ليس التعذيب طارئًا في سوريا، بل عمره من عمر حكم آل الأسد، الذين حكموا البلاد بالحديد والنار والتعذيب والقتل. والأمر مستمر، بفضل مختصين في quot;الشبحquot; وquot;الدولابquot; وquot;بساط الريحquot; وغيرها من أقسى فنون التعذيب.


بيروت: منذ نحو 27 شهرًا، أي منذ اندلعت الثورة السورية بوجه نظام حكم سوريا بالحديد والنار أكثر من أربعة عقود، تتوالى الاحصاءات اليومية عن سقوط قتلى سوريين مندنيين تحت التعذيب. وآخر هذه التقارير كان ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الانسان اليوم الجمعة عن مقتل 16 رجلًا من مدينة حرستا في ريف دمشق تحت التعذيب في سجون الرئيس السوري بشار الاسد في دمشق، وعن نقل جثثهم إلى احد مستشفيات دمشق، لتسليمها إلى ذويهم.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المرصد قوله إنه قد تم إبلاغ ذويهم لاستلام جثامين ابنائهم، مستندًا إلى معلومات وثقها عن ناشطين سوريين من حرستا، المدينة التي تعتبر أحد أهم معاقل المعارضة المسلحة في ريف دمشق.

غير أن رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الانسان، الذي يتخذ من لندن مقرًا له، لا يعرف متى قضى هؤلاء المعتقلون، quot;لكن غالبًا ما تسلم جثث المعتقلين إلى ذويهم وعليها علامات تعذيب واضحة، وأنا أخشى على أرواح آلاف المعتقلين الاخرينquot;.

وبحسب عبد الرحمن، تجبر القوات السورية ذوي المعتقلين الذين يقضون تحت التعذيب على دفنهم سرًا، وتهددهم بعدم الافصاح عما جرى لهم. والمعروف أن النظام السوري يعتقل عشرات آلاف المعارضين، بحسب تقارير أصدرتها منظمات حقوقية تتهمه باستخدام التعذيب الممنهج بحق معارضيه. وأعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الخميس مقتل نحو 2630 مواطنًا تحت التعذيب، وقيام قوات النظام باعتقال نحو 215 ألف مواطن تعرض معظمهم للتعذيب.

وثائق وزنازين

من المفيد القول إن التعذيب لم يبدأ مع الثورة السورية، بل كلن قبل ذلك بزمن طويل. فخلال أربعين عامًا من حكم آل الأسد وشركاهم في السلطة، انتظم الحكم في سوريا بفضل قبضة أمنية شديدة عمادها التعذيب والقتل، سعيًا لتطويع الشعب السوري وتدجينه. واستمر ذلك حتى تفجرت الثورة السورية على نظام ظالم لا يرحم. ولربما فضل الثورة كبير في كشف العديد من أساليب التعذيب التي كانت تمارس، وما زالت، على رجال سوريا ونسائها.

وكانت منظمة هيومن رايتس واتش أصدرت تقريرًا في هذا الشأن منتصف أيار (مايو) الماضي، تناولت فيه وثائق ووسائل تعذيب، عثر عليها في مراكز احتجاز تابعة لقوات الأمن السورية في الرقة شمال سوريا.

وقال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة الحقوقية، في مقابلة صحفية: quot;ما رأينا من وثائق وزنازين وحجرات استجواب وأجهزة تعذيب في مقار الأمن الحكومية تتفق مع أقوال السجناء السابقين الذين وصفوا لنا ما تعرضوا له منذ بداية الانتفاضة في سورياquot;.

ودعت المنظمة مقاتلي المعارضة، الذين يسيطرون على المدينة، إلى حماية هذه المواد المتواجدة بالمقار حتى يمكن التوصل إلى الحقيقة، وحتى يُحاسب المسؤولون عما حدث. واعتبر حوري أن معرفة حقيقة دور أجهزة الأمن في التجسس على السوريين وإرهابهم سوف تمكّنهم من حماية أنفسهم من الانتهاكات في المستقبل.

شبح وبساط ريح ودولاب

أكدت الشبكة السورية الخميس استخدام النظام السوري تسع وسائل للتعذيب، أبرزها طريقة quot;الشبحquot; وquot;الدولابquot;، بحسب شهادات مئات الناجين، مشيرة إلى أن تلك الوسائل تعد الأكثر منهجية واستخدامًا من قبل النظام. فبحسب طريقة الشبح، يتم ربط المعتقل من يديه إلى ظهره وهو مستند إلى كرسي، ثم يسحب الكرسي من تحته ليتعرض لصدمات على الأرض الصلبة، فضلًا عن ضغوط على أجزاء مختلفة من جسده.

أما طريقة الدولاب، فيتم فيها تقييد يدي المعتقل إلى رجليه ليصبح مثل دولاب السيارة، وبعد ذلك تبدأ عملية الضرب على أنحاء مختلفة من جسده.

وكانت منظمة هيومن رايتس واتش أشارت في تقريرها إلى أن إحدى وسائل التعذيب المستخدمة تعرف باسم quot;بساط الريحquot;، وتقوم على ربط المعتقل على لوح منبسط أحيانًا على هيئة صليب. ونقلت عن معتقلين سابقين قولهم إن الحراس مددوهم أو شدوا أطرافهم أو قاموا بطي اللوح إلى نصفين بحيث تواجه وجوههم أقدامهم، مما يتسبب في ألم وفي شل حركتهم تمامًا.

وقالت لمى فقيه، الباحثة في المنظمة: quot;ندرك أن العديد من الأشخاص لا يزالون محتجزين ويخضعون لهذه الممارساتquot;.

اغتصاب النساء

وفي توثيق سابق خلال هذا العام، وتحديدًا في شباط (فبراير) الماضي، قالت ختام محمد، وهي فتاة سورية نجت من سجون المخابرات السورية، وتحديدًا من سجن فرع فلسطين في دمشق، بفضل صفقة لتبادل الأسرى بين نظام بشار الأسد والجيش السوري الحر: quot;اعتقلت في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 في ساحة باب السريجة في دمشق، بعد أن نظّمت تظاهرة طلابية ضد النظام السوري، وشاهدت خلال اعتقالي الكثير من الجرائم التي يرتكبها نظام الأسد ضد السجناء والمعتقلين، خصوصًا في العنابر النسائية، ورأيت الكثير من الانتهاكات الإنسانية والممارسات غير الأخلاقية ضد المعتقلينquot;.

وذكرت محمد في حديث صحفي أن سجون المخابرات السورية تشهد ممارسات نعذيب ممنهجة، ابتداء بالضرب، مرورًا بالصعق الكهربائي والحرمان من الطعام، وانتهاءً بالاغتصاب.

وقالت: quot;شهدت حالات اغتصاب وتعذيب في العنبر النسائي، ضد الكثير من النساء السوريات اللواتي ثبت عليهن التواصل مع الجيش الحر، وكانت في مقابل عنبرنا غرفة مخصصة لتعذيب الشبان، وكنا لا نستطيع النوم بسبب صرخات المعتقلين من الشبان والفتيات جراء التعذيب والضرب المتكررquot;.

وذهبت إلى أن الضرب للسجناء والسجينات يكون في بعض الأحيان عشوائيًا، بقصد التعذيب والترهيب، فيما تحظر إدارة السجن على السجينات صلاة الجماعة، وتعاقب كل من يخالف أنظمتها بالتعذيب.