ونحن نتابع تضحيات الشعبين الليبي واليمني ضد الدكتاتورية والاستبداد والفساد لا يُخالجني شك أن نهايته القذافي وصالح أصبحت قاب قوسين أو أدنى، لكن تبقى ثورة سوريا متأرجحة بين نظام بوليسي يقظ لكل محاولات الاحتجاج السلمي ويعمل بكل أجهزته الأمنية لقتل أي حركة في مهدها حتى لو كان الثمن عشرات الضحايا من أبناء سوريا الشرفاء، ومحاولات كهنة النظام طرح رؤى للإصلاح لاحتواء غضب السوريين وأيا كان الأمر فالكل يتطلع إلى نجاح الثورة في سوريا، فهي الدولة المركزية الأهم في المشرق، ولها حدود مع تركيا والعراق ولبنان والأردن، والجولان السوري محتل من جانب إسرائيل ومع ذلك لم يطالب quot;بشار الأسدquot; بعودة الجولان سوى نظريا وسار على نهج والده الراحل quot;حافظ الأسدquot; الذي كان يقول quot; نحن مستعدون أن نصبر أجيالا حتى تعود أراضينا المحتلةquot; ولم يتخذ من الإجراءات العسكرية أو الدبلوماسية ما يدفعه إلى إعادة الجولان.

وعلى الرغم من أن سوريا اتخذت من القومية والعروبة منطلقا لسياساتها وكانت مصدراً إيديولوجياً لحركات سياسية شكلت أحداث المنطقة منذ الستينيات، فإنها وقعت تحت نظام سلطوي فاسد ومستبد برئاسة الراحل quot;حافظ الأسدquot; سخر كل إمكانياته للانفراد بالسلطة، وكانت القومية العربية غطاء للشرعية، فلم ينجح في تحقيق وحدة عربية مع جيرانه، ولم يساهم في تحقيق أي انجاز داخلي، وللانفراد أكثر بالسلطة جاء بالأسد الابن الذي حاول إضفاء quot;شرعيةquot; على نظامه بقيادة ما عرف بجبهة quot;الممانعةquot; لنفوذ أمريكا في المنطقة وquot;الرفضquot; لإسرائيل علنا وفي خطب حماسية، وفي السر يعمل على أرضاء تل ابيب، ويتفاوض سرا مع الولايات المتحدة ولا يجروء على توجيه رصاصة لإسرائيل بعد حرب أكتوبر 73 على الرغم من الغارات الإسرائيلية مراراً وتكراراً على دمشق.

ووقف النظام السوري في منتصف الطريق، فلا هو تفاوض مع إسرائيل كمصر والأردن وأعاد أراضيه المحتلة، وأغلق هذا الملف، ولا لجأ إلى الكفاح المسلح كالفلسطينيين وهو كفاح مشروع لإعادة أراضيه المحتلة منذ عام 67، ويبدو أن نظام quot;الأسدquot; عنده مانع عن الكفاح المسلح، والدخول في حرب استنزاف هي اللغة الوحيدة التي تفهمها إسرائيل، كي تعيد الأراضي المحتلة، وحين اندلعت الاحتجاجات في محافظة درعا، وامتدت إلى كل المدن السورية، كشر الأسد عن أنيابه لأنه لا يريد أن يترك السلطة، ولا يريد الاستجابة لمطالب الشارع في الحرية والعدالة والكرامة، وهي مطالب رفعها الشعب السوري الذي يرى أن بلاده خطفت من قبل أقلية ومجموعة من المنتفعين.

النظام السوري يتربع على قمته quot;عائلة الأسدquot;، وهي عائلة quot;شيعية علويةquot;، والعلوية هي إحدى فرق الشيعة التي كانت محرومة من حقوقها السياسية قبل حصول سوريا على الاستقلال في الأربعينيات، وبعد الاستقلال حرصت عائلات هذه الطائفة على إلحاق أبنائها بالكليات العسكرية ومن بينها عائلة الأسد وقبله عائلة quot;صلاح حديدquot; الذي قاد مع الاسد انقلاباً عسكريا ليصبح أول علوي رئيسا للجمهورية السورية، وهي تجربة راقت لزميله quot;حافظ الأسدquot; الذي كان ضابطا في سلاح الطيران فقام بانقلاب باسم حزب البعث عام 70، وتحالف مع الرئيس الراحل quot;أنور الساداتquot; في حرب أكتوبر 73 واستطاع الأسد بدهائه السياسي أن يسيطر على مقاليد الحكم في سوريا، ويجنبها الانقلابات العسكرية التي كانت تحدث كل عامين حتى رحيله في يوليو ألفين وتسليم مقاليد السلطة للرئيس الحالي بعد مقتل أخيه باسل في حادث سير.

تفاقمت المظالم في سوريا على الرغم من أن بشار الأسد قدم نفسه كرئيس إصلاحي ولم يشعر المواطن السوري بأي اثر للتنمية، بل تردت ظروفه المعيشية أكثر، وأصبح حلم كل شاب أن يجد فرصة عمل في الخارج، ورحل ألاف الشرفاء والأكفاء عن الوطن، لقد حكي لي صديق سوري أن عائلته رحلت بعد أن حاول احد أعوان النظام أن يأخذ أخته عنوة بدون زواج وحين رفض والده تعرض للسجن، وبعد عدة أشهر أطلق سراحه واخذ أسرته ورحل عن سوريا، الشعب السوري كبقية الشعوب العربية يعيش في فساد، الرشوة عيني عينك، إذا دفعتك الظروف لزيارة سوريا فأول شيء تصطدم به عند وصولك إلى مطار دمشق الأمن ورجال الجمارك يسألونك quot; شو جايبلنا معك quot; حتى تمر دون مشاكل، وفي ظل هذه أجواء الإحباط بزغ أمل في فجر جديد يشرق على سوريا ويطيح بالدكتاتورية، وحين اندلعت الثورة في تونس ومصر واليمن وليبيا ضد الظلم والفقر والاستبداد لم يكن بوسع الشباب السوري أن يقف مكتوف الأيدي، فاندلعت شرارة الثورة في درعا جنوب سوريا. وامتدت إلى باقي المدن السورية وسيشتد لهيبها ولن يكون بإمكان أجهزة القمع أن تخمد حماس المحتجين الذين تحميهم تكنولوجيا الاتصال ومواقع الانترنيت، ولن يستطيع النظام أن يلتف حول مطالبهم المشروعة في حياة كريمة فشل في توفيرها أل الأسد.

إعلامي مصري