ظاهرة اصبحت مألوفة للجماير العربية والضمير العام عند الناس في الشرق الاوسط، ما ان يستلم (الاسلاميون / الدينيون) الحكم أو مجرد أن يدخلوا في الحكم حتى يتحولوا إلى مافيات اقتصادية مرعبة، وامبراطوريات جسدية مفزعة، ومؤسسات لحياكة المؤامرات الخاصة والعامة وبالمستوى الذي يتحسر عليه الشيطان بكل احابيله وحيله ومكره وخداعه!
ظاهرة راحت تُقلق الضمير العربي والإسلامي لعدة اعتبارات، منها أن الدين يخلق الذات السوية والضمير الحي فما الذي يحصل إذن؟ وما فائدة الاستثناء فيما وجد من اخلص وبذل جهدا جيدا ومحمودا في خدمة الناس، في سياق عمله الحكومي فيما اذا كان وزيرا أو مديرا عاما او موظفا كبيرا حيث الاصل العموم وليس الاستثناء في هذه الحالة؟ ومنها أن المتدين خاصة الحزبي من ابرز طلائع الامة، وانه ذلك الانسان الذي يعطي ولا يفكر في الاخذ، وطالما كنا نسمع من اسلاميين حزبيين قوله (ان الدعاة نماذج طلائعية في الامة)، وان المتدين (يبذل كل ما عنده في سبيل الله ولله وفي الله)، ومن هذه الشعارات الكثير والكثير.
كنت قد كتبت مرة سبع مقا لات بعنوان (الدين والمتدينون) في موقع ايلاف، طرحت فيها بعض تصوراتي الانطباعية عن هؤلاء (الدينيين)، وقد استقيت تلك الافكار من الحس المباشر، ولا انسى الحملة الشرسة التي شنها عليّ بعض المتدينين على المقالات، وكان احدهم قد كتب في حينه (سوف ترى كيف يحول الدينيون هؤلاء العراق الى جنة الخلد لانهم مؤمنون بالله يا حضرة الكاتب، ولا نهم صنيعة حزب اسلامي من بركات الشهيد السعيد محمد باقر الصدر...)، ولم اجبه، ولكني كثيرا ما اتذكر هذه التعليقة واتساءل، ترى هل ما زال هذا الاخ المعلِّق على رأيه هذا؟
ليس المقصود هنا حزبا بعينه، بل المقصود حالة عامة، ومن آثا رها للاسف الشديد ان بدأت التعليقات والنكات تتسابق على السنة الناس، نكاية باهل الدين عموما، بل بالدين ذاته، خاصة النكات التي تكثر فيها عبارة (اليد ا لتي تتوضا لا تسرق)، وهي العبارة التي اطقها احد (الاتقياء) المسؤولين عن اعادة صياغة العقل العراقي، بل هو اعاد هذه الصياغة في تصريح له قبل ايام!!!!!!
نعود لجذر المشكلة، ونتساءل بكل براءة، لماذا هذا التهالك الكثيف والكسيف في آن واحد من قبل الاسلاميين على الدنيا بعد أن يستلموا السلطة، أو يشاركوا بها، بحيث تتبخر تلك الهالة المقدسة التي كانوا يحيطون بها أنفسهم، والتي يسنجها حولهم الناس ايضا؟


لماذا؟
لماذا (الاسلامي) عندما يتولى الوزارة يشحنها باخوانه واقاربه وابناء اقاربه؟ وإذا ما انتقل الى وزارة اخرى ينقل كل (ستافه) المحترم؟ والعملية بحد ذاتها تؤكد أن هذا الوزير لم يفرق بين (الحكومة والدولة)؟
لماذا هذا (المتدين) عندما يتولى الوزارة أو يدخل في الحكومة يتحول الى امبراطور مالي وجنسي ومكتبي، فهو قد يشتري مئتين شقة في بيروت، وربما يبررها حتى شرعا وقانونا وعرفا واخلاقا؟
لماذا يتبرأ ويتهرب من اصدقاء الامس، وخاصة الاصدقاء الذين يعرفهم جيدا بانهم من أهل التضحية والفداء والعمل الجاد في سبيل الدعوة والخير والسلام؟
إن هؤلاء حولوا الاسلام (الى مزبلة)، حولوا الدين الى (اضحوكة)، ومن الغرائب أنهم دخلوا معركة الدنيا بكل صراحة وبكل وقاحة، وكأنهم نسوا الماضي القريب، ماضي الوعظ والارشاد والحكايات الجميلة عن التقوى وصلاة الليل والدعاء في أجواء البخور والانارة الخافتة والتذكير بعذاب القبر وأهوال القيامة!

فهي إذن صلافة وأي صلافة؟!
يخطا من يتصور إني اقصد في هذا الكلام (الدينيين) في العراق، بل في ايران والبحرين والكويت أيضا، هناك امثلة متطابقة ومتشابهة والمتقاربة، وهي ظاهرة تستدعي حقا الدراسة الدقيقة والعميقة.
هل الدين غير قادر على بناء شخصية سوية حقا كما يقول بعض علماء النفس والاجتماع بل بالعكس يخلق شخصية مضطربة وان هذا الاضطراب يخرج من حيز القوة الى حيز الفعل في ظرف مواتٍ؟
أم ان بعض هؤلاء التزموا الدين بسبب فقرهم المعاشي، وعدم قدرتهم على الدخول في عالم الدنيا الشهي وممارسته لقصر ذات اليد، فلما اتسعت امامهم ابواب الدنيا انطلق المخفي فراح يغرف ويهرف ويسرق وينكح بلا حساب وبلا رقابة وبلا استرجاع لما اختزنه من فكر ودين وروح ومواعظ وارشادات؟
أم إن بعض هؤلاء كانوا في ازمة روحية فالتجأوا الى الدين فلما تخطوا ازمتهم هذه رجعوا يعبون من متع الدنيا عندما توفرت الفرصة المتاحة؟
أم أن بعض هؤلاء لم يكونوا متدينين اساسا، وانما دخلوا حومة الدين من أجل الدنيا اساسا، اي جعلوا من الدين وسيلة لتسلق سلم الدنيا؟
أم أن بعض هؤلاء كان انتماؤهم للاسلام والاحزاب الاسلامية طمعا مبيتا بمركز اجتماعي او سياسي عندما تتواتى الفرصة المناسبة؟
أم أن بعض هؤلاء دخلوا الدين بلا روية سابقة، ومن دون قراءة عميقة للدين فلسفةً واخلاقا وعلما ومن ثم تهاوى برمته مجرد أن عرضت عليه الدنيا؟
اسئلة كثيرة تهم المجتمع العربي وا لاسلامي لا ن اصل القضية تهم المجتمع العربي والاسلامي بشكل جذري وجوهري؟
اليد التي تتوضا لا تسرق، وإذا بها تسرق ما لا يسرقه لص محترف على مستوى شركات ضخمة، والمتدين يقول (ما كذبت منذ ان عرفت ان الله يمقت الكذب)، واذا به يكذب ما لا يكذبه الشيطان، والمتدين يقول (يجب التسلح بالتقوى السياسية)، واذا به من العن المتحايلين سياسيا، وعينه تشف ماذا وراء حجاب، فتنقض غريزته تخترق الجدار حتى لو كان مصبوبا من رصاص، ليغرز مخالبه في جسد بض، متشفيا بكل من رزقه الله جسدا حداثويا جميلا..
ليست ظاهرة عراقية كما يتصور البعض، بل هي ظاهرة(دينية) عامة، وهؤلاء ثقَّبوا قلوب الانبياء باسنانهم، ومخالبهم، وعبثوا في ضمير الله...
ولا يهزهم شي، ماتت ضمائرهم وجدبت ارواحهم، مهما كتبوا (الاسلام شامل كامل، يجمع بين الروح والمادة...)...
وكونوا من (ادينهم) على حذر!
اتقاهم ربما يملك بساتين البصرة، وربما يملك اكثر من ما ئتي شقة في بيروت، وربما يملك الارصدة الرهيبة في بنوك الامارات، ولا أقل يملك ارضا في المنطقة الخضراء!
وهو ما زال يتكلم عن اليد التي تتوضا، وما زال يتكلم عن ابي ذر، وما زال يتكلم عن اطفال الحجارة وطفله المدلل موظف كبير في السفارة العراقية في بيروت، وربما يملك بيتا على ضفاف دجلة يحرك ستائره بالريموت كنترول وكان يبعث بشبابنا الى الموت من معسكر (؟) وهو ينام رغدا ويؤسس جنات عدن لكي ترقد جثته مرتاحة الضمير في غرفة خاصة بالاشياء الخاصة....
وأني لاسمع احد ابنائه البررة يقول له: (لماذا يا ابي بصقت في وجهي لماذا)!!!

طف الصّاع...
ربّاه لطفك انت وحدك!