أعلنت هيلاري كلينتون، مستبشرة، بأن الصين قد وافقت على quot;الانخراط في بحث العقوبات على إيرانquot;: إذن، فهي الموافقة على quot;بحثquot; وquot;تقديم مقترحاتquot;- كما تقول. ومع هذه التصريحات، تأتي تصريحات المفاوض النووي الإيراني الرئيسي من بكين قائلة quot; إن الجانبين اتفقا على أن العقوبات فقدت مفعولهاquot;!
التصريحات الأميركية عن موضوع العقوبات باتت تتغير من وقت لآخر. فسابقا كان الحديث عن عقوبات quot;تصيب بالشللquot; الحرس الثوري المهيمن على الاقتصاد الإيراني. ثم راح الحديث عن عقوبات quot;مؤلمةquot;؟ وما معنى quot;الإيلام؟quot; هل يعني تلك العقوبات quot;ذات الأسنانquot;؟ أم مجرد عقوبات رمزية لا تردع ولا تضرب في الصميم؟ ومع كل المحاولات والاتصالات الأميركية مع بكين، وما أسفرت عنه من quot;بشارةquot; هيلاري، ترى إلى أي مدى تريد الصين في السير مع المجتمع الدولي حول العقوبات؟؟ مع سؤال مشروع: وهل صارت العقوبات تجدي بينما تحولت إيران فعلا لدولة نووية، أي قادرة على تصنيع القنبلة متى شاءت، وفي حين لم يعد أحد يذكر احتمال استعمال القوة كالحل الأخير والمحتم؟؟!!
إن الصين اليوم هي ذلك التنين الأصفر، الذي راح يطوق القارات، ويكتسحها في كل المجالات: سكانيا،وتجاريا، ودبلوماسيا. وأفريقيا الآن هي المثال االأبرز لهذا الزحف الأصفر، إن كانت أفريقيا السوداء أو الشمال المغاربي. والزحف الصيني نشهده حتى في قلب أوروبا، ومنها فرنسا بالذات. ومن الأمثلة، أنه في هذه المنطقة من باريس، التي أسكنها منذ عشر سنوات، وحيث تقوم المجمعات السكنية التابعة لبلدية باريس، لم تكن عندما حللت أية عائلة صينية في هذه المجمعات. أما اليوم، فيكاد ثلث السكان أن يكونوا من اللون الأصفر. وإذا سرنا عدة كيلومترات أبعد، فسوف نقع على منطقة تكاد أن تكون صينية برمتها، سكانا ومطاعم ومخازن، صغيرة أو كبيرة.
ومنذ عشر سنوات، لم أشاهد في مناطق باريس الأخرى، التي كنت أسكن فيها، وهي عديدة، أي صيني. أما اليوم، فتواجه الصينيين أينما سرت، وترى الكثير من مطاعم أمس ومقاهيها ومخازنها في أيدي صينيين. وقد زحف اللون الأصفر حتى للضواحي، التي كانت ذات كثافة سوداء وعربية مغاربية، وأعداد الصفر هناك في ازدياد.
أما الجامعات الفرنسية، فقد شهدت هي الأخرى كثافة طلابية صينية متزايدة خلال العقد الأخير. وقبل عامين، انفجرت فضيحة كبرى في جامعة فرنسية، فقد تبين أن الطلبة الصينيين في المعاهد الفنية يشترون الشهادات بمبالغ ما بين 3000 يورو و5000 يورو، ثم يعودون لبلادهم مزودين بالشهادات الجامعية الفرنسية. كما يشترك الصينيون في زيادة أعداد المهاجرين غير الشرعيين في أوروبا. وآخر ما تم اكتشافه شبكة كردية لتهجير أكراد عراقيين لبلدان quot;الشنغ بينquot; للوصول إلى بريطانيا. وتبين للبوليس الفرنسي أن من زبائن الشبكة صينيين أيضا رغم أن مقر الشبكة في إقليم كردستان العراقية! وفي فرنسا مزحة تقول إن الصيني في فرنسا لا يموت، قاصدين كثرة صناعة تزوير وتبديل الجوازات والوثائق الرسمية، بما فيها وثائق التأمين الصحي نظرا لتشابه الوجوه.
إن كل هذه المعلومات ليست نتاج عنصرية ضد اللون الأصفر، ولكنها حقائق موثقة لابد من ذكرها حتى ولو غضب الكثيرون في العالم العربي، ممن يدقون أبواق الفرح لصعود أية قوة دولية يعتبرونها مزاحمة لما يصورونه من quot;هيمنة أميركيةquot;. وهذا من ضمن ثوابت العقلية السياسية العربية السائدة حتى بوجود أوباما، الذي يواصلون التهليل له، بل، إن سياسته الخارجية نفسها تساهم في إضعاف الدور الأميركي دوليا لتكون فرحة المستبشرين عارمة وعامة!!
أما بصدد العلاقة الصينية مع إيران، فالملاحظ أنها لم تكن بهذه المتانة والكثافة قبيل سقوط صدام، وحيث كانت الصين تتفاوض مع الحكومة العراقية عهد ذاك حول عقود بترولية لتزويدها بنسبة 13 بالمائة من حاجتها للبترول. وقد توقفت المفاوضات مع سقوط صدام، فاتجهت الصين نحو إيران، لا بتروليا وحسب، بل، وكذلك غازيا وتجاريا- كما سيرد.
إن الاقتصاد الصيني في نمو مدهش، وتبلغ نسبة النمو الاقتصادي الصيني، بحسب إحصاءات ومعلومات صحيفة quot; الفيجاروquot; الفرنسية، 12 بالمائة، وهي أعلى نسبة في العالم. وتقول الصحيفة إن المنشآت الصينية كانت تعطي رواتب منخفضة للعمال، لتعود اليوم إلى زيادتها، لترتفع القوة الشرائية وليساهم ذلك في الانتعاش والنمو الاقتصاديين.
ولابد هنا من ذكر أن كثرة من المنتجات الصينية تعاني من الغش المتعدد الأشكال: كالزحف على الماركات الدولية بلا احترام لحقوق الاختراع، واستخدام الحيوانات الأليفة في بعض الصناعات الجلدية، كالأحذية والحقائب. وهذا غش تمارسه المطاعم الصينية أيضا، حتى في قلب أوروبا، وأعني ذبح القطط والكلاب، وتقديمها لحوما في الوجبات بعد تمويه طبيعتها. كما لا ننسى واقعة حليب الأطفال الفاسد، وقد اكتشفت الحكومة الصينية تلك الفضيحة خلال الألعاب الأولمبية، ولكنها لم تعلن عنها لكيلا يؤثر ذلك على رصيدها الدولي [البرستيجquot;!!، برغم ما كان ستر الفضيحة يعنيه من مخاطر على أطفال العالم.
الصين دولة كبرى، ولها حضارة عريقة، ولابد من إقامة أفضل العلاقات العربية والدولية معها. ولكن مشكلة الصين أنها لا تزال دولة الاستبداد السياسي والقمع، ووضع حقوق الإنسان فيها وضع مروّع، كحاله في إيران. والصين لا تهمها غير مصالحها التجارية حصرا، ولا مانع لديها من دعم أكثر الأنظمة ظلامية ودموية، كإيران والسودان وبورما وغينيا، مثلا. صحيح أن الدول الديمقراطية الغربية أيضا تنطلق، هي الأخرى، من مصالحها التجارية والإستراتيجية، ولكنها أنظمة ديمقراطية، لها برلمانات ومؤسسات رأي عام وصحافة حرة تحاسب الحكومات وتراقبها.