تعرّض نواب في المجلس التأسيسي التونسي انسلخوا عن أحزابهم التي فازت بمقاعد في المجلس وانضموا الى أحزاب أخرى بعضها لم يفز، الى انتقادات واسعة واتهامات بخيانة الناخب وغياب الوازع الاخلاقي لديهم.


تونس: تنامت في الفترة الأخيرة في تونس ظاهرة انسلاخ نواب المجلس التأسيسي عن أحزابهم وانضمامهم إلى أحزاب أخرى غير ممثلة في المجلس الوطني التأسيسي.

هذه الظاهرة أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والمدنية، واعتبرها المواطنون في غياب إطار قانوني، تجاوزًا أخلاقيًا من طرف النواب المستقيلين الذين تمّ انتخابهم على أساس انتماءاتهم الحزبية وبرامجهم الانتخابية.

تم إحصاء 43 نائبًا منشقًا عن أحزابهم من بينهم 18 نائبًا منشقًا عن quot;العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنميةquot;، و 11 منشقًا عن حزب quot;المؤتمر من أجل الجمهوريةquot; وهو حزب رئيس الجمهورية المصنف المرزوقي، إلى جانب 9 نواب من الحزب الجمهوري، وجميعهم اختاروا أحزابًا أخرى لأسباب وغايات مختلفة.

أسباب مختلفة

فسّر النائب عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية عبد العزيز القطي انسلاخه عن المؤتمر وانضمامه لحركة quot;نداء تونسquot; بأنّ الحزب الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي هو الوحيد القادر على مجابهة الثالوث الحاكم وإيجاد التوازن الحقيقي في الانتخابات القادمة.

صمت المرسوم الذي نظم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس عن التعامل مع حالات انشقاق النواب عن أحزابهم التي أوصلتهم إلى المجلس

وأضاف القطي في تصريح لـquot;إيلافquot;:quot; كنت انتميت إلى حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ولكن ما حصل بعد النجاح الذي حققناه إثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 أنّ الاختيارات لم تكن صائبة وحاد الحزب عن مساره عندما دخل في ائتلاف حكومي مع حزبي النهضة والتكتل الديمقراطي وبالتالي فهذه خيانة من حزب المؤتمر للوعود والمبادئ التي ركز عليها خلال الحملة الإنتخابيةquot;.

وقال القطي عن التجمعيين (أعضاء حزب الرئيس بن علي)الذين قد ينتمون إلى حركة نداء تونس: quot;سنتصدى للتجمعيين المتورطين في الفساد ولن يدخل أي تجمعي فاسد إلى نداء تونس، ومن لديه ملف يورط أي فرد عليه أن يقدمه إلى القضاء، وذلك لوضع حدّ لمثل هذه الاتهاماتquot;.

وبرّرت إحدى النائبات المنشقات عن تيار العريضة الشعبية، انسحابها بـquot; تسلّط quot; زعيم التيار(الهاشمي الحامدي) واعتبار النواب quot;مجرّد ديكورquot; بينما هم الذين اجتهدوا وقاموا بحملتهم الانتخابية في جهاتهم ونجحوا في استقطاب الناخبين الذين منحوهم أصواتهم فيما كان رئيس العريضة على بعد آلاف الكيلومترات في مقر إقامته في لندن.

وأضافت النائبة المنسحبة التي لم ترغب في ذكر اسمها في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ النواب في تيار العريضة يتحملون مصاريف استئجار بعض المقرات.
وأشارت إلى أنّها وبعض زملائها من النواب تمّ تجاهلهم في الاجتماع الأخير للتيار الذي عقد في محافظة سوسة ولم يلقَ البعض الترحيب باعتباره يمثل عبئًا على الحزب مؤكدة على أن تيار العريضة يعتمد منهج quot;الشعبويةquot; في تعامله وهو ما لا يمكّن من بناء الحزب على أساس سليم وقوي.

وبيّنت أنّ العريضة لم تستطع الوصول إلى الشعب وبقيت في حدود المجلس التأسيسي ومشاكسات عدد من النواب الذين أساؤوا صراحة إلى هذا التيار.

خيانة !

اعتبر الناطق الرسمي باسم quot; العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنميةquot;، وعضو المجلس التأسيسي اسكندر بوعلاق في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ النواب الذين انسحبوا من أحزابهم وانضموا إلى أحزاب أخرى quot;خانوا الشعب التونسي الذي أوصلهم إلى المجلس التأسيسي ومنحهم ثقته بناء على برامج ووعود خلال الحملة الانتخابيةquot;.

فيما أكد رئيس حزب الإتحاد الوطني الشعبي لطفي المرايحي أنّ الاستحقاق الانتخابي القادم سيتم على قواعد لعبة مختلفة عن الانتخابات التي جرت العام الماضي، وهو قانون انتخابي سيمكن الفائز من أدوات للحكم، وبالتالي تكون له أغلبية مضمونة والمنطق يقول إننا متجهون نحو نظام الاقتراع بالأغلبية وإذا طبقنا هذا المنطق فإن الحائز على المرتبة الأولى هو الذي سيفوز بجملة المقاعد في قائمته.

وأضاف في تصريح لـquot;إيلافquot;:quot; لو نسقط مثلا القانون الجديد المنتظر للانتخابات على انتخابات 23 أكتوبر 2011 ونحاول قراءة هذه الانتخابات من حيث الأغلبية نجد أن حزبًا واحداً سيتفرد بجميع المقاعد وأنّ أحزابًا، مثل الحزب الجمهوري أو المسار الديمقراطي الاجتماعي أو غيرهما، لن يكون لها ذكر ولا أثر، وهذا ما جعل عديد النواب الذين تم انتخابهم في قائمات مستقلة أو في بعض الأحزاب الأخرى على غرار العريضة الشعبية أو الحزب الجمهوري يفكرون جديًا في مستقبلهم السياسي، وبالتالي يغازلون الأطراف التي يمكن أن يكون لها موقع في البرلمان القادم، والأطراف المؤهلة لتحقيق الفوز هي حركة النهضة، وربما نداء تونس ولأنّ للحركة تنظيمها الخاص بها فإن الجميع يحولون وجهتهم نحو نداء تونسquot;.

من جهته، اعتبر حزب quot;صوت الفلاحينquot; في بيان اطلعت عليه quot;إيلافquot; أنّ :quot;الاستقالات المعلنة من قبل بعض نواب المجلس التأسيسي من أحزابهم أو قائماتهم التي تقدموا صلبها في انتخابات 23 أكتوبر 2011 (خصوصًا عند انضمامهم إلى أحزاب أخرى قد تكون مختلفة عن الأولى من حيث الإيديولوجيا والبرامج الاقتصادية) أو تلك التحالفات بين بعض الأحزاب لمصالح حزبية ضيقة، تعتبر مسألة شخصية تهم النائب وحده، ولكن في الواقع هي خيانة عظمى للمواطن الذي قام بواجبه الانتخابي ومنح ذلك الحزب صوتهquot;.

وجاء في البيان :quot; باعتبار أن هذا النائب تخلى عن برامجه ووعوده الانتخابية المغرية التي أقنع بها الناخب وتحصل على صوته مقابل وعده بالدفاع عن برنامجه الذي قدمه له خلال فترته النيابية، ولكن باستقالته فقد نكث عهده معه وقضى على طموحاته في سماع صوت يوصل مطالبه ويناقشها مع من يهمه الأمر من خلالهquot;.

وطالب حزب صوت الفلاحين المجلس الوطني التأسيسي بـ :quot;وضع فصل دستوري يعطي الحق للناخب بمطالبة ومحاسبة بل وسحب صوته من النائب إن لزم الأمر أو الحزب الذي خانه وغدر بهquot;.

رسالة الكترونية وكتل جديدة

سرّبت عديد المواقع الإلكترونية رسالة الكترونية تم توزيعها على عدد من نواب المجلس الوطني التأسيسي تطلب منهم الاستقالة من أحزابهم والانضمام إلى حزب نداء تونس الذي أسسه الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي.
ولكن الرجل الثاني في حركة نداء تونس الطيب البكوش نفى هذا الخبر مؤكدًا أنّها اشاعة.

وأعلن رئيس quot;حزب الوفاء والإنفتاحquot; البحري الجلاصي لإحدى الإذاعات الخاصة انضمام ثمانية نواب لحزبه قادمين من أحزاب أخرى، وأضاف :quot;سيكونون quot;كتلة الوفاءquot; داخل المجلس التأسيسيquot;.

فراغ قانوني وأخلاقي

أوضح المقرر العام للدستور وعضو المجلس الوطني التأسيسي الحبيب خذر في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي تمت على أساس المرسوم الذي أصدرته الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، مؤكداً أنّ ذلك المرسوم يشكو في الواقع من فراغ يوضح هذه الظاهرة حيث لم يتعرض لإمكانية عزل نائب عن نيابته في المجلس، وأمام هذا الفراغ القانوني يمكن أن يغيّر النائب كتلته النيابية ويتحوّل إلى كتلة نيابية ثانية دون تأثير على عضويته في المجلس الوطني التأسيسي.

وبيّن أستاذ القانون الدستوري شفيق صرصار أنّه quot; ما من مانع قانوني لتشكيل كتلة لحزب ما، وإن لم يشارك في انتخابات 23 أكتوبر داخل المجلس الوطني التأسيسي لأنّ النظام الداخلي للمجلس لم يتطرق إلى مثل هذه الإنسلاخات وهو الذي ينظم تشكيل الكتل والحدّ الأدنى لتكوينها.quot;، مشيرًا في تصريح لـquot;إيلافquot; إلى الفراغ القانوني الذي يمكن أن يمنع انسلاخ أي نائب من حزب معين والانتماء إلى حزب آخر.

وقال لطفي المرايحي رئيس حزب الإتحاد الوطني الشعبي:quot; المنطلق في هذا الموضوع هو أنّ الشعب منح الوكالة للحزب الذي ينتمي إليه النائب المنسلخ بناء على مشروع يحمله هذا الحزب، والنائب يمكن أن يزكي المشروع بشخصيته ومبادراته ومصداقيته وهو في نهاية الأمر ما هو إلا حامل بريد بين الناخب والحزب، وإذا تغيّر محتوى الرسالة التي يحملها حامل البريد يصبح الوضع غير مقبولquot;.

وأكد أنه كان على هؤلاء النواب أن يكملوا فترتهم وفي نهايتها يعلنون انسلاخهم وهذا من حقهم ولكن أن يستقيلوا الآن وينضموا إلى حزب آخر لم يشارك في انتخابات 23 أكتوبر وأن يكونوا كتلة نيابية جديدة فهذا غير أخلاقي بالمرةquot;.

وعن إمكانية وجود أحزاب جديدة في المجلس التأسيسي على غرار quot;نداء تونسquot;، قال رئيس حزب الإتحاد الوطني الشعبي لطفي المرايحي:quot; صحيح أنه سيكون له وجود ولكن من دون تأثير لأن الأهم هو التأثير وليس التمثيل في حد ذاتهquot;.