صادرت السلطات السورية منزلًا أثريًا لوليد جنبلاط في دمشق، في ما يبدو أنه تأكيد على الطلاق البائن بينهما، في محطة أخرى من محطات العلاقة المهتزة بين الطرفين.


بيروت: نقلت تقارير صحفية أن النائب اللبناني وليد جنبلاط تبلغ من أصدقاء له أن السلطات السورية صادرت منزلًا أثريًا يملكه في دمشق. وكانت نورا، عقيلة جنبلاط السورية الجنسية، باشرت بترميم هذا المنزل الأثري في العام 2010، بعد المصالحة حينها بين جنبلاط والرئيس السوري بشار الأسد، والزيارة التي قام بها إلى دمشق. لكن الترميم توقف بعد عودة القطيعة بين الطرفين مع بدء الأحداث السورية.

20 مليون دولار

تبلغ مساحة هذا المنزل الأثري، المسمى quot;بيت المجلّدquot;، والكائن في محلة القيمرية بدمشق القديمة، نحو 2500 متر مربع، وهو مسجل في الدوائر المالية والعقارية السورية باسم نورا شراباتي جنبلاط. وكان جنبلاط عرض المنزل للبيع في العام 2009، طالبًا نحو 20 مليون دولار.

وأبدى القطريون حينها رغبتهم في شرائه، كما أراد السعوديون تحويله إلى مركز ثقافي عربي. وفي العام 2008، أوقعت وزارة المالية السورية الحجز الاحتياطي على المنزل جراء الذمم المتراكمة عليه من دون تسديد.

ويرى مراقبون لبنانيون أن هذه الخطوة التي أتت متأخرة نحو عامين، أي منذ أن اتخذ جنبلاط جانب الشعب السوري في ثورته على نظام الأسد، إنما حصلت اليوم تأكيدًا من النظام السوري على طلاق بائن مع جنبلاط، خصوصًا أنها تلت تصريحًا نقل عن الأسد قبل أيام، مفاده أن جنبلاط لن يدخل قصر المهاجرين يومًا، وأن الأسد قد يرضى في المستقبل باستقبال ابنه تيمور.

منازل عديدة

كان لجنبلاط العديد من منازل الأصدقاء في دمشق، أبرزها بيت العماد حكمت الشهابي، الذي كان ينظر إليه عرابًا للزعيم الدرزي اللبناني ولعلاقته بآل الأسد. هذه العلاقة التي بدأت مريرة في آذار (مارس) 1977، بعد مقتل والده كمال جنبلاط، الذي تُتهم الاستخبارات السورية بقتله، بأمر من الرئيس السوري حافظ الأسد، إثر مشادة بين الرجلين حول التدخل السوري في لبنان، في العام 1976.

ورث وليد عن كمال زعامة اليسار اللبناني، ممثلًا بالحركة الوطنية، وزعامة الحزب التقدمي الاشتراكي، وزعامة طائفة الموحدين الدروز، في سلة من التناقضات الأيديولوجية، ما زالت مستمرة حتى اليوم.
فحين ألبِس عباءة الزعامة على ضريح والده، ما كان هَمُّ وليد الشاب إلا اللهو ليحمل في لحظة مأساوية من تاريخ لبنان همّ لبنان بأسره. عض على الجرح، مدفوعًا من والدته مي شكيب أرسلان، وزار الشام، والتقى الأسد الأب لتنقية الأجواء.

تكسير لبنان

منذ ذلك الحين، اتسمت العلاقة بين جنبلاط وسوريا بعدم الانضباط، بالرغم من وقوف دمشق قويًا إلى جانب جنبلاط إبان حربه في الجبل مع القوات اللبنانية، في دعم ساعده على الانتصار في معركة عسكرية، لم يتمكن من استثمارها سياسيًا حين انعقد اتفاق الطائف.

وحين خلف بشار والده الراحل في العام 2000، لم تكن العلاقة بين الرجلين ودية، لكن جنبلاط ما تخلى عن خطاب عروبي متضامن مع سوريا، حتى كانت معركة التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود في العام 2005، يوم تخلف عن تلبية دعوة الأسد، في حين ذهب الرئيس الراحل رفيق الحريري منفردًا إلى لقاء شهير قيل إن الأسد هدد الحريري فيه بتكسير لبنان على رأسه ورأس جنبلاط، كما روى النائب مروان حمادة.

استحكم العداء بين الطرفين، ورفع جنبلاط وتيرة مطالبته بإغلاق مراكز الاستخبارات السورية في لبنان، وفصل المسار اللبناني عن السوري، وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وفتح الحدود العربية أمام المقاومة، ونزع السلاح الفلسطيني مقابل إعطاء الفلسطينيين حقوقًا مدنية. وصارت هذه المطالب خطوطًا عريضة للقاء البريستول المعارض، الذي انضم إليه الحريري، حتى كان 14 شباط (فبراير) 2005، والانفجار الذي أودى بحياة الحريري.

اعتذار فعداء

قاد جنبلاط انتفاضة الاستقلال لإسقاط لحود وأركان النظام الأمني السوري اللبناني، ولتحقيق الانسحاب السوري من لبنان. وكانت أول آراء جنبلاط في إسقاط نظام الأسد في 20 آذار (مارس) 2006، حين قال: quot;لن يرتاح بلد ديمقراطي مثل لبنان يجاوره نظام ديكتاتوري وحفنة من العائلية السياسية تقبض على سوريا ومصيرهاquot;.

وفي 14 شباط (فبراير) 2007، انقطعت شعرة معاوية نهائيًا بين جنبلاط والأسد إثر خطاب ناري في ساحة الشهداء، وصف فيه جنبلاط الأسد بألفاظ نابية، ليس أقلها طاغية دمشق، وأفعى هربت منها الأفاعي، ووحش من وحوش البراري، ومخلوق من أنصاف الرجال، ومنتج إسرائيلي على أشلاء الجنوب وأهل الجنوب، متوعدًا بحكم المحكمة الدولية والقصاص والعدل والإعدام.

إلا أن جنبلاط أعاد تموضعه في تشرين الأول (أكتوبر) 2009، ليعقد مصالحة غير سهلة مع الأسد، مع تنفيذه شروط دمشق، التي كان على رأسها الاعتذار العلني، الذي قدمه جنبلاط، متحملًا الخسارة السياسية، التي بدأت مع أحداث 7 أيار (مايو) 2008 في بيروت والجبل. لكن هذه الانعطافة نحو دمشق لم تستغرق طويلًا، إذ تبعتها استعادة حالة العداء مع اندلاع الثورة السورية، ووقوف جنبلاط إلى جانبها، ودعوته دروز جبل العرب إلى الانضمام إلى صفوفها، أو اتخاذ موقع المحايد على الأقل... وما زال على هذا الموقف حتى إشعار آخر.