الأرمن العراقيون.. الخصوصيّة والجاذبيّة والأسرار الحيويّة!

الشخصيات العامة الأرمنية
ينقل لنا الأستاذ آرا اشجيان عن الرحالة الانكليزي جاكسون الذي وصل إلى بغداد يوم 14 تموز-يوليو عام 1797 قوله: quot; قليل جداً هو عدد الأوروبيين الذي يزاولون الأعمال التجارية في بغداد أو يحتفظون لهم بقناصل فيها. فالانكليز

الحلقة الأولى

مثلاً ليس لديهم قنصل في بغداد ولكن أعمالهم تدار من قبل أحد الأرمن المدعو (خوجة مايكل) وهو رجل محترم.. ولقد كنت أحمل رسائل معي إلى أرمني آخر يدعى خوجة سطيفان بابك وهو من الأثرياء الكبار ويتكلم الإنجليزية بطلاقة وأنا أعتقد أنه المقيم الوحيد في المدينة الذي يلم باللغة الإنجليزيةquot;.
ومن الشخصيات الأرمنية العامة فوسكان مارديكيان (اوسكان أفندي) الذي كان وزيراً للبريد والبرق في الدولة العثمانية، وبناء على دعوة وجهت له من قبل الحكومة العراقية في عشرينيات القرن الماضي، أصبح خبيراً مالياً في وزارة المالية العراقية، وطوًر النظام المالي في العراق وترجم عدة نصوص قانونية من العثمانية إلى العربية. وبرز ايضا، اسم سيروب اسكندريان مديراً للإدارة النهرية في بغداد عام 1910، وأيضا هناك سرابيون سيفيان الذي شغل المنصب نفسه قبل الحرب العالمية الأولى ابان الحكم العثماني، ثم شغل في عام 1921 منصب السكرتير لوزير المالية عقب تأسيس النظام في المملكة العراقية. ومن الشخصيات الارمنية ايضا، مركوريان مدير شعبة المصرف العثماني الذي عين عام 1910 رئيساً لأول غرفة للتجارة في بغداد، وقد غدت على زمنه مرجعاً للأمور التجارية. أما ديكران ايكماكجيان، فقد توّلى منصب سكرتارية مجلس إدارة السكك الحديدية العراقية لسنوات طوال.. وكان كاسبار بوغوصيان رئيساً لأمناء صندوق السكك الحديدية. وهناك مسؤول أرمني آخر اسمه ابكار هوفهانيسيان الذي نصّب مديراً عاماً للمواصلات، ونظير خدماته وإبداعاته، منح وسام الرافدين من الدرجة الثالثة. وكان فاهي سيفيان، مسؤولاً مالياً في بغداد أثناء حكم الدولة العثمانية، ونصّب في خمسينيات القرن الماضي مفتشاً للري العام ببغداد، وقد أسهمت جهوده الممتازة والإجراءات الطارئة التي اتخذها في إنقاذ العاصمة بغداد وضواحيها من أسوأ فيضان تعرضت له بغداد في العام 1954. كما وجد اثنان من المدراء العامين في الموانئ والسكك الحديدية في مدينة البصرة، وهما كريكور كولويان وازكاناز فارتانيان. ولقد عرف في مجال السياسة والدبلوماسية اسكندر ستيبان ماركاريان، اذ كان قد انتخب عام 1947 في البرلمان العراقي ممثلاً لجميع المسيحيين في العاصمة بغداد، ولابد من ذكر كل من القنصلين الفخريين لبلجيكا في العراق، وهما: ديرفيشيان وسيمون غريبيان، وان نذكر ايضا قنصل النرويج الفخري في العراق آرام سيمرجيان. وفي أرمينيا بعد الاستقلال في عام 1991، تقلد اشخان مارديروسيان منصب وكيل الوزارة في وزارة الزراعة ثم الخارجية، وهو من اصل عراقي.

