دعت أورسولا فون دير لاين، وزيرة الدفاع الألمانية، إلى اضطلاع برلين بقسط أكبر من المسؤولية الدولية، وأعربت عن تطلعها إلى تشكيل جيش أوروبي موحد.


كانت ألمانيا أبدت استعدادها للمساهمة بوحدات عسكرية في مالي، وحتى الانضمام إلى قوات الاتحاد الأوروبي في جمهورية افريقيا الوسطى، رغم أن ألمانيا ليست لديها مصالح مباشرة في هذه المناطق. وأكدت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين أن ألمانيا مطالبة بتعزيز دورها العالمي، في كل المجالات، حتى العسكرية منها.

منظور إنساني

أوضحت فون دير لاين أن المسألة لا تتعلق بمصالح ألمانيا، بل بمصالح أوروبا عمومًا، واصفة افريقيا بأنها quot;جارنا المباشر، حيث لا تفصل بين القارتين إلا 14 كيلومترًا عند مضيق جبل طارقquot;. واعادت فون دير لاين التذكير بالصور المروعة للاجئين قضوا غرقًا قبالة جزيرة لامبيدوسا الايطالية.

وبشأن ارسال جنود ألمان إلى جمهورية افريقيا الوسطى، التي تبعد 5300 كلم عن ألمانيا، قالت لمجلة شبيغل اونلاين: quot;من المنظور الانساني، لا يمكن أن تغض ألمانيا الطرف حين تُرتكب جرائم قتل واغتصاب بصورة يومية، فإن حربًا ضارية تستعر في جمهورية افريقيا الوسطى بين المسيحيين والمسلمين، ونحن لا يمكن أن نسمح للنزاع باجتياح المنطقة كلها. ومن الناحية السكانية فإن جمهورية افريقيا الوسطى بلد صغير، لكنها محاطة ببلدان يزيد عدد سكانها على 150 مليون نسمةquot;.

ولفتت وزيرة الدفاع الألمانية إلى أن مليار انسان يعيشون في افريقيا، وسيتضاعف عددهم خلال السنوات الثلاثين المقبلة، وإذا حدث هذا التطور في اطار مؤسسات ديمقراطية فإن القارة الافريقية ستكون بمثابة فرصة لأوروبا. واضافت أن تحسنًا كبيرًا تحقق في العديد من البلدان الأفريقية التي أثبتت أن الاستقرار والنمو ممكنان، معتبرة انتعاش افريقيا اقتصاديًا quot;فرصة لبلد مثل ألمانيا، لديها صادرات كبيرةquot;.

قدرات إسعافية خاصة

وتناولت فون دير لاين الدور الذي تريد ألمانيا النهوض به في افريقيا، فقالت: quot;سيكون التركيز على مالي حيث يتولى الجيش الألماني تدريب جنود افارقة، ويساعد في بناء جيشquot;. واوضحت أن الحد الأقصى الذي لدى حكومة برلين تفويض من البرلمان بارساله حاليا هو 180 جنديًا، ويتمركز في مالي الآن 99 جنديًا ألمانيًا، مؤكدة أن ألمانيا تستطيع المساهمة بقسط أكبر، quot;وهذا ما يتوقعه حلفاؤنا، وفي مقدمهم الفرنسيونquot;. وقالت إن بالامكان زيادة العدد المسموح للحكومة الألمانية ارساله إلى 250 جنديًا.

واشارت فون دير لاين إلى أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مهدوا الطريق لارسال قوات أوروبية إلى جمهورية افريقيا الوسطى، ولكن يتعين تأمين الشفافية في ما يتعلق بهذه العملية.

وقالت وزيرة الدفاع الألمانية إنها والمستشارة انغيلا ميركل، ووزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير، متفقون على أن البعثة العسكرية يجب ألا تكون عملية قتالية ألمانية، quot;فلدى الجيش الألماني قدرات خاصة في مجال الاسعافات الطبية مثلًا، حيث يستطيع معالجة الجرحى وإخلاءهم بسرعة، والشرط المسبق للقيام بهذه المهمة هو تأمين مطار العاصمة بانغيquot;.

كما أن توسيع مهمة القوات الألمانية في مالي، والمساعدات المقدمة لجمهورية افريقيا الوسطى، يتطلبان تفويضًا برلمانيًا، كما قالت، لأن قيادة الجيش الألماني في نهاية المطاف بيد البرلمان.

صوت أوروبي واحد

وحول التهمة التي كثيرا ما توجَّه إلى ألمانيا بالوقوف موقف المتفرج حين يتعلق الأمر بعمليات في الخارج تاركة العمل الشاق لدول أخرى، قالت وزيرة الدفاع الألمانية إنها مع الرأي القائل إن على ألمانيا أن تضطلع بقسط أكبر من المسؤولية في العالم، quot;في اطار تحالفاتناquot;.

