لا شك في أن الوضع السوري الرهن هو أكثر الأوضاع العربية تعقيدا وتشابكا منذ اندلاع الانتفاضة التونسية فالمصرية؛ ذلك لارتباط هذا الوضع بمجمل المشاكل والمخاطر المندلعة في المنطقة العربية، ومنها المشكلة الفلسطينية، والنووي والغطرسة الإيرانيان، ومخاطر تسلل القاعدة لإيