كرست بضعة ايام لمؤتمر هرتسليا السنوي الذي يشكل نقطة تماس هامة بين واضعي السياسة ومختلف القطاعات الشعبية والاجتماعية والاكاديمية في اسرائيل. النقاش الذي تداولته المنتديات المتعددة تناول نواح اقتصادية، اجتماعية، سياسية وتكنولوجية امتدت على اربعة ايام في جو انيق ومرتب على الطريقة الغربية بمشاركة سفراء سابقين من عدد من الدول الغربية ورؤساء صناديق ترعى شؤونا سلمية في المنطقة. لكن الاهم من ذلك هو الفرصة التي يتيحها المؤتمر للتواصل بين مختلف القطاعات من خلال اللقاءات الجانبية. تم بث الندوات على موقع مركز الابحاث في هرتسليا كما تابعها حوالي 5000 شريك في فيسبوك كما بثت بثا مباشرا من خلال موقع المؤتمر.

كنت خلال هذه الايام وكأنني في سفينة شراعية وسط اليم، تتخبط بها الامواج، فترمي بها تارة الى اليمين وتارة الى اليسار. اترنح بين التفاؤل والتشاؤم من منتدى الى آخر. واستقر بي المطاف على الصورة المشجعة التي تعكسها الثورة التكنولوجية بما تحمله من مؤشرات ايجابية لدعم ثقافة السلام بين شعوب المنطقة. التواصل عن طريق الشبكات الاجتماعية وفقا لدراسات تم استعراضها في المؤتمر بات الاكثر تأثيرا في صياغة تصورنا للواقع. هذه التقنيات الجديدة مثل الفيسبوك الذي يستخدمه 450 مليون شخص، الايميل، سكايب،يوتيوب، ليكندين، تشات، وتويتر باتت قنوات تسويق بالغة الاهمية حيث ان الاغلبية الساحقة تعمتد على اراء الاصدقاء في اتخاذ القرارات مقابل 14% تتأثر بالدعاية لدى اقدامها على شراء سلعة. ولاشك ان هذه المعطيات لها انعكاسات علىتداول المضامين وسوق الافكاروالاجتهاد الثقافي والسياسي والاجتماعي. نجحت القنوات الجديدة في توليد اطر جديدة لم تكن متوفرة في السابق، يتم خلالها التواصل بصورة مباشرة حتى بين شعوب المنطقة التي لا تقيم علاقات دبلوماسية. ولاشك ان موقع ايلاف كان سباقا في هذا التوجه حيث خلق اسرة خاصة به منتشرة في جميع ارجاء العالم تعكس سوقا حرة للآراء وقدرا كبيرا من الليبرالية.

ان الثورة التكنولوجية اصبحت كاسحة للقوانين الحكومية وعابرة للحدود الجغرافية والحظر الرسمي المفروض على حرية الفكر داخل دول المنطقة والتعامل بين اسرائيل واغلبية الدول العربية ولذلك لم استغرب ان دعاية جديدة قامت بها مجندة اسرائيلية لآي بود حظيت خلال ايام معدودة على تنزيل فاق نصف المليون، معظم المهتمين كانوا من السعودية. وشهدت الآونة الاخيرة بضع محاولات حكومية في ايران وليبيا للتدخل في تدفق المعلومات عبر عدد من قنوات الايميل. لكن السؤال اذا كان بمقدور هذه الدول الوقوف بوجه تيار التكنولوجيا الذي تعتمد عليه مختلف القطاعات الحياتية؟
تشق طريقها الى الايميل عموما، مقالات عربية جريئة،لا تنشر في الدول العربية، يتداولها الاصدقاء في كافة انحاء العالم على سبيل المثال يمكن متابعة تصريحات وفاء سلطان على شاشات التلفزيون من خلال يوتيوب حيث اعتبرت الصراع القائم بين الاسلام المتطرف والعالم المتمدن بمثابة صراع بين النور والظلام. وشاهدت مؤخرا مقابلة مع الدكتور رشيد الخيون على اليوتيوب يتحدث فيها عن دور حاج امين الحسيني في تأجيج بصيص الفتنة في العراق الذي انتهى بالفرهود عام 1941 وكان سببا رئيسيا في تهجير اليهود العراقيين. هذا التصريح يحجم الادعاء بأن الصهيونية هي التي دفعت بيهود العراق الى احضان اسرائيل. كما وصلني مؤخرا نص الخطاب الذي القاه ربال الاسد ndash;السوري- مدير محطة اي ان ان في معهد ليغاتوم لدعم الحريات الاقتصادية والسياسية، روى فيه كيف انه اضطر الى تغيير الستلايت بسبب الاجراءات التي اتخذتها سوريا لوقف التقاط البث. ا.ضف الى ذلك النكات السياسية ومقالات النقد وسوق وافرة من الافكار بات لها بلوغ ومواقع على الانترنت يمكن لكل راغب ان يقرأ منها ما شاء.

ووفقا للتقديرات، تصل نسبة شيوع الانترنت في الدول العربية الى 20% حاليا، بمعنى عشرات الملايين وهذه النسبة في ارتفاع مستمر، سيما وان الدول المطورة لهذه التقنيات لها مصلحة اقتصادية في ترويجها في العالم وايجاد المزيد من المستهلكين لها، فهذا الاتجاه ماض قدما بدون خط رجعة.

ان قنوات الاتصال الجديدة،على الرغم من مساوئها، ستسبب في اضعاف صوت الدعاية المبرمجة للقنوات الحكومية وتفتح الباب على مصراعيه للحوار بين الشعوب وتبادل الاراء دون اي اعتبار للحدود الجغرافية وتزيد من فرص التحرر من التفكير الجامد وفقا لقوالب لا تقبل ان تتزحزح وتشجع ثقافة السلام بسبب الحوار المباشربين مخلوقات حية تتطلع الى غد افضل. هذا الحوار من شأنه ان يساعد في ازالة الحواجز النفسية والاراء المسبقة والتعامل على اساس فردي بعيدا عن التعميم، اذ ان كل انسان عالم بحد ذاته ولا شك ان انتشار التكنولجيا في الدول العربية سيساهم ايضا في خلق مجتمعات ذات ثقافة عالمية مشتركة مما يؤدي الى فتح باب التواصل بينها وبين مجتمعات اخرى بعيدة وقريبة على حد سواء. وفي لقاء مع جريدة الشرق الاوسط quot; اكد علماء الازهر ان التعايش بين الشعوب هو فرض يقره الشرع والدين فضلا عن انه ضرورة حياتيةquot;. ان غدا لناظره قريب.

محررة شؤون الشرق الاوسط والشؤون الخارجية في التلفزيون الاسرائيلي سابقا