في لحظة مفصلية يختلط فيها وجع الناس بصرخة الحق، وينهض فيها الصوت المكبوت رغم كل محاولات إسكاتِه، شهد إقليم كردستان حدثًا خطيرًا اهتزّت له القلوب قبل الأرض حين خرج أهالي قرية لاجان الهركية القريبة من مصفاة لاناز في قضاء خبات ليطالبوا بحقوق ووعود قطعها الحزب الديمقراطي الكردستاني منذ سنوات ولم يُنفّذ منها شيء. فما كان من أبناء القرية إلا أن رفعوا صوتهم في تظاهرة سلمية تعكس الغضب العميق المتراكم في صدورهم منذ عقود من التهميش والحرمان.

وما زاد النار اشتعالًا هو سقوط شهداء من المدنيين العزل واعتقال أكثر من ثلاثين شخصًا دون أي قرار قضائي، في مشهد يعيد إلى الأذهان أسوأ ممارسات الأنظمة التي كان الإقليم يهرب منها ذات يوم، فإذا بالسلطة الحالية تعيد تلك الممارسات بأشكال أشد قسوة وأقل رحمة، حتى أن أهالي قرية لاجان لم يجدوا أمامهم سوى التوجه إلى زعيمهم العشائري ومرجعيتهم الاجتماعية جوهر آغا الهركي طلبًا للحماية بعدما فقدوا ثقتهم بالمؤسسات الرسمية التي كان يفترض بها أن تكون ملاذهم الأول.

إن الحزب الديمقراطي الكردستاني يحكم الإقليم منذ عام 1991، ولكنه لم يخرج حتى اليوم من عباءة العقلية العشائرية التي تتحكم بقراراته، ولا يزال يتعامل مع أبناء الشعب بمنطق القبيلة لا بمنطق الدولة. حتى إن الرئيس التركي نفسه وصف هذه العقلية من قبل وقال إن هذا الحزب لا يمتلك الإمكانيات العقلية والفكرية لإدارة دولة قوية، وهذا ما تثبته الوقائع يومًا بعد يوم، فحين يطالب الناس بحقوقهم يُجابَهُون بالقوة، وحين يصرخون من الظلم يُتهمون بالشغب، وحين يرفعون مطالبهم يُرسَل إليهم جيشٌ من القوات الخاصة، وكأنهم خطر على الدولة لا أبناء لها.

إن ما يجري هو دليل صارخ على أن السلطة في الإقليم لم تعد ترى الشعب إلا بوصفه تابعًا لا شريكًا، وأنها تتصرف بمنطق القوة لا بمنطق الدولة، وأنها تعتبر نفسها فوق القانون وفوق المساءلة وفوق الألم الذي يعيشه مواطنوها كل يوم. لقد أصبح واضحًا أن من يحكم إقليم كردستان اليوم ليس حكومة شرعية تخدم الشعب، بل منظومة سياسية واقتصادية تتعامل مع الإقليم وكأنه ملك شخصي لها، ترتفع ثرواتها فيما يتساقط الناس في هاوية الفقر والبطالة وانعدام الأمل.

الخلاصة... يا قادة أربيل، ما جرى في قرية لاجان ليس تحريضًا من شخص أو طرف؛ هذه القرية تمثل 1 بالمئة فقط من أهالي كردستان الذين رفعوا صوتهم ليقولوا كفى ظلماً وكفى سرقة وكفى نهبًا، مطالبين بحقوقهم ورواتبهم المنهوبة. صراخهم رسالة حاسمة لكل من يظن أن السلطة ملك خاص وأن الشعب صامت. العدالة لن تُلغى، والحقوق ستُستعاد مهما طال الصمت.

ويا أبناء العشيرة الهركية، لا تيأسوا، فالسهـم حين يعود إلى الوراء لا يعود ضعفًا، بل ليعود أقوى وأسرع نحو الهدف. اتحدوا وتماسكوا، وأثبتوا على مطالبكم وكونوا صفًا واحدًا؛ المستقبل لا يصنعه الخائفون بل الشجعان، والحق الذي يُطالب به اليوم بقوة سيصبح غدًا واقعًا. وعلى من يظن أن كردستان ملك له أن يدرك أن الأرض لا تحفظ ظالمًا، وأن الشعوب لا تنسى من أهدر كرامتها. قرية لاجان ليست حادثًا عابرًا، إنها إنذار شعبي بأن مرحلة الصمت انتهت، وأن الظلم لم يعد مقبولًا، وأن أبناء كردستان ليسوا عبيدًا في مزرعة لأحد، وأنهم قادرون على قلب المعادلة في أي لحظة، كما حدث في دول كثيرة ظن حكامها أنهم خالدون فوق الكراسي فإذا بهم يسقطون بين ليلة وضحاها.