يرى مختصون أن تدهور الوضع الصحي في العراق بمثابة إبادة جماعية مرجعين السبب إلى الاحتلال الأميركي الذي يقولون إنهنهب ودمر المستشفيات الرئيسية في البلاد.


اسطنبول: اعتبر مختصون عراقيون أن تدهور الوضع الصحي في العراق حاليا بمثابة جريمة إبادة جماعية للعراقيين محملين الاحتلال الأميركي مسؤولية تدمير ونهب المستشفيات الرئيسية في البلاد.. فيما حذروا من الاثار النفسية والعقلية لتداعيات ذلك الاحتلال وما اعقبه من عمليات عنف وانتهاك لحقوق الانسان على المواطنين وحذروا من ان عدم توصل السياسيين إلى مصالحة وطنية حقيقية سيقود العراق إلى التقسيم.

جاء ذلك خلال اعمال مؤتمر جرائم وانتهاكات حقوق الانسان في العراق المنعقد في اسطنبول حاليا حيث خصصت جلسة مساء امس لبحثquot;الحالة العقلية والنفسية للانسان العراقي نتيجة الاحتلال وافرازاتهquot; بمشاركة مختصين واكاديميين عراقيين وعرب زاد عددهم على المائتين وخمسين مشاركا وتنظمه جمعية الحقوقيين العراقيين في بريطانيا.

تدهور الوضع الصحي ومخاطره على وجود العراقيين

وحذر اخصائي القلب العراقي بمستشفى الاسراء الاردني الدكتور عمر الكبيسي من مخطط خطير واضح يستهدف تحطيم البنية التحتية للنظام صحي في العراق وما ينتج عنه من تهديد واضح لشعب كامل.. موضحا ان ذلك يتجسد من خلال استمرار عمليات القتل المباشر عبر التفجيرات والمواجهات العسكرية والمداهمات والاعتقالات والأحكام القضائية وعقوبات الاعدام والهجوم على المواطنين و الاستمرار بمخطط تهجير الكفاءات الطبية والكوادر الصحية واستهدافها جسديا وابتزازها معنويا وماديا لإقصائها ونزوحها والتستر على علاقة الزيادة الهائلة بحالات الأورام والتشوهات والإسقاطات والعقم ذات العلاقة بقضية استخدام اسلحة الدمار المحذورة والمعادن الثقيلة والتلوث البيئي والمثبتة بدراسات عراقية وعالمية اضافة الى التستر على الفساد المالي والإداري في وزارة الصحة والاعتماد على كوادر غير نزيهة وغير مهنية وفق معايير الانتماء الطائفي والمحاصصة وسلوك سياسة الإقصاء والتهميش.

وقال إن من الاثار الاخرى لهذا التدهورالصحي هو قلة التخصيص المالي في موازنات الدولة لشؤون الصحة والتعليم والتي لا تتجاوز 2-3 % من مجمل الموازنة واهمال خدمات الرعاية الصحية الاولية والوقائية والمراكز الصحية بظمنها مراكز الأمومة والطفولة وبرامج التلقيحات كأسبقية وتحطيم البنية التحتية للخدمات ذات العلاقة بصحة الإنسان كتوفير المياه الصالحة وغياب الصرف الصحي والتخلص من النفايات ونقص تجهيز الكهرباء وخدمات البنية التحتية والسياسة الدوائية الفاشلة وفقدان الرقابة والتفتيش على الدواء والغذاء وتدهور الصناعة الدوائية اضافة الى سياسة الاقصاء والتهميش وعدم التوازن والتمييز الطائفي والعنصري التي تتبناها السلطة وتفشى البطالة والأمية والجهل والفقر والترمل واليتم والادمان واستخدام المخدرات وانتشار الأمراض النفسية وحالات الانتحار وعمالة الأطفال وتفشي جرائم الاتجار بهم وبالمرأة وارتفاع الإصابات بالأمراض الانتقالية والغير انتقالية وكذلك النزوح والهجرة الجماعية داخل وخارج العراق وما يرفقها من مشاكل السكن والإقامة والعمل والعوز.

وأشار إلى أن تقدم الواقع الصحي في العراق خلال فترة الثمانينات جعل منه دولة يحضى شعبها برعاية صحية وقائية وكفاءات طبية عالية واصبح من افضل دول المنطقة في قطاع الخدمات عام 1989لكن نكوص الوضع الصحي في العراق بدأ تزامنا مع مخطط استمرار الحرب العراقية الإيرانية ومن ثم اشتعال حرب الخليج الثانية في مشكلة الكويت وكان اوج الانحدار بمؤشرات خطيرة قد بدأ بعد إقرار الحصار على العراق عام 1990 حيث فقد العراق بإحصائيات موثقة ومعلنة أكثر من مليون ونصف المليون شخص بين وفيات طالت الاطفال حديثى الولادة و دون الخامسة في العمر وسوء التغذية ومضاعفات الأمراض الإنتقالية وسوء التغذية ومضاعفاتها بين البالغين وكبار السن والتي اتسعت مضاعفاتها القاتلة بسبب نقص الدواء والغذاء والاجهزة والكوادر وتفشى الترمل واليتم وأسباب عديدة اثقلت بكاهل القطاع الصحي بسبب حصار غاشم.

واشار الى انه خلال عشر سنوات الاحتلال المنصرمة وبالرغم من توفر المال وارتفاع أسعار النفط وكتابة دستور وتشكيل حكومات ودورات برلمانية متعاقبة بقيت كل المؤشرات تؤكد استمرار انهيار الوضع الصحي وخدمات البنية التحتية بشكل متواتر بشكل يؤكد وجود مخطط متقصد يستهدف القطاع الطبي والصحي والاطباء والاكفاء فيه وتدمير مؤسساته وإنجازاته.

تخريب ونهب للمستشفيات الرئيسية

واكد الكبيسي ان القطاع الصحي العراقي شهد خلال السنوات التي اعقبت الاحتلال عمليات استهداف للمؤسسات الصحية والمستشفيات الهامة وخلال الايام الاولى تم نهب وسلب وهدم اكبر مستشفيين عسكريين في العراق هما مستشفى الرشيد العسكري الذي تبلغ سعته 1200 سرير ومستشفى حماد شهاب في العاصمة بغداد وبنفس الأسلوب وبإشراف القوات الاميركية وكان أكثر من 50 % من المستشفيات العراقية بضمنها أقسام الطوارئ والإسعاف الأولي قد دمرت وسرقت.

واشار الى ان الفساد الإداري والمالي في وزا رة الصحة قد تفشى حيث شهدت أول خلية اجتثاث مهني وإداري في الوزارة وجعلها قلعة من قلاع العنف والمحاصصة الطائفية وتم تغيير آلية وتشريعات الوزارة المهنية والإدارية والمجيء بكوادر غير مهنية وغير كفوء اجتثت الكوادر الإدارية والمهنية في المحافظات أسست لسياسة القتل والاغتيال والتهجير.

وأضاف أنه تم خلال السنوات العشر إلغاء كافة قيود وشروط الاستيراد للأجهزة والأدوية والمستلزمات الطبية وتغيير قوائم الأدوية الأساسية وتصنيفها حسب الأسبقية والأهمية مما تسبب في نقص شديد فيها كما ونوعا حيث دخلت أدوية غير رصينة وغير فاعلة أو أمينة لا بل ملوثة وسامة احيانا من كل حدب وصوب وتفشى الفساد فيما أصبح استيراد الأدوية تجارة بعقود فاسدة التجهيز للأجهزة و شركات وسيطة دخيلة وطبقة مقاولين المنتفعين وممثلي أحزاب منتفعة بصفقات وورشات عمل تعقد وتوقع خارج العراق ناهيك عن حرائق الوزارة التي طالت طوابق الاستيراد والعقود وحرائق مخازن الأدوية الرئيسية التابعة لكيماديا.

واشار الكبيسي إلى أن مخطط استهداف الأطباء والكوادر الطبية قد استمر من خلال القتل والاختطاف والتهديد والتهميش دون تقديم أي دليل قانوني أو قضائي أو تحقيقي عن المجرمين والمنفذين لهذا المخطط الرهيب الذي ابتدأ منذ أول أيام الاحتلال واستمر لتكون بناية وزارة الصحة نفسها واحدة من ساحات التصفية للكوادر والمستشفيات في مناطق متعددة وأسرة المرضى وسيلة أخرى ناهيك عن استخدام منظومة الإسعاف لقتل الرهائن والمختطفين.

وأوضح أن اكثر من 20 ألف طبيب اختصاصي وأكاديمي وممارس وخريج جديد قد هجروا العراق خلال العشر سنوات المنصرمة بسبب مخططات التهجير والاستهداف والإقصاء والتهميش. واكد ان هذه الهجرة بلغت نسبتها أكثر من 50% من الخريجين كما هبطت نسبة الطبيب لكل 1000 مواطن الى أدنى نسبة في المنطقة حيث أصبحت لا تتجاوز الطبيب الواحد.

