الخبر المفترض حول اعتزام السلطات الجزائرية فرض قرار خلع الخمار وحلق اللحية في صور جواز السفر البيومتري وبطاقة الهوية الجديدة انتشر بسرعة الضوء في وسائل الإعلام المحلية والعربية وفي المنتديات. وأصبح مادة دسمة لبعض الفضائيات التي فتحت خطوط الهاتف أمام المشاهدين لانتقاد القرار الذي وصفوه بالهادم لقيم المجتمع الجزائري والإسلامي. حتى أن هناك من هدد بإعلان الحرب على الحكومة الجزائرية في حال عدم رضوخها للمطالب (الشعبية) المنادية بالعدول عن تطبيق القرار. (قناة المستقلة، البرنامج حول قرار وزير الداخلية الجزائري، الاثنين 5 أبريل 2010).

اتصل بالبرنامج اثنا عشر متدخلا ومتدخلة من الجزائر وأوروبا وكان جميعهم ضد تطبيق القرار مُذكّرين بالثورة الجزائرية التي قامت على المبادئ الإسلامية وعن شرف المجاهدات الجزائريات اللائي أخرجن فرنسا من الجزائر لتعود من النافذة عبر عملائها -في إشارة إلى ما يسمى بحزب فرنسا في الجزائر-.

أمام هذا السيل العارم من المكالمات التي تغلبت فيها العاطفة على التحليل والمنطق لم تكن مداخلة نائب عن البرلمان الجزائري موفقة بل زادت من صب الزيت على النار حين فنّد اعتزام الحكومة تطبيق مثل هذا القرار وقال إن الخبر حوّرته مصادر إعلامية محلية.

معالجة هذا الموضوع في تقديري تتطلب التعريج على بعض النقاط التي أراها مهمة وطرح بعض الأسئلة الموضوعية لكشف مكمن الخلل وإزالة بعض التصورات الخاطئة التي أخذتها الأجيال الجديدة على أنها مُسلّمات. من بين هذه الأسئلة:

(1)

هل دعت وزارة الداخلية الجزائرية فعلا إلى خلع الحجاب وحلق اللحية، أم أن ناقلي تصريحات وزير الداخلية تعمدوا إثارة هذه الضجة؟ وهل كلف الصحافيون أنفسهم عناء الاتصال بمصادر رسمية أو مواطنين جزائريين لاستفسارهم إن كانوا قد خاضوا هذه التجربة؟

هل زيّ (الخمار) قيمة اجتماعية متأصلة في المجتمع الجزائري أم أنه مظهر جديد من مظاهر التديّن فرضتْه الحركات الإسلاموية عنوة على المجتمع؟ هل كانت المجاهدات الجزائريات أمثال جميلة بوحيرد وحسيبة بن بوعلي محجبات؟

وهل كانت رمز المقاومة النسوية في الجزائر لالافاطمة نسومر 1830-1863محجبة؟ فبالرغم من أن والدها شيخ زاوية وتربت في بيئة محافظة إلا أن صورها تبرز خصلات من شعرها ويُزين الذهب عنقها!

وهل كان كبار الثوار أمثال كريم بلقاسم وعبان رمضان وسي الحواس ومفدي زكرياء و محمد بوضياف و محمد خيدر وحسين آيت أحمد وغيرهم كثيرون، هل كانوا رجالا مُلتحين؟

أين هذه القيم الاجتماعية التي دافع عنها المتدخلون إذا؟ ربما كانوا يتحدثون عن الشيوخ أمثال عبد الحميد ابن باديس ومحمد العيد آل خليفة والبشير الإبراهيمي والعربي التبسي؟

وللتاريخ، فهؤلاء الشيوخ كانوا ضد إعلان الثورة المسلحة في الفاتح من نوفمبر 1954، وهذا ما اضطر الثوار إلى: إما سجنهم أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية. ولكي أكون أكثر وضوحا، هؤلاء الشيوخ كانوا ينشطون في حركة الإصلاح التربوي والاجتماعي الديني تحت مسمى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ولم يكونوا ضد قيام الثورة المسلحة كفكرة وإنما اعتبروا حينها بأن الفكرة لم تنضج بعدُ ولا بُد من الاعتماد على العمل السياسي والتنظيم الاجتماعي قبل الدخول في مواجهة مسلحة مع فرنسا، وكانت هذه طريقة نضالهم ضد المستعمر.

(2)

لأطمْئن الجميع، إن أغلب الحكومات والأنظمة الشمولية في الدول المتخلفة وخصوصا في الدول العربية والإسلامية لا تتجرأ على اتخاذ قرارت غير شعبية لأنها وإن فعلت ذلك فإنها ستضع عروشها على كف عفريت كما يُقال. وإنّ جميع هذه الأنظمة الفاقدة للشرعية الشعبية متحالف مع الحركات الدينية والأحزاب الشعبوية فهي تدرك بأن الثمن سيكون باهظا إن سبحت عكس التيار. وإذا استعملنا لغة المنطق، ومن دون حتى أن نستمع إلى تصريحات وزير الداخلية الجزائري فإن القرار الجديد يدعو الجزائريين إلى تهذيب اللحية ( كما فعل وزير الدولة أبوجرة سلطاني عندما استلم أول وظيفة حكومية) وليس إلى حلقها، كما دعا المحجبات إلى إظهار الأذنين والجبهة ومنطقة العنق عند أخذ الصور الشمسية. وهذه الإجراءات تتعامل بها كل السفارات الغربية في الدول الإسلامية وتُطبقها على الملتحين والمحجبات لاستصدار التأشيرات وهو ماقَبلَه الملتحون والمحجبات منذ سنوات.