كولبنكيان: مؤسسة دولية خدمت العراق والعراقيين
أود هنا أن أتوقف قليلاً عند شخصية متميزة وشهيرة لدى كل العراقيين في القرن العشرين، متمثلة بالثري ورجل الأعمال والإحسان الأرمني (كالوست كولبنكيان) وما قدمه للعراق من خدمات كبيرة. فقد كان كولبنكيان يحتفظ بنسبة 5 بالمائة من مجموع أسهم شركات النفط التي طورها، وهي حصته من الأراضي التي كان يمتلكها في كركوك والتي غدت حقولا نفطية منذ العهد العثماني. ومن هنا جاءت كنيته الشهيرة quot;سيد الـ 5 بالمائةquot; (Mr. Five Percent) وكانت له حصة 5 بالمائة من أسهم شركة النفط العراقية (IPC). وقد أنشأت مؤسسة كولبنكيان، التي تهتم بشكل أساس بالمشاريع الثقافية والفنية في العالم، ملعب الشعب الدولي وقاعة الشعب في بغداد، وأريد القول انه من دون ملعب الشعب الدولي، كان العراق سيبقى من دون أي ملعب دولي حتى يومنا هذا!! كما منحت مؤسسته الخيرية المئات من الزمالات الدراسية للطلبة في العراق ودول العالم كافة، بغض النظر عن ديانتهم أو قوميتهم أو طائفتهم. وقد استفاد عدد كبير من الطلبة العراقيين من هذه الزمالات، ومنهم من وصل إلى مناصب رفيعة في الدولة. كما ساهمت مؤسسة كولبنكيان في بناء القسم الجديد لمدرسة الأرمن المتحدة الأهلية في بغداد والمستوصف الملحق بها عام 1962، وأنشأت مدرسة في زاخو عام 1969، وملعباً في كركوك. كما ساهمت المؤسسة في بناء كنيسة الأرمن الأرثوذكس في ساحة الطيران ببغداد للمدة 1954 ndash; 1957، ومدرسة ثانوية للأرمن في حي الرياض ببغداد، إلى جانب إهداء أعداد كبيرة من الكتب والمناهج الدراسية للجامعات والكليات والمعاهد ودور العلم العراقية. لقد قام كولبنكيان بزيارة خاصة الى الموصل في سنة 1969 برغبة عارمة من لدنه، واستقبله رؤساء الملة الارمنية استقبالا يليق به وعلى رأسهم الاخوان حنا وبدريك جاقماقجيان، وكان ان اقترح على الحكومة العراقية بناء جامعة كبرى في الموصل على حسابه الخاص تكون من أرقى الجامعات وتجمع كل التخصصات، وخصص لها باختياره موقع ساحر في منطقة البو سيف جنوبي المدينة يطل على نهر دجلة، كما وقام بتجديد وترميم الكنيسة الارمنية، ولكن مشروع الجامعة اخفق لأسباب عدة، علما بأن الأرض قد منحت من كل من آل الجليلي وآل جاقماقجيان لبناء المشروع.. فخسر العراق مشروعا حضاريا وثقافيا كبيرا لأسباب تافهة. وهنا أود الحديث عن آل جاقمجيان وهم من اعرق العوائل الارمنية في العراق.

آل جاقماقجيان في الموصل ودورهم الاجتماعي
تمتد جذور هذه الأسرة الكريمة ووجودها في العراق إلى أكثر من ثلاثمائة سنة، وهي من الأسر الارمنية النبيلة التي عاشت في الموصل، تقول الرواية التاريخية ان مؤسس الاسرة الاول حنا جقماقجيان قد استقدمه والي الموصل الحاج حسين باشا الجليلي زمن حصار الموصل من قبل نادرشاه بين عامي 1741-1743م إلى الموصل من منطقة سعرت في تركيا اليوم، اذ كان ماهرا بصنع الأسلحة، وبعد انفراج الحصار وعم الانتصار، طلب منه الوالي أن يبقى في الموصل ليعمل فيها وأسرته، فاشتغلوا بتجارة السجاد والأخشاب والخيول.
وقد اشتهر عميد الأسرة ميناس جاقماقجيان عند مطلع القرن العشرين، وكان صاحب مزارع وأنعام، وكنت اسمع عن أدواره المهمة في حماية الأرمن المهاجرين وتأمين سلامتهم وتوطينهم والحفاظ على أعراضهم.. كان فارسا مقداما ورجلا صادق القول والعمل، وقد احترمه أهل الموصل كثيرا، وكانت له علاقاته القوية مع أعيانها وكل رجالاتها.. أما اخوه سركيس افندي جقماقجيان، فكان يحتل نفس المكانة في النفوس... وهو أول مختار أرمن في الموصل حيث بدا بجمع العوائل المهجّرة من تركيا والتي نزحت إلى الموصل، وكان راعي شؤون الطائفة الارمنية انذاك 1915 ويعود اليه الفضل والدور الكبير في لمّ شتات المهجّرين الأرمن إلى العراق آنذاك. لقد سجل الكاتب التركي ياسكين اوران في كتابه بالتركية والموسوم (Mk ' Adli Cocujun Techiranilari 1915 Ve sonrasi ) مشاهد تراجيدية محزنة جدا عن تلك المأساة. ويروي فيه حوارا مع أحد المعمرّين تتضمنها حكايات شاهد عيان للاحداث عن هجرة الارمن من تركيا الى العراق، ونقلا عنه، اذ كان شاهد عيان وعمره 95 سنة كيف ذهب الى الموصل والتقى مع رجل مسن يدعى سركيس أفندي جقماقجيان يعمل في تجارة السجاد وانه كان في ذلك الوقت اي اثناء الحرب الأولى مختارا للأرمن في الموصل، ومسؤول عن اليتامى ودار العجزة التي انشأها بذلك الوقت ومسؤول عن الكنيسة الارمنية... اذ كان في سنة 1857 قد بنى كنيسة الارمن في الموصل الكائنة في سوق الشعارين بقلب المدينة القديمة. وتروي السيدة طوقاتليان بأن سركيس افندي التقى الحاكم البريطاني، فتأثر الاخير بفكره وعقليته ومنطقه، فأعطاه ورقة تمنحه صلاحية الدخول الى أي بيت في الموصل لاخراج كل الصبايا الصغيرات والاطفال الصغار، ووضعهم في دار للايتام بناه خصيصا لعيشهم تحت اشرافه. لقد كان عمله مشرفا واخلاقيا لحماية اعراض ملته وانقاذ الاطفال الارمن وخصوصا من البنات والصبايا.
انجب اخوه ميناس اربعة ابناء رحلوا جميعا، وهم الدكاترة حنا وسعدون وبدريك ( وكانوا قد اختصوا بطب الاسنان ) اما ولده الاصغر جوزيف فقد عمل مديرا للتوزيع في شركة نفط العراق لثلاثين سنة، ثم رجع الى الموصل ليدير شؤون مزارعه، وكان قد اقترح توزيع أراض من أملاكه على موظفي الشركة لغرض بناء بيوت سكنية في مجمع سكني، ولكن قوبل مشروعه بالرفض من قبل الحكومة العراقية..
كان المرحوم حنا جاقماقجيان يتميز بقدراته النادرة في معرفة الخيول العربية واصولها وله فراسته في معرفة قدراتها ومدى سرعتها اشتهر بعلم الفروسية والخيول وارثا هذه الخصال عن والده ميناس جقماقجيان.. وكان العراقيون يطلبون منه ان يكون رجل الهاندي كاب اي رجل الاوزان في السباقات لكثرة خبرته بالخيول وتولعه بها، فكان يلبي مطالبهم من دون أي مقابل.. وهناك حادثة تحكى الى اليوم في مجالس اصدقائنا يذكروها... كيف عرف حنا افندي مهرة درة شمر في احد معارض المهر عند احد القبائل العربية خارج الموصل، ويقال انه يعرف المهرة او الحصان ويؤصله من مجرد معاينته له. اما اخوه الدكتور بدريك، فقد اختير رئيسا للطائفة الارمنية لسنوات طوال.. لقد تشرد ابناءهم اليوم في شتات العالم. يقول احدهم: quot; والى يومنا هذا نحن احفادهم ولكننا اصبحنا غرباء في بلد خدمناه في كل الازمنة واخرها انني دافعت جنديا عن العراق 13 سنة جنبا الى جنب اخوتي العراقيين في خندق واحد... واليوم اصبحنا نحن الغير مرغوب فينا.. quot;!

الأطباء الأرمن
في مجال الطب، كان أول من ادخل تلقيح الجدري إلى بغداد اوهانيس مراديان الذي قدم إلى بغداد عام 1786. وكان أول طالب عراقي يوفد إلى الخارج للدراسة على نفقة الدولة عام 1921 أرمنياً، واسمه ارستاكيس، وقد أوفد إلى مدرسة البنغال البيطرية في الهند لدراسة الطب البيطري. وكانت أول طبيبة عراقية عينتها وزارة الصحة، أرمنية، هي الدكتورة آنة ستيان، وأول فتاة عراقية دخلت مدرسة الطب في بغداد وتخرجت فيها سنة 1939 كانت الطبيبة ملك ابنة السيد رزوق غنام النائب عن مسيحيي بغداد في مجلس الأمة وصاحب جريدة العراق، ويعتبر شيخ الصحافة العراقية. ومن الأطباء المعروفين الدكتور كريكور استارجيان، وله مؤلفات بالعربية عن التاريخ والثقافة الأرمنية. واشتهر في الموصل قصر استراجيان في الساحل الأيسر، وكان تحفة معمارية رائعة بناه على الطراز الياباني، وبقي تراثا شامخا حتى ازيل عن الوجود قبل سنوات. وهناك الدكتور هاكوب جوبانيان، وهو من مؤسسي كلية الطب في العراق وحاصل على وسام ملكي عراقي (وسام الرافدين من الدرجة الثانية عام 1954) تقديراً لخدماته في مجال الطب والدكتور كارنيك هوفهانيسيان وغيرهم. وهناك كل من الدكتور كره بيت والدكتور موسيس، وقد اشتهرا شعبيا في الموصل. أما الدكتور ديكو اندريوس الاسفنديار، فهو طبيب اسنان مشهور ومميز في بغداد، كانت عيادته الخاصة تقع في بغداد في منطقة (نفق الشرطة) وهو طبيب ممتاز جدا، على الارجح انه هاجر إلى الولايات المتحدة (ولاية ميشغان) في التسعينات.

السير آرا درزي: أرمني عراقي وزيرا للصحة البريطانية حاليا
السير الدكتور آرا وارتكيس ترزيان، المعروف حالياً بالسير درزي، من اصل عراقي أرمني، ولد ببغداد ودرس الابتدائية فيها، ثم انضم الى كلية بغداد لست سنوات، وحقق نجاحه في البكالوريا عام 1978، وكان والده من كبار رجال الاعمال في العراق، وبعد ذلك غادر العراق برفقة اسرته الى دبلن في ايرلندا التي درس الطب فيها ثم تخصّص.بالجراحة.. لم يكن اجتماعيا ولا يميل الى الرياضة ايام دراسته، كان شديد الذكاء وليس له الا الدراسة، وكان يتررد مع والديه على نادي جمعية الشبيبة الارمنية في بغداد. ذاعت شهرته جراحا قديرا، واصبح رائدا في العمليات الجراحية الكبرى فمنح لقب ( سير ) وهو في سن مبكرة، ثم اختير وزيرا للصحة البريطانية، ولم يزل في منصبه حتى يومنا هذا.

الفنانون الارمن
1/ المصورون
أما في مجال التصوير فقد عرف المصور السينمائي خاجيك ميساك كيفوركيان، وهو من أوائل الرواد في مجال التصوير السينمائي ومن الرواد القلائل في تقنية التصوير في العراق والوطن العربي. والمصور الصحفي الرائد امري سليم لوسينيان شيخ المصورين الصحفيين العراقيين الذي صور ملوك وزعماء العراق وارشف جزءاً كبيراً من تاريخ العراق، والمصورين الفوتوغرافيين المعروفين ارشاك (صاحب ستوديو ارشاك) وجان (صاحب ستوديو بابل للزعماء والرؤساء ) ومصور الآثار كوفاديس ماركاريان، وفي الموصل اشتهر كل من المصور آكوب والمصور كوفاديس شهرة عريضة.. والفنان المصور آكوب كريكور بنجويان هو خال المصور الكبير مراد الداغستاني الذي اشتهر دوليا بلقطاته الذكية المعبرة، ويعّد هذا الفنان من اعظم المصورين في العالم. اما المصور آكوب ( او يلفظ: هاكوب ) الذي كان يصور كل المناسبات الرسمية انذاك في المتصرفية والمخيمات الكشفية والزيارات الرسمية في الموصل، فهو اشهر من نار على علم، وكان مدرسة في التصوير تخرّج على يديه العديد من الفنانين المصورين الذين اخذوا عنه الدقة والحرفية.
2/التشكيليون
وفي مجال الفنون، برز الفنان الرائد بهجة عبوش الذي أنجز صورة عماد يسوع المسيح في سقف كنيسة الأرمن الأرثوذكس في بغداد، وأقيم معرض شامل لأعماله في المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد، والفنان التشكيلي ارداش كاكافيان الذي كتبت موسوعة (لاروس) الفرنسية عنه وعن الفنان التشكيلي العراقي جواد سليم، وساران فارتان الكسندريان الذي شارك في نشاطات الحركة السريالية بباريس منذ عام 1947 وله العديد من المؤلفات النثرية والدراسات، والرسام التشكيلي يرجان بوغوصيان وهو من رواد السرياليين العراقيين، والفنان التشكيلي انترانيك اوهانيسيان الذي اشتهر بلوحاته الخاصة.
3/ المسرحيون والمخرجون والمغنّون
هناك ممثلة المسرح القديرة ازادوهي صموئيل لاجينيان، والمخرج والممثل والمخرج القدير كارلو هارتيون، والمخرج السينمائي العالمي اشخان افيديس (حكمت لبيب)، وهو من مدينة بعقوبة، والفنانة والمخرجة المتميزة سيتا هاكوبيان التي اشتهرت منذ أربعين سنة في الغناء العراقي، وقد أحبها الشعب العراقي، ولم يزل يذكرها بأطيب الذكر، وقدمت للثقافة العراقية اكثر من 70 عملا، ثم تحوّلت إلى الإخراج اليوم، واقترنت بالفنان المخرج عماد بهجت، وتعد ابنتهما نوفا عماد بهجت واحدة من الفنانات العراقيات في كندا، وهي تمتلك صوتا جميلا. وفي مجال الكتابة والإخراج المسرحي، نال هرانت ماركاريان في عام 1994 بطاقة العضوية في اتحاد الكتاب في أرمينيا، تقديراً لجهوده ونشاطاته في هذا المجال، وقدم حتى تكريمه 17 عملاً مسرحياً، وفي الموسيقى برز كل من الفنانين: كريكور برصوميان وآرام بابوخيان وبابكين جورج وآرام تاجريان ونوبار بشتيكيان، وعازفة البيانو الشهيرة بياتريس اوهانيسيان. وفي مجال المقام العراقي يبرز اسم الأب نرسيس صائغيان البغدادي (1878-1953) الذي امتاز بوفرة معلوماته عن المقام وجميع قراء المقام العراقيين يرجعون إليه لمعرفة أدق المعلومات عن المقام العراقي وصنوفه. وللأب صائغيان أيضا مؤلفاته في التاريخ واللغة ودراسة أصول ونسب العائلات المسيحية البغدادية، وقد نشر بعضها في كتيبات أو في مجلات معروفة مثل (لغة العرب) و (نشرة الأحد) و (النور). وكان سيساك زاربهانيليان موسيقاراً له تميّزه في الأوساط الفنية، ويعد احد فلاسفة الموسيقى الشرقية، وعازفاً بارعاً على آلتي العود والكمان، وكان قد ألف قطعاً موسيقية، مستخدماً فيها مقامات صعبة لم يجرؤ موسيقار غيره على التقرب منها.

الأدب والكتابة والتربية
في مجال الأدب برز الكاتب والباحث القدير يعقوب سركيس الذي ألف (مباحث عراقية)، وكان ضليعا بتاريخ العراق الحديث، حتى يقال بأنه المؤلف الحقيقي لكتاب ستيفن هيمسلي لونكريك المشهور quot; اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث quot;. وهناك الكاتب المعروف يوسف عبد المسيح ثروت، والكاتب ليفون كارمين (استيبانيان)، والكاتب ليفون شاهويان، والمفكر والكاتب بابكين بابازيان. وكان عبد المسيح وزير مثقفا قديرا ومترجما بارعا جاء إلى العراق مع طاقم الملك فيصل الأول وكان من رجال الفكر والمعرفة ووضع القاموس العسكري ومؤلفات أخرى وترجم كتبا عسكرية عدة لوزارة الدفاع العراقية. وفي مجال الكتابة الصحافية يبرز اسم جيراير غاريبيان الذي ألف عدداً من الكتب المهمة، وأجرى العشرات من المقابلات مع الشخصيات الأرمنية المعروفة على الصعيدين السياسي والأدبي. وهناك كل من الكاتبين اليساريين آرا خاجادور وشكري كرابيت بيروسيان عضو نقابه الصحفيين.، وهناك ايضا الكاتب شانت كندريان. أما في مجال التربية، فبرز الأستاذ والمربي الفاضل مهران أفندي سفاجيان المختص باللغات الاوربية، وكان يحاضر في اللغة الفرنسية عام 1908 في المدرسة الجعفرية (ابرز مدارس بغداد آنذاك) واعترف بفضله وخدماته الجليلة تلامذته، ومنهم صادق البصام الذي أصبح في العهد الملكي وزيراً للتربية عام 1941 والعدل عام 1942 وغيرهم.

مجالات أخرى
في مجال التجارة ورجال الاعمال يبرز اسم هايك طوقاتليان في العراق، وخصوصا في تجارة السيارات، وكان الرجل احد المهاجرين الارمن من تركيا الى العراق اثناء الحرب الاولى وبعد ان فقد اثنتين من أخواته في الطريق ووالده ايضا.. وصل الى الموصل حافي القدمين بدون مأوى... فاستوطنها ودرس فيها ثم استقر في بغداد وبعد ان اجتهد في العمل اصبح من اكبر التجار، وأسس مؤسسة وشركة عالمية باسم انترناشيونال للحاصدات والجرارات.. ومن بعدها اخذ وكالة شركة مارسيدس الألمانية. وهناك أيضا عائلة سيروب كندريان، وهي من العوائل المعروفة في الموصل أيضا، وقد كانوا يعملون كمقاولين تعتمد عليهم الناس اعتمادا كبيرا. كما اشتهر في الموصل ايضا بوغوص بمحلاته في الدواسة للأدوات الاحتياطية.
وفي مجال الهندسة، كان المهندس المعماري مارديروس كافوكجيان من المهندسين المعماريين البارزين في الموصل من 1941-1946، وقد وضع المخططات الهندسية لضواحي الموصل واربيل والعمادية. كما أن له مؤلفات بالأرمنية عن أصل الأرمن. وكذلك المعماري الأرمني المعروف خاجاك ماراشليان. وبرز اسم الضابط سيروب تافيت في المجال العسكري، وتوباليان في مجال الطيران المدني. وكان هناك بعض المعلمين الارمن ومن اشهرهم البارون اردا فاوست وغدا مديرا للمدرسة وهناك البارون خاجيك والاب خورين وغيلاهم.

الشخصيات النسائية العامة
للمرأة الارمنية، شخصيتها المتميزة، وقدراتها وكفاءتها.. وتعتبر ربة بيت من الدرجة الاولى، فضلا عن حسن تربيتها لاولادها وبناتها، وحرصها على التقاليد الارمنية.. ناهيكم عن اجادتها ادارة البيت واحترامها للرجل والسهر على خدمته والمحافظة على شرفه. ان الارمنية بشكل عام تحرص حرصا شديدا على الاقتران بالرجل الارمني، اذ لا يمكنها ان تستبدله بآخرين ابدا حتى وان بقيت عازبة مدى حياتها. ان من اشهر الشخصيات النسوية الأرمنية العراقية العامة قد مثلتها بأوسع أبواب الشهرة الست سارة اسكندريان التي عرفت من قبل أهل بغداد باسم (سارة خاتون) أو (سارة الزنكينة)، وسمي حي كمب سارة في بغداد باسمها لأنها المالكة الحقيقية له. وقد كانت قصتها تراجيدية تناقلتها الأجيال في العراق، إذ ورثت عن أبيها تركة كبرى سطا عليها عمّها وهي يتيمة صغيرة، ووقعت تحت سيطرته، ثم كبرت البنت وكانت جميلة جدا، فوقع في حبها والي بغداد الشهير ناظم باشا، فرفضته رفضا باتا.. وهاجرت إلى فرنسا واقترنت هناك، ولكن حياتها بقيت مضطربة، وعادت الى بغداد وهي صاحبة ثروة كبيرة وأملاك واسعة خسرتها جميعا لانفاقاتها وتبرعاتها ووقفت مع الأرمن المهاجرين وقفة إنسانية، وعاشت بقية حياتها في عسر وضنك، ولكنها بقيت عزيزة النفس شامخة تعتز بعراقيتها حتى توفيت. وهناك السيدة ريجينة خاتون التي أوقفت عدداً من الأراضي للطائفة شيدت على إحداها دارا للمسنين، وهي المؤسسة الأهلية الأولى التابعة للطائفة، وشيدت على الثانية مدرسة ثانوية كانت قد استملكت قسراً من قبل النظام السابق عام 1974.. وهناك شخصية نسائية أرمنية أخرى في الموصل هي هايكانوش خانم والتي كانت تراعي النساء وتحتفظ بهم وترسلهم الى سوريا او لبنان طبعا بعد المخاطبات والرسائل لوجود او العثور على أخواتهم او اخوانهم في تلك البلاد فيتم ارسالهم الى هناك لكي تتجمع الاسرة مرة اخرى وتعود الحياة معهم شيئا فشيئا. وهناك نسوة اخريات من الارمنيات اللواتي ساهمن مساهمة حقيقية في رفد العراق بكل جميل على امتداد القرن العشرين.

الرياضيون الأرمن
وفي الرياضة حصل جيراير كايايان على أول بطولة لكمال الأجسام في العراق عام 1949، ومثل جورج تاجريان العراق في (3) بطولات اولمبية في رياضة الدراجات وحصل على بطولات عالمية في سباق الدراجات للمسافات الطويلة. كذلك برز اسم بطل المصارعة كريكور عجميان، والحكم الدولي في بناء الأجسام كاريكين سيمونيان، والحكم الدولي اوهانيس يسايان في المصارعة وكمال الأجسام، ولاعب كرة القدم آرا همبرتسوم اوهانيان.

إسهامات الأرمن في الصناعات المختلفة
كما أدخل الأرمن إلى بغداد صناعة الكاشي الموزاييك والحواشي المزخرفة والصناعات الموسيقية والمأكولات وصناعة العجلات (الربلات) والتصوير الفوتوغرافي. كما يمتهن الأرمن الصناعات الدقيقة والصياغة وميكانيكية السيارات وهناك شريحة من اكفأ مصلحي السيارات ومنهم الفيتر آرتين، وكان هناك العديد من الحلاقين والخياطين والطباعين والنقاشين.. ففي مجال الطباعة، اشتهر سركيس بدروسيان بمطبعته في بغداد، ولقد اشتهر الخياط طاطول بالموصل وعرفنا ابنته الآنسة اسدغيك واحدة من أكفأ السكرتيرات وأنشطهن في جامعة الموصل، اذ بقيت سكرتيرة لعميد كلية الاداب سنوات طويلة.

انتهت الحلقة الثانية وتلحق بها الحلقة الثالثة: دياسبورا شعب بلا وطن بديل
www.sayyaraljamil.com