كتب نبيل عمرو في quot;الشرق الأوسطquot; يدعو إلى تفعيل المسار التفاوضي السوري - اللبناني استطراداً مع إسرائيل. بالنسبة لهذا الدبلوماسي الفلسطيني، مصلحة الفلسطينيين تقضي بذلك. الرئيس ابو مازن أعلن قبل ايام من مقالة عمرو، ان السلطة الفلسطينية لعبت دوراً اساسياً في تفعيل المفاوضات غير المباشرة بين سوريا واسرائيل عبر الوسيط التركي. ايضاً الرئيس ابو مازن ينطلق مما يراه في مصلحة الفلسطينيين.
لن نكرر مقولة باتت باهتة عن ضرورة ذهاب االعرب إلى المفاوضات موحدين، والبعض ما زال يدعوهم إلى تشكيل وفد موحد. ذلك ان شروط تلك المقولة باتت اليوم غير ذات حيثية. إذ أن المطلب الفلسطينين الرسمي اليوم، او توخياً للدقة، التمني الفلسطيني اليوم هو وليد الأوضاع الراهنة. ذلك ان مسار المفاوضات والمقاومات والصراعات في هذه الأزمة رسا على وقائع يجدر بنا تبينها والتدقيق فيها جيداً. ذلك ان المطلب السابق كان مطلباً يهدف إلى تدعيم الموقف العربي في المفاوضات، في وقت كانت موازين القوى في التفاوض والحروب تميل ميلاناً ساحقاً لمصلحة إسرائيل. اليوم ثمة امور جوهرية اختلفت، واقتضت ان يرى الفلسطينيون المتهمون بالتفرد والانفراد والتفريط في اوسلو، بالدعوة إلى ما يشبه وحدة المسارات الثلاثة.
يمكن القول، انه ورغم غياب الرئيس الأسد عن المفاوضات الجارية اليوم، إلا أنه من دون شك أقوى المفاوضين. الرئيس الأسد هو الوحيد بين الأطراف العربية الثلاثة المعنية اليوم بشكل او بآخر بالمفاوضات الذي يستطيع التوقيع على اتفاق سلام من دون معوقات تذكر. بالنسبة للرئيس الفلسطيني، ثمة سلطة امر واقع في غزة سيكون لها مفاعيلها الدامية بتوقيع او من دونه. وبالنسبة للرئيس اللبناني، فهو على الأرجح لن يستطيع الإقلاع من مطار بيروت نحو موقع المفاوضات لمجرد حصوله على إجازة من الجامعة العربية تتيح له مباشرة التفاوض.
هذا في القدرة، لكن الأمر يتجاوز هذه الحدود إلى المضمون والجوهر. ذلك ان المفاوضات الجارية اليوم لا تحمل من صفات المفاوضات غير التسمية. الأميركيون يعرفون، والإسرائيليون ايضاً ما هي التسعيرة التي يتوجب عليهم دفعها لتحقيق السلام. بالنسبة للفلسطينيين والسوريين، السعر محدود وليس ثمة مجال للمفاصلة فيه. لن يرضى محمود عباس التوقيع على اتفاق يعطيه أقل مما حصل عليه في ورقة ايهود اولمرت، وقطعاً ليس ثمة لدى الرئيس الأسد اي وهم في احتمال التوقيع على اتفاق يعيد إليه أقل مما حصل عليه الأسد الأب في جنيف، في عهد باراك وكلينتون. لبنان من جهته قد لا يستطيع التوقيع حتى لو حققت كافة مطالبه لأسباب تخص لبنان دون غيره. والأرجح ان إسرائيل تشبه لبنان في هذا المجال. ذلك ان نتانياهو يعرف ويدرك جيداً ان قدرة المجتمع الإسرائيلي على قبول ما يعتبرونه تنازلاً محدودة ومحفوفة بالمخاطرة. وتالياً ثمة امام رئيس الحكومة الإسرائيلية خيار من اثنين: إما الاستجابة للمطالب السورية والفلسطينية وتحقيق السلام مع جيرانه، والمغامرة بتصعيد حال التوتر الإسرائيلي الداخلي. وإما التعنت والاستجابة لضغوط اليمين الإسرائيلي، وتالياً إدخال إسرائيل مرة أخرى في أتون حرب سيصعب على الجيش الإسرائيلي ضبط رقعتها الجغرافية وامتداداتها السياسية. لكنها المرة الأولى ربما التي يكون فيها احتمال الضغط على الأطراف العربية معدوماً. وهذا ما يجعلها مثابة فرصة أخيرة.
قبل بداية المفاوضات أعلن صائب عريقات ان فشل هذه المفاوضات يعني نهاية السلطة الفلسطينية. اليوم يمكن القول، ان فشل هذه المفاوضات يعني، من دون مبالغة، نهاية المنطقة برمتها. إنها الفرصة الأخيرة، فإما يبنى سلام على الحيثيات الراهنة، وإما سيبنى سلام على الركام.