرحى من مشجّعي كرة القدم المصريين، عناوين الصحف العالمية، التي وصفتها بالكارثة المروّعة.

في هذا السياق، نقلت صحيفة الـquot;تليغرافquot; شهادات مرعبة عن بعض الناجين من الحادثة المؤسفة، معتبرة أنها أسوأ كارثة في تاريخ كرة القدم.

يقول محمد سلامة، الذي يعاني نزيفًا بسبب ضربة سكين قطعت رسغه وضربات عديدة في معدته، إنه عاش حالة رعب، وهو يشاهد مجموعة من مثيري الشغب يتوجّهون إلى إستاد كرة القدم في بور سعيد، معتبراً نفسه محظوظاً، لأنه هرب بساق مكسورة فقط، ولم يمت جراء الهجوم.

ورأى سلامة العديد من مثيري الشغب، يقومون بطعن وضرب المشجّعين من حوله، مشيراً إلى أن البعض منهم كانوا يرقصون بفخر، ويرفعون شارة النصر، ويلوّحون بأسلحتهم في الهواء أثناء هجومهم على المشجّعين.

لكن يبدو أن هجمات البلطجية لم تقتصر على الضرب واستخدام الأسلحة، إذ يقول سلامة إنهم قاموا برمي الناس من أعلى المدرجات، فسقطوا عن علو ثلاثين قدماً ليرقدوا قتلى على الأسفلت.

وروى أن أحد البلطجية توجّه إليه، وهو ينوي رميه، فقال سلامة quot;أرجوك لا تفعل ذلك، إن رميتني من هنا سأموتquot;، لكن الرجل ضحك بسخرية وأجابه quot;هذا هو المطلوبquot;!، ثم أمسك به، ودفعه عن الحافة، فأصيب بكسر في ساقه والتواء في ذراعه، ولحسن الحظ لم يمت جراء سقوطه.

معظم الذين قتلوا في حادث بور سعيد المؤسف، توفوا جراء سحق جماعي، وهم يتدافعون هرباً من البلطجية، ويعتبر سلامة ورفاقه، من أنصار نادي الأهلي لكرة القدم في القاهرة، أنالأعمال الوحشية هدفت إلى الانتقام من أنصار النادي، على خلفية انضمامهم إلى احتجاجات ميدان التحرير.

واعتبر رجل آخر أنه quot;يجب أن تتم محاكمة طنطاوي من أجل هذا الأمرquot;، مشيراً إلى أنه quot;على خلاف المباريات العادية، لم يتم تفتيش أي من المشاهدين قبل دخولهم إلى الملعب، ولم تكن هناك سوى حفنة من رجال الشرطةquot;.

وفيما كان سلامة يسرد مشاهداته المرعبة، جلس حوله المئات من الشباب ملتحفين بأعلام فريق الأهلي، ويذرفون دموع الحرقة، ويعتقد معظمهم أن quot;مثيري الشغبquot;، ضمّوا في صفوفهم عدداً من أفراد الشرطة السرّية، وقتلوهم بلا رحمة.

لكن الحزن ليس العاطفة الوحيدة، التي سيطرت على مشجّعي نادي الأهلي، الذي يعتبر quot;فريق مانشيستر يونايتد المصريquot;، فالعديد منهم كان يهتف طالباً القصاص.

وهتف بعضهم quot;علينا تدمير بور سعيدquot;، الأمر الذي يشير إلى المزيد من المشاكل في المستقبل، على الرغم من أن بعض مشجّعي النادي الأهلي قالوا إنه تم نقل المصابين بمساعدة سكان بورسعيد.

ومنذ قيام الثورة، بالمقارنة مع أيام حسني مبارك الاستبدادية، حين عمدت الدولة البوليسية إلى فرض نظام صارم، يعاني المصريون موجات عنف شبه يومية.

مشجّعو نادي الأهلي مصدومون لخسارة رفاقهم

فبعد مرور 24 ساعة على كارثة بور سعيد، هاجمت الحشود الغاضبة من مشجّعي نادي الأهلي، مبنى وزارة الداخلية، معتبرين أنها مسؤولة عن مقتل أصدقائهم، لأنها دعمت البلطجية.

وقال شاهد آخر quot;كان هناك أشخاص يحملون السكاكين والبنادق، وكنت أعرف أن الأمور ستكون سيئة في نهاية المباراةquot;، وأثارت هذه المزاعم الاعتقاد بأن الهجمات كان مخططًا لها مسبقاً بموافقة رسمية، لكن ليس الجميع على قناعة بأنها كانت مؤامرة.

وكشف أحد الناجين من المذبحة quot;أن رجال الشرطة وقفوا ونظروا إلى ما كان يجري، ولم يفعلوا أي شيء، فهم يخافون من التورّطquot;.

فيما أشار مشجّع آخر إلى أن مصر quot;اعتادت على الفوضى وعدم الكفاءةquot;، فمنذ قيام الثورة، لوحظ العجز في صفوف الشرطة، التي انخفضت سمعتها ومعنوياتها في مصر.

يُذكر أن مباراة كرة القدم الكارثية بين فريق الأهلي والمصري، انتهت بنتيجة 3 مقابل واحد لمصلحة فريق المصري، وبدأت بأجواء إرهابية منذ نزول لاعبي الأهلي لإجراء عمليات الإحماء.

عند صافرة النهاية اقتحمت الجماهير أرض الملعب لتبدأ عملية الاعتداء على اللاعبين والجهاز الفني للأهلي، قبل انتقالهم إلى البطش بجماهيره في مدرّجات الدرجة الثالثة، ويسقط منهم أكثر من 74 قتيلاً، إضافة إلى مئات الإصابات.

وقال أحد المشجّعين إنه شاهد أحد البلطجية يطعن رجلاً بسكين في عينه، فيما أشار صبي في الثالثة عشرة من عمره إلى أنه رأى شاباً يُضرب حتى الموت، كما قام بعض مشجّعي نادي المصري بسرقة القتلى والجرحى.

وأكد محمد أحمد (21 عاماً) أنه شاهد العديد من الناس يموتون سحقاً جراء التدافع، مشيرًا إلى أنه وقع أرضًا بسبب الشجار الذي وقع قربه، فشعر وكأنه هبط في quot;بركة دماءquot;.

وأضاف إن رفيقه أحمد عبد القايد توفي قربه، وأنه كان سيقيم زفافه بعد شهرين. ويعقب بأسى: quot;الآن سيأتي المدعوون لحضور جنازته بدلاً من زفافهquot;.

وفي مأساة أخرى، عثرت عائلة كريم خزام على جثة ابنها الشاب (19 عاماً) في مشرحة بورسعيد، بعدما بحثوا عنه لساعات.

وكان كريم، طالب إدارة أعمال في جامعة القاهرة، مشجّعاً مشهوراً لنادي الأهلي، والمصوّر الرسمي للفريق، ونادراً ما يتغيب عن أي مباراة.

ولا تعرف عائلة خزام كيف توفي ابنها، وتوحي إصابته بأنه ضُرب حتى الموت أو سحقاً جراء التدافع.

يذكر مجدي خزام، والد كريم، quot;أنه دائماً كان يغني للحرية ويهتف للثورةquot;، مضيفاً quot;خاطر ابني بحياته مرات عديدة في ميدان التحرير، وهو شهيدآخر في سبيل الحريةquot;.