التلوث البيئي

وتحدث الكبيسي عن كارثة التلوث البيئي والإشعاعي حيث تم استخدام الأسلحة المحظورة كالفسفور الأبيض واليورنيوم المنضب والمعادن الثقيلة ودخان المتفجرات والقنابل وحرائق البساتين والمزارع وإثارة الغبار وتلوث المياه وفتح المبازل وتسرب نفايات المفاعلات النووية الى شط العرب وتلوث مياه والأنهار الإيرانية من منطقة المفاعلات النووية الإيرانية على الأهوار وشط العرب ونهر دجلة والروافد التي تصب فيها وعلاقتها بزيادة ملحوظة بنسب حالات السرطان والأورام والتشوهات الخلقية والإسقاطات ووفيات الخدج. واشار الى ان نسب وقوع حالات السرطان في مدينة البصرة قد بلغت نسبة 50 % من السكان وكذا الحال فيما يخص مناطق في الفلوجة وسوق الشيوخ والناصرية.

واوضح انه بضغط شديد تم اجراء دراسة علمية ومسحية مشتركة بين كوادر وزارة الصحة ومراكز بحثية عراقية وبين باحثين من منظمة الصحة الدولية استمرت لستة اشهر وشملت ست محافظات وانتهت الدراسة الميدانية نهاية عام 2012 وقد اطلقت تصريحات من قبل بعض الباحثين حول نتائج الدراسة الاولية و وصفتها بأنها كارثية لكنه بالرغم من مرور أكثر من سبعة أشهر لم تعلن منظمة الصحة الدولية نتائج الدراسة والتي يشغل فيها منصب المدير الاقليمي للشرق الاوسط الوزير العراقي السابق الدكتور علاء العلوان.. وقال انه وفقا لما ينشر فإن هناك دوافع سياسية وراء عدم إعلان المنظمة لهذه النتائج.

الوضع الصحي الصعب بالأرقام

واشار الى ان الدراسات الحديثة قد كشفت ارقاما وحقائق خطيرة جديدة تضاف الى ما نشر سابقا حول تدهور الوضع الصحي في العراق حيث إن معدل عمر الإنسان العراقي يتناقص على النقيض مما حققه التقدم الطبي والصحي من انجازات ارتفع فيها معدل عمر الانسان في بقية انحاء العالم بمستويات متفاوتة خاصة وان اكثر من 70 من الكوادر الطبية قد تركت العراق واكثر من الفي طبيب قد قتل وان 83 % ممن هاجر منهم لن يعود وان اكثر من 40% ممن هم داخل العراق يرغبون بالهجرة وان نسب الوفيات بين الاطفال حديثى الولادة ودون الخامسة وبين الحوامل وصلت الى مستويات مخيفة مقارنة بالمنطقة وان التخصيص المالي لقطاع الصحة هو الادنى بين الدول المحيطة وان ظواهرسوء التغذية والفقر والبطالة والامية والشد النفسي قد اشتدت وتدنت نسب التلقيحات وازداد انتشار الامراض الوبائية والغير انتقالية وان نتائج الدراسات تشير الى أن مخاطر التلوث الاشعاعي والبيئى كارثية ونتائج و وسائل الخلاص من مخاطرها مكلفة وأن وزارة الصحة واحدة من الوزارات الغارقة بالفساد المالي والإداري والمهني.

واتهم الولايات المتحدة واسرائيل والنفوذ الايراني المستفحل في العراق بقتل وخطف الاطباء والعلماء والاسهام بالتلوث وتجارة الادوية الفاسدة والمخدرات والاتجار بالأطفال والنساء واستخدام الأسلحة المحظورة والمحرمة والتستر على التلوث البيئي وتحطيم البنية التحتية تشكل جوهر مشروع استنفاذ الكوادر العلمية والكفاءة الطبية وقتل الانسان العراقي جسديا ونفسيا واجتماعيا.

تعثر المصالحة الوطنية ومخاطر التقسيم

أما دكتوراه العلوم السياسية الجزائري يوسف بونديل المحاضر في العلوم السياسية بجامعة لينكولن وجامعات أخرى باسكتلانده والسويد وبلغاريا والولايات المتحدة وأستاذ مساعد في جامعة قطر متخصص في سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقد أشار إلى أن المصالحة الوطنية في العراق ليست مهمة فقط لنهاية العنف الذي اتسمت به البلاد منذ عام 2003 فحسب بل هي أيضا شرطا مسبقا لعملية الانتقال إلى الديمقراطية في البلاد.

