كل من يعرفنى من قريب أو من بعيد يعرف رأيى فى الحجاب، وأنه ليس من الدين فى شئ، ولقد نشأت فى بيت أزهرى ولم يطلب والدى من شقيقاتى أن يلبسن الحجاب ولكنه كان يحرص على الزى المهذب، وأعرف يقينا من قراءة التاريخ الإسلامى أن الحجاب كان عادة قبل الإسلام للتمييز بين الحرائر والجوارى، ولكنه بقدرة قادر أصبح فى الربع الأخير من القرن العشرين وكانه الزى الرسمى للمرأة المسلمة فى كافة أرجاء المعمورة، وأذكر أن زوجتى كانت تتلقى مكالمة من صديقة لها فى الولاية التى نقيم بها فى أمريكا وتقول لها: quot;فلانة ربنا هداها وتحجبت ... عقبالكquot; وترد زوجتى: quot;أنا ربنا هدينى والحمد لله ومش محتاجة الحجاب للهدايةquot;! وأعتقد أن هدى شعراوى تتقلب فى قبرها الآن وهى ترى حفيداتها يلبسن ليس فقط الحجاب ولكن أيضا النقاب وهو آخر صيحات الموضة المتأسلمة، وهى عبارة عن شعار سياسى وعادة قبلية ليس إلا.

أذكر أن خطيبتى السابقة فى بداية إنتشار موضة الحجاب جاءت تقول لى أنها تريد أن تتحجب، فقلت لها: إن الحجاب لن يغطى شعرك فقط ولكنه سوف يغطى جزءا كبيرا من عقلك لأن معظم عقلك يقع تحت شعرك، وأنا أعرف بأن الحجاب مسألة شخصية ولكن لو كنت مصممة على الحجاب عليك أن تبحثى عن خطيب آخر! فردت بإستغراب: ولكنك تقول إن الحجاب مسألة حرية شخصية؟ فقلت: صحيح ... ولكنى أيضا حر فى الإرتباط بزوجة غير محجبة. المهم إنتهت خطوبتنا لسبب آخر غير الحجاب!!

لو قال لى أى شخص عاقل من 25 سنة أن فرنسا بلد الحرية سوف تسعى لسن قانون ضد إرتداء النقاب لقلت له: ضرورى تغير الصنف، إنت جرى فى مخك حاجة؟ إيه يوصل النقاب لباريس عاصمة النور؟ وإيه النقاب ده أساسا؟؟

وأنا أعتقد بأن إنتشار النقاب والحجاب بهذا الشكل ووصف أحد المشايخ علنا بأن النساء اللاتى لا يلبسن الحجاب ما هن إلا quot;عاهراتquot; !! كل هذا يمثل هزيمة ساحقة للأحرار وللحرية والليبرالية فى كل مكان ويهدف فى النهاية إلى وأد المجتمع وتعميق التخلف، وسوف ننتقل من الحجاب إلى النقاب إلى عدم خروج المرأة من بيتها إلا إلى بيت زوجها او إلى القبر، وينتهى الأمر إلى وأد المرأة تماما (عشان نستريح منها ومن كل المشاكل إللى بتيجى من وراها).

وتمشى الآن فى القاهرة وتقارن بين قاهرة النصف الأول من القرن العشرين وقاهرة القرن الواحد والعشرين؟ هل كل النساء الغير محجبات اللاتى نراهن فى تسجيلات حفلات أم كلثوم هن من العاهرات؟ هل زوجات العديد من رؤساء وزعماء العالم الإسلامى الغير محجبات يعتبرن من العاهرات حسب تصنيف الشيخ المبجل؟

كنت فى زيارة مؤخرا للقاهرة عاصمتى والتى أحبها بمقدار كراهيتى لها! وهالنى بداية إنتشار النقاب فى كل مكان حتى فى أرقى الأندية الرياضية والتى كانت مكان الموضة والتقاليع فى مصر، وذكرنى هذا ببداية إنتشار الحجاب فى أواخر السبعينيات، فهل ياترى سوف نرى بعد ربع قرن من الزمان كل نساء القاهرة وقد لبسن النقاب حتى لا يصنفن فى خانة العاهرات؟ لا أدرى ربما!! أرجو ألا أعيش لكى أرى هذا اليوم الذى سوف يعيد أيام المماليك والجوارى إلى مصر.