من البديهي أن يكون الهاجس الأمني للدول الغربية السبب الرئيس وراء فرض اتخاذ هذه القرارت لأن تطويل اللحى من شأنه أن يحجب تشوهات وعلامات فارقة قد تبدو على العنق، كما أن الخمار يحجب تشوهات قد تظهر على الأذنين وعلى أعلى الجبهة وهذه العلامات الفارقة هي التي تميّز الأشخاص ويمكن اكتشافها عن بعد عن طريق أجهزة المراقبة والكاميرات في المطارات والموانئ ثم يأتي دور البصمات في تحديد هوية المشتبه بهم من غيرهم.

بلغة المنطق دائما فالنظام الجزائري الذي يتخذ قرارات شعبوية مثل بناء أعظم مسجد في العالم (2مليار يورو) وإطلاق قناة للقرآن الكريم، ووقف البرامج الحية ونشرات الأخبار لبث الآذان في التلفزيون، وملاحقة المراهقين والمراهقات في الحدائق العامة وسجنهم أو تغريمهم بتهمة الإخلال بالآداب العامة، والاهتمام المتزايد بشيوخ الزوايا، ومنع الكتب الفكرية الجادة وإغراق السوق بالكتب الدينية التجارية وووو. هذا النظام ليس له القدرة على الوقوف ضد التيار السائد.

وبلغة السياسة يقول النظام لأفراد الشعب: انشغلوا بفتاوى الخمار والحجاب وإطلاق اللحى ومحاربة البنوك الربوية، وافعلوا ماتشاؤون، لكن لا تطالبوا لا بحرية التعبير ولا بوقف حال الطوارئ المفروضة عليكم ولا تسائلوا الحكومة عن صفقات الفساد ولا تطالبوا بتحسين التعليم ولا بمواجهة الأمية والفقر وانتشار الجريمة.

(3)

الخمار ليس قيمة اجتماعية جزائرية، لماذا؟ لأن الجزائريات ومنذ قرون يرتدين نوعين من الحجاب :

- الحايَكْ، وهو رداء أبيض يغطي المرأة أو البنت البالغة من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين مع السماح للمرأة بإظهار إحدى عينيها. أو بإظهار العينين مع تغطية منطقة الأنف والفم بقطعة قماش تسمى (لَعْجارْ)

- لَمْلاية: وهي نفس طريقة الحايك في التحجب إلا أنها تتميز باللون الأسود وينتشر هذا النوع في مدن الشمال الشرقي خصوصا في مدينتي قسنطينة وسطيف، وقد ظهر في الجزائر بعد الغزو الفاطمي لشمال إفريقيا.

من هنا فلم نتمكن من إحصاء مجاهدة جزائرية واحدة كانت تضع الخمار على رأسها لأن عادة ارتداء الخمار غزت الجزائر في بداية الثمانينات أي في عهد الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد حينما بدأ يحارب الشيوعيين بإطلاق العنان للحركات الإسلاموية التي قادها السلفيون والإخوان على غرار ما فعله السادات في مصر. إذ فتح لهم المنابر في المجالس والمعاهد والجامعات (خصوصا جامعة الأمير عبد القادر-قسنطينة والجامعة المركزية- الجزائر) ومن هناك ظهرت ملامح التّديّن في الجزائر ndash;ولم تظهر أخلاق الدين السماوي الروحي- فانتشرت ظواهر مثل تطويل اللحى وارتداء الخمار على الطريقة الإخوانية وارتداء الجلباب على الطريقة السلفية ومن ثم بدأ عمل أولى خلايا الجماعات التكفيرية المسلحة في السر.

(4)

أما عن المجاهدين، فالثوار الجزائريون كانت أمامهم قضية تحرير وطن ولم ينزلوا إلى مستوى الشكل والمظاهر وكان هؤلاء يؤمنون بالجزائر الدولة الحرة التي تستوعب كل مواطنيها من مسلمين ومسيحيين ويهود و بقايا المهاجرين من الأندلس والدليل عل هذا الكلام هو مشاركة الكثير من المثقفين الغربيين في دعم وإسناد الثورة والذين يطلق عليهم (حاملي الحقائب) الذين ساعدوا في تمرير الوثائق والأموال لصالح الثورة وعلى رأسهم الفرنسي فرانسيس جونسون، والصحافي السويسري شارل هنري فافرو، والناشر السويدي نيلس أندرسن. وكان الرئيس الراحل هواري بومدين قد عين جزائريا مسيحيا في منصب وزير المالية وهو الوزير اسماعيل محروق وكان لا يقل إخلاصا للدولة الجزائرية عن المسؤولين المسلمين.

(5)

في الوقت الذي تواجه الساحة السياسية في الجزائر فراغا رهيبا ويواجه المجتمع كل أنواع التخلف والفقر والجهل وينخر اقتصاد دولته فساد رهيب، يتجند البعض في وسائل الإعلام المحلية لنشر أخبار وتناول مسائل من شأنها أن تزيد المتلقي إغراقا في الجهل، وبُعدا عن قضاياه المصيرية الملحة. فالحديث عن الحجاب والخمار سبقه نقاش مزمن عن مسألة طلب الاعتذار من فرنسا حول جرائمها الاستعمارية وأخبار أخرى عن هوية بعض المجاهدين المزورة وهكذا فالأجيال الجديدة كُتب لها في أن تجادل في الماضي وتعيش من أجل الماضي ولن يكون همها سوى الماضي، والوتر الحساس لإشعال الغرائز والعواطف هو اللعب على الثوابت والمقدسات والمسلمات ونحن كلنا خشية بأن يتم استدعاؤنا يوما ما لإعادة الختان مرة ثانية بحجة أن الختان الأول حدث في عصر الجاهلية!