واشار الى انه كان ينظر إلى إعدام أعضاء سابقين في القيادة العراقية أن تكون الخطوة الأولى في هذه العملية الطويلة من المصالحة لكن هذا وبدلا من ذلك ، كان هذا ملتهبة قسمت البلاد أكثر من ذلك.. كما ان توزيع عائدات النفط والفيدرالية وكيفية التعامل مع الأشخاص المرتبطين مع النظام السابق ليست سوى بعض من القضايا التي يتعين على العراق التعامل معها. وقال انه يظر الى حكومة المالكي على أنها دمية في يد الإيرانيين.. اضافة الى ان اعتماد سياسات لصالح مجموعة إثنية معينة قد أذكى التوترات العرقية.

وحذر بونديل من ان عدم تحقيق مصالحة حقيقية وصادقة في لعراق قد يقود في النهاية الى تقسيم البلاد مع كل ما يجره هذا من مخاطر على مستقبل العراقيين.

الاضطرابات العقلية والنفسية نتيجة الاحتلال وما أعقبه من تداعيات

ثم تحدث طارق الكبيسى الاستشاري في الطب النفسي والسلوكي والاستاذ الفخري المشارك بالمملكة المتحدة عن ألاضطرابات العقلية والنفسية نتيجة الاحتلال وما اعقبه من تداعيات، وأشار إلى أن العراقيين قد تعرضوا لكوارث متعددة كان اخرها الغزو الأجنبي وما تلاه من الجرائم الانسانيه حيث قتل مئات من الاكاديمين واختطافهم وأهليهم وقتل الآلاف وتهديدهم لدفعهم الى الهجرة كما تعرض العراقييون بشكل عام ومنهم الطبقات المتعلمة والمثقفة كذلك الى الاصابه الى باثار نفسيه جسيمه منها الاصابه باعراض عقبى الصدمات النفسية واضطرابها.

وأشار إلى أن استمرار هذه الأعراض لفترة طويله قد تتسبب عنها اضطرابات الشخصية المستديم ومن اعراض السلوك المضاد للمجتمع والشعور بالكراهيه ضد الجلاد ورموزه مما يمنع اي قرار يشجع التسامح وما يسمى بالمصالحة. واكد ان عينات من منتسبي الجامعات في بغداد قد اظهرت أن 84 -% قد تعرضوا لإحداث صداميه نتيجة الأحداث المؤلمة ولو لمرة واحده على الأقل وان 35% منهم فقط كانوا يعانون من الكآبة والقلق الشديدين وان 11% لم تظهر عليهم أية أعراض مرضيه فيما كانت الإناث أكثر عرضة من الذكور للإصابة بهذه الاضطرابات.

وأوضح أن دراسة عينه من العراقيين المهاجرين بعد الغزو عام2003 وما تلاه قد كشفت أن جميعهم قد تعرضوا لأكثر من صدمة نفسيه شديدة واحدة وأن92٪ منهم قد تعرضوا لهذه الصدمات بعد غزو عام 2003 بالمقارنة مع 8 ٪ منهم فقط قد تعرضوا لصدمات قبل عام 2003 وقد كان 33% منهم قد تعرضوا للحوادث الصدمية خلال أحداث عام 2006 ومن بين هذه الحوادث فقد قتل أو توفي أقرباء 42% منهم فيما شهد 66% منهم حوادث أنفجارات أو أنفجار سيارات مفخخة.. كما شهد 61% منهم تفجير بيوتهم أو بيوت جيرانهم فيما تم تهديد أو أجبار 61% منهم على ترك بيوتهم واغتيال افراد من عوائلهم أو أصدقائهم أو اختطافهم او احد من أفراد عوائلهم أو انهم قد شهدوا إصابات خطيرة.

واوضح ان 56% منهم قالوا انهم تعرضوا لقصف بيوتهم او بيوت أقربائهم أو أصدقائهم أو قتل أحد أصدقائهم بينما اشار 46% منهم الى تهديدهم بالاغتيال أو الاكراه على ترك بيوتهم أو نهب سياراتهم وممتلكاتهم. وقال ان هذه النتائج قد بينت تعرض الغالبية العظمى من العينات باعراض أو باضطراب عقبى الصدمات النفسية الشديدة.

وحذر من أن استمرار هذه المعانات لمدة طويلة ومتكررة قد تقود الى الاصابه باضطرابات الشخصية المستديمة مع سلوك مضاد للمجتمع ومن اعراض هذا السلوك الشعور بالحقد والكراهيه اللتان تمنعان المرونه بالتفكير وتقود الى سلوك عدواني قد يشكل سببا رئيسيا لجرائم الكراهية.