ما علينا، فى زيارتى الأخيرة شاهدتها تعبر كوبرى قصر النيل وكنت أستمتع بالسير على الكوبرى والتمتع بمنظر النيل الذى مازال هناك فى مكانه يعبر تلك البقعة من القاهرة والتى مازلت أحبها، وكانت تسرع الخطى وشعرها كان :quot;على الخدود يهفف ويرجع يطيرquot; وكانت تتلقى نظرات الإعجاب والجوع الجنسى من مراهقى القاهرة والذين ينتشرون فى كل مكان، ونظرات الحسد من بنات القاهرة المحجبات واللاتى لا يملكن جرأتها فى نزع الحجاب، وأسرعت الخطى لكى أقترب منها، ودار بيننا الحوار التالى:
- لو سمحتى ممكن أتكلم معاكى شوية؟
(نظرت إلى بإمتعاض من تحت لفوق، ولم ترد وأسرعت الخطى أكثر، ولم يبد عليها أى خوف أو رهبة)
- أنا مش بأعاكس والله، لكنى عاوز آخد معاكى حديث صحفى.
- أهو كل الرجالة بتعاكس
- يابنتى إنت تقريبا فى سن بنتى الكبيرة
- أهو الرجالة الكبار زيك هم أكتر ناس بيعاكسوا
- والشباب ليه مش بيعاكسوا؟
- بيعاكسوا برضه لكن العواجيز بيعاكسوا أكتر.
- أنا والله كنت أتمنى أكون أصغر من كده بعشرين سنة عشان أقدر أعاكسك براحتى!
(وإبتسمت لأول مرة وأحمرت وجنتاها)
- إيه رأيك نقعد فى كازينو النيل عشان آخد معاكى حديث بسرعة
- بس مش حأقدر أتأخر عشان رايحة النادى وعندى تدريب تنس
- خلاص أوعدك
(وجلسنا فى الدور العلوى فى كازينو النيل حيث كانت شمس الربيع فى طريقها إلى الإختفاء)
- إنت عارفة إن الكازينو ده لى فيه أجمل ذكريات حياتى
- إيه ذكريات غرامية؟
- لأ .. ذكريات أجمل من الذكريات الغرامية... كنا كل يوم جمعة نيجى نقعد هنا مع الإستاذ نجيب محفوظ فى ندوة أدبية
- يانهار أبيض إنت من جيل نجيب محفوظ؟ مش باين عليك!!
- لأ أنا كنت بأعتبره والدى الروحى، وهو كان بيعتبرنى زى إبنه.
- طيب هات من الآخر .. كنت عاوزنى فى إيه؟
- أنا لاحظت إنك البنت الوحيدة إللى شفتها غير محجبة فى القاهرة النهاردة
- طيب إيه يعنى؟
- يعنى كنت عاوز أعرف أولا: إنت ليه مش محجبة؟ وثانيا: إيه المضايقات إللى بتتعرضى ليها نتيجة عدم تحجبك؟
- أولا: الحجاب مالوش علاقة بالدين، وأى حد يعرف يقرى ويكتب ممكن يقرى فى تاريخ الحجاب، وإن الأزياء بصفة عامة هى تقاليد ولها علاقة بالجغرافيا والتاريخ أكثر من أى شئ آخر، ثانيا: طبعا المضايقات كثير، وأنا كثير من صاحباتى لبسوا الحجاب عشان يتخلصوا من المضايقات، لدرجة فيه ناس فى الشارع وفى المترو بيهددونى أنهم يرشوا على وشى مية نار، وناس بيقولوا لى ياكافرة وحتخشى النار!!
- طيب مش الحجاب أصبح رمز العفة وبيخلى الشباب يغضوا البصر؟
(ضحكت ضحكة عالية)
- بأمارة إيه بقى؟ إنت مش بتسمع عن التحرش الجنسى ضد المحجبات والمنقبات؟ هل كان فيه تحرش جنسى على أيامكم؟ وللا ... جرائم الإغتصاب الفظيعة؟ طيب كان المفروض إن الحجاب والنقاب يحدوا من الجرائم دى، لكن الإحصائات قدامنا الجرائم دى فى زيادة مستمرة.
- لأ الحقيقة كان فيه بس ماكانش التحرش الجنسى ظاهرة لدرجة إن الحكومة بتفكر تعمل له قانون مخصوص
- أهو ده إللى همه شاطرين فيه، القوانين موجودة بس المهم تطبيقها، والأهم من كده هو الوصول إلى أصل المشكلة
- وإيه فى رأيك أصل المشكلة؟
- المشكلة فى الكبت الجنسى، كل مازاد الكبت الجنسى كل مازاد التوتر والتحرش الجنسى، والشباب يزيد تركيزه فى التفكيرالجنسى، جزء منهم يحاول الهروب للتدين المبالغ فيه أو للمخدرات والتحرش الجنسى بأى أنثى حتى لو كانت معزة!! إنت عارف طبعا إن أكثر الناس إللى بيشوفوا مواقع الجنس الإباحية فى الإنترنت همه الأخوة العرب فى أكثر بلدان العالم تشددا وكبتا!!
- تفسير جميل وأكبر من سنك!
- أصل أن إتربيت فى هولندا من صغرى، إنت عمرك سافرت برة؟
- أنا عايش فى أمريكا؟
- إنت عمرك شفت تحرش جنسى منتشر فى أمريكا زى ما هو منتشر هنا؟
- بالطبع لأ؟
- جالك كلامى، لما بأشوف الأفلام المصرية القديمة واشوف البنات والستات كانوا بيلبسوا لبس عادى، ومامتى عمرها ما إشتكت من موضوع التحرش الجنسى ده إنت بأعانى منه كل يوم.
- طيب إيه الحل فى رأيك؟
- أنا ما عنديش حل، وأنا أتأخرت قوى عن ميعاد التدريب فى النادى.
- أنا متشكر لوقتك، أنا ما عرفتش أسمك إيه؟
- إيزيس ميخائيل!!
[email protected]