وأشارت فون دير لاين إلى أن نزاعات بعيدة اصبحت أقرب كثيرًا إلى أوروبا بسبب العولمة، quot;ولهذا السبب من مصلحة الاتحاد الأوروبي تكمن في أن يوفر الأمن والاستقرار بمساعدة البلدان على أن تكون بمستوى مسؤولياتهاquot;.

وأوردت فون دير لاين الوضع في مالي على سبيل المثال قائلة: quot;نحن نقوم بتدريب جنود يعملون بعد ذلك مع قوات الاتحاد الأفريقي في شمال البلدquot;. واستعرضت التطورات التي شهدتها السنوات والعقود الأخيرة، والنتائج المترتبة على تقارب العالم كما تبدت بسقوط جدار برلين والرقمنة واندماج الأسواق المالية.

لكنها لفتت إلى أن العولمة تنطوي ايضًا على تحديات جديدة للسياسة الدفاعة والأمنية، quot;وعلى أوروبا أن تتكلم بصوت واحد في المستقبل حين يتعلق الأمر بالسياسة الأمنية، لكن هذا لن يكون مجديًا إلا بتقاسم المسؤوليات والمخاطر بصورة عادلة بين الدول الشريكةquot;.

أهمية المناقشة

وتطرقت فون دير لاين إلى امتناع ألمانيا عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بالتدخل في ليبيا، فقالت: quot;أنا بصفتي عضوًا في الحكومة، كنتُ مع القرار، لكني شهدتُ لاحقًا التأزم الذي أحدثه بين حلفائناquot;.

وأضافت انها تعلَّمت من أزمة اليورو quot;أهمية مناقشة الأمور حتى النهاية وإن كان ذلك صعبًا، والتوصل إلى حل توافقي نؤيده جميعًاquot;. ودعت إلى تطبيق هذا الدرس على السياسة الدفاعية والأمنية، قائلة: quot;علينا أن ندافع عن الموقف الأوروبي وحينذاك فقط سيكون للصوت الأوروبي ثقله في العالمquot;.

وكان امتناع ألمانيا عن التصويت على قرار مجلس الأمن حول ليبيا يعكس سياسة وزير الخارجية الألماني السابق غيدو فيسترفيلة بعدم المشاركة في التدخلات العسكرية في الخارج.

وقالت فون دير لاين: quot;ليس هناك أزمة يمكن أن تُحل بالوسائل العسكرية وحدها، وفي حال التدخل المباشر فإن الحل السياسي يجب أن يُدفع إلى المقدمة بموازاته، ومن المعايير المهمة في هذا السياق المساعدات الانسانية والتعاون الاقتصادي وحماية المدنيين من خلال تشكيل قوة بوليسية مثلًاquot;.

وتابعت: quot;على حلفائنا أن يفهموا أن لدينا جيشًا يخضع لرقابة البرلمان، في حين أن الرئيس هو صانع القرار في فرنسا، وعلى شركائنا أن يسلِّموا بهذه الديناميكية مثلما نقبل نحن بخصوصياتهمquot;.

جيش أوروبي

يقول البعض إن مثال أفغانستان يبين أن تمركز قوات عسكرية لفترة طويلة ليس ضمانة للاستقرار، فعلقت فون دير لاين: quot;بلغت افغانستان نقطة حرجة للغاية، والمهمات القتالية ستنتهي بحلول نهاية 2014، ونحن قلقون بشأن الوضع الأمني، لكننا نستطيع أن نشير إلى نجاحات ايضًا، فان أغلبية واسعة من الأطفال الافغان الذين نشأوا بحماية القوة الدولية للمساعدة في إحلال السلام يستطيعون القراءة والكتابة، في حين أن 70 بالمئة من آبائهم اميونquot;. ودعت الحكومة الافغانية إلى توقيع اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة.

وعن دروس افغانستان وتطبيقها في مالي، قالت إن ظروف افريقيا تختلف، quot;فعلى سبيل المثال، تحرك الاتحاد الأفريقي بثقة، وهو يريد حل مشاكل قارته بنفسه، ونحن ندعم هذا النهج، وعلينا أن نحرص من اليوم الأول على تقوية البلدان ذات العلاقة في القطاع المدني ايضًا بالمساعدة على بناء قوات أمنية أو من خلال المساعدات التنموية، فالوسائل العسكرية ليست إلا عنصرا من عناصر متعددةquot;.

وحول بناء جيش أوروبي موحد، قالت: quot;هناك خطوات متعددة يتعين اتخاذها قبل الوصول إلى هذه المرحلة، لكن الواضح أن البرلمانات الأوروبية لا يمكن أن تكون بلا سلطة، وتشكيل قوات مسلحة أوروبية مشتركة سيكون نتيجة منطقية للتعاون العسكري في أوروباquot;.