تشير شهادات مسؤولين مصريين سابقين إلى أن الرئيس السابق حسني مبارك كان سلبيا، حتى انه لم يكن يتفاعل مع الأخبار التي تحدثه عن اندلاع ثورة في بلاده.


كانت تسير الأوضاع بطبيعتها في مصر قبيل حلول يوم الـ 25 من كانون الثاني/ يناير عام 2011، ففي الـ 19 من نفس الشهر، كان يبدو نظام الرئيس السابق حسني مبارك قوياً وواثقاً، حيث كان يستضيف مجموعة من الرؤساء العرب بمنتجع شرم الشيخ، ووقتها تم إخلاء المنطقة من مئات عمال البناء خشية أن يفسدوا المشهد.
لكن من كانوا يقرؤون الأحداث جيداً كان بوسعهم أن يتلمسوا دوي مشاعر السخط والغضب. فحينها بادر رئيس الوزراء التونسي بالعودة إلى بلاده قبل ساعات من بدء القمة، حيث كانت الثورة مشتعلة هناك إلى أن أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.
وبالاتساق مع ذلك، كانت تعج صفحات موقع التواصل الاجتماعي بمصر بأخبار متعلقة بنشوب تظاهرات يوم الـ 25من يناير والسعي لمحاكاة ما حدث في تونس داخل شوارع القاهرة.
وعقب انتهاء قمة شرم الشيخ، توجه مبارك للمطار لتوديع الوفود المشاركة، وكان إلى جواره وزير الخارجية، أحمد أبو الغيط، ورئيس جهاز المخابرات وقتها، عمر سليمان. وحينها سأل أبو الغيط سليمان ما إن كان قد تحدث مع الرئيس بخصوص التظاهرات المحتملة بعد أيام، حيث رد سليمان بقوله إنه ترك مبارك بمفرده أثناء القمة، لكن الوقت كان مناسباً لمناقشة الموضوع معه. وبعد مغادرة آخر وفد، اقترب سليمان من الرئيس وأخطره بأن هناك ثمة موضوع في غاية الأهمية يريد أن يناقشه معه. وحينها علم مبارك بالثورة التي أطاحت به من السلطة بعد أسابيع قليلة.
لكن مبارك لم يرتبك، وأشار أبو الغيط في مذكراته التي نشرها مؤخراً بعنوان quot;شهادتيquot; :quot; لم يبد الرئيس قدراً كبيراً من الاهتمامquot;. وأضاف quot; وحين أوصى سليمان بعقد اجتماع مع كبار المسؤولين لتنسيق الرد على التظاهرات المحتملة، لم يجب مبارك، ولم يرد بطريقة توحي أو نفهم من خلالها أنه يشعر بحالة من القلقquot;.
وبعد مرور عامين على تظاهرات الـ 25 من كانون الثاني/ يناير عام 2011، بدأ يخرج عدد صغير من المسؤولين إبان فترة حكم مبارك ليتحدثوا أخيراً بشكل علني عن النقاشات التي كانت تتم على الصعيد الحكومي وقت الثورة. وبرز من تلك الشهادات حقيقة التوترات بين كبار مسؤولي نظام مبارك والسبب وراء الفشل في سحق التظاهرات.
وأشارت في هذا الصدد مجلة فورين بوليس الأميركية إلى أن مبارك كان يبدو في كل روايات وشهادات المسؤولين السابقين باعتباره شخصية سلبية إلى حد كبير، وكتب أبو الغيط هنا quot; الرئيس شخص مسن للغاية، ومن ثم فإنه كان يعتمد على رؤية ابنه جمال، الذي كان يرافق الرئيس طوال الوقت في القصر أو المنزل منذ بداية الثورةquot;.
ورأت المجلة أن مثل هذه التفسيرات قد تكون محاولة من جانب مسؤولين كبار لإبعاد التهمة عن الدولة المصرية وإلصاقها بخصومهم البيروقراطيين. ومضت تقول إن من بين أبرز الشهادات تلك التي أدلى بها حسام بدراوي، الكبير المسؤول وقتها في الحزب السياسي الحاكم، حيث أوضح أنه أقنع مبارك بأن يتخلى عن السلطة يوم الـ 9 من شباط/ فبراير، إلا أن الرئيس غيّر رأيه، بعد مقابلات أجراها مع جمال وأفراد آخرين من المقربين منه، ليتراجع بعدها بيومين ويعلن عن تخليه عن منصبه.
ولفتت المجلة إلى أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تواصلت مع أبو الغيط في عدة مناسبات، لكي تعبر عن آرائها بخصوص الطريقة التي يتعين على نظام مبارك أن يتعامل من خلالها مع الأزمة. وقال أبو الخير لسليمان quot; يبدو أن البيت الأبيض في غاية الحزم ضد الحكومة، لكن الخارجية وهيلاري كلينتون تظهر قدراً من المرونةquot;.
ورد سليمان على ذلك بقوله quot;هذا هو التوزيع التقليدي للأدوارquot;. ومع بدء اكتساب الثورة حالة من الزخم، بدأ يصف أبو الغيط النظام بـ quot;المصاب بالشللquot; نتيجة الاقتتال الداخلي.
وفي يوم تأدية الفريق أحمد شفيق للقسم لشغل منصب رئيس الوزراء في الـ 31 من كانون الثاني/ يناير عام 2011، أشار أبو الغيط إلى أن مبارك كان ضجراً وهادئاً.
وفي غضون ذلك، أوضح أبو الغيط أن أطرافاً أخرى كانت تراوغ بالفعل لحماية مصالحها، حيث أخطره وقتها محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع، أن الجيش لن يضحي بسمعته للإبقاء على حكم مبارك. بينما كان جمال، الابن الأصغر لمبارك، مصراً على حماية هيمنة والده على السلطة مهما تكلف الأمر. وبينما كان معروفاً أن جمال يقوم بدور قوي خلف الكواليس، فقد كان يرفض مبارك محاولات وضعه في الواجهة.
وعاود أبو الغيط ليقول إنه اقترح على مبارك عام 2010 أن يترشح نجله جمال للحصول على مقعد في البرلمان، لكن رد مبارك كان حاداً وواضحاً حيث قال له في ذلك الوقت :quot; هذا هراء. فسيقومون بتمزيقه إرباً. فهل أنت لا تعلم ما يحدث في البرلمان ؟quot;.