quot;ورطة القرنquot; اضغط هنا

التي تجلت في قمة العرب الأخيرة في سرت 2010، لبست في أقتراح (رابطة دول الجوار العربي) كبديل لمشروع الشرق الأوسط الكبير، وإنما في عدم التوافق حول (تسمية مناسبة) ما يحدث في الشرق الأوسط الآن، وبالتالي اقتراح صيغة بديلة للخروج من المأزق التاريخي الراهن.

ويبدو أن ما لم تقله هذه القمة (الاستثنائية) التاريخية، بعد 65 عاما من الفشل والهزائم القومية، أهم وأخطر بكثير من الصيغة المقترحة، لأنه يتعلق ndash; في تصوري - بتغيير (مركز الثقل) السياسي والعسكري في المنطقة بأكملها.

لقد أصبحنا اليوم أمام خريطة جديدة للمنطقة: شرق أوسط قديم وشرق أوسط جديد، (يفصل) و(يربط) بينها في الوقت نفسه (ويا للمفارقة !) جسر استراتيجي هو الحرب في العراق، وتوابعها المستمرة، وهو ما أسفر (لأول مرة) عن نوعين من (السيادة) الإقليمية في المنطقة: سيادة رئيسية وأخري فرعية، بينهما صراع مكتوم ومعلن لكنه شديد التعقيد والتشابك.

نظرة واحدة تكفي للتأكد من أنه لم يعد الصراع الفلسطيني (أو السوري) الإسرائيلي، هو الصراع المهيمن أو الصراع الرئيسي في المنطقة، وإنما أصبحت القوي الإقليمية والسياسية (في الخليج) منذ الحرب في العراق هي التي تهدد بوقوع مواجهات خطيرة بين إيران والمملكة العربية السعودية علي (السيادة الإقليمية الفرعية) من جهة، وبين إيران والولايات المتحدة علي (السيادة الإقليمية الرئيسية) من جهة أخري.

في ضوء ذلك يبدو أن التوصل إلي حلول ناجعة وقابلة للتطبيق لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، عن طريق المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، المعلنة والخفية، وعبر آليات خارطة الطريق والاتفاقيات الممهورة، دون مشاركة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وإيران (عبر) حزب الله وحماس، مجرد أضغاث أحلام وحشو للاستهلاك الإعلامي.

وإذا كانت القوي الاستعمارية الأوروبية قد رسمت الحدود السياسية (والثقافية) للشرق الأوسط القديم في أعقاب سقوط الإمبراطورية العثمانية عام 1918، فإن نتائج حرب الولايات المتحدة في العراق عام 2003، هي التي رسمت ملامح الشرق الأوسط الجديد، ولازالت (توابعها) تضع الرتوش الأخيرة.

وحسب quot; يوشكا فيشر quot; وزير خارجية ألمانيا الأسبق ونائب مستشارها في الفترة من 1998 إلى 2005، وزعيم حزب الخضر الألماني لما يقرب من العشرين عاماً: quot; فإن السياسة التي تبناها الرئيس جورج دبليو بوش في التعامل مع الشرق الأوسط نجحت في إنجاز شيء واحد: (زعزعة الاستقرار في المنطقة) وأصبحت دول الشرق الأوسط تحمل العديد من الأوصاف، مثل: quot; فاشلة quot;، quot; محافظة quot;، quot; مارقة quot;، quot; مخيفة quot;.

الشرق الأوسط القديم، كما يقول فيشر، تمثله: سوريا، ومصر، وتونس، والجزائر، وجزء من فلسطين، وجزء من السودان. أما الشرق الأوسط الجديد فيتضمن دبي، وقطر، والبحرين، وإسرائيل، (واليمن)، علاوة على حزب الله وحماس وجنوب السودان ـ وجزئياً، إيران والمملكة العربية السعودية. وتسعي الأردن والمغرب، إلي ربط نفسها بالشرق الأوسط الجديد.

التصنيف هنا ليس من باب المفاضلة بين القديم والجديد، وإنما من زاوية أن الصراعات في الشرق الأوسط القديم (تقليدية)، أما الصراعات في الشرق الأوسط الجديد فهي (غير تقليدية)، ناهيك عن أنها الأكثر خطورة بسبب طبيعتها وأهدافها وعالميتها.

علي سبيل المثال لا الحصر: كشفت محاولة تفجير الطائرة التي كانت متجهة إلى ديترويت في ليلة عيد الميلاد 2010، أن الشاب النيجيري تلقى تدريبه بواسطة تنظيم القاعدة في اليمن، وهو ما نبه الأذهان إلي خطورة الوضع الاستراتيجي في العالم، وليس علي المملكة العربية السعودية فقط.

اليمن هو الدولة الوحيدة في شبه الجزيرة العربية التي يمكن تمرير النفط عبرها إلى المحيط مباشرة، ودون المرور عبر أي مضيق ـ سواء مضيق هرمز أو قناة السويس. وتعريض هذا الممر للخطر يعني تعريض شريان الطاقة الذي يغذي الاقتصاد العالمي للخطر.

هذا من جهة، من جهة أخري كشفت الحروب بالوكالة في العراق، حيث تتصارع خمس دول من دول الجوار علي أراضيه، وأيضا الحرب في الجزء الجنوبي من لبنان عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، عن أمر جديد كل الجدة، فقد شاهدنا لأول مرة مفهوم جديد للحرب يتناقض مع منطق القتل التقليديrlm;، وأصبحت الكاتيوشا والمطاوي وقاطعات الورق المقوي والأحزمة الناسفة والعربات المفخخة هي الأسلحة التي تخاض بها الحروب، وليست الدبابات أو الطائرات المجهزة بدون طيار، أو التكنولوجيات العسكرية المتطورة.

المباحثات الهاتفية الأخيرة بين العاهل السعودي الملك عبدالله والرئيس الإيراني أحمدي نجاد، خطوة مهمة علي الطريق، وهي محاولة جادة (للتوافق) حول تشكيل حكومة جديدة في العراق، حيث تدعم السعودية (تخوفا من تهميش السنة) إياد علاوي العلماني الشيعي الذي يحظي بدعم الأحزاب السنية، بينما تدعم إيران ترشيح رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي.

المحافظة علي تكامل العراق الجغرافي - السياسي، بإعتباره رأس الجسر ورسمه وجسمه، بين الشرق الأوسط القديم والشرق الأوسط الجديد، يجب أن يكون الشغل الشاغل للقادة العرب اليوم، لأن تفكيك العراق بفعل المواجهات الطائفية والدينية بين الأكراد والعرب، وبين السُـنّة والشيعة، سيؤدي حتما إلى تفكيك المنطقة قاطبة، أو قل (بلقنة المنطقة)، كحد أدني !

بينما يمكن أن يصبح (النموذج العراقي الطليعي) فرصة تاريخية لتأسيس نظام إقليمي تكاملي جديد، يعكس المصالح المشروعة للقوي الإقليمية الرئيسية والفرعية، شريطة أن تتخلي بعض القوي (وأذرعها) عن طموحاتها في الهيمنة علي المنطقة برمتها.


[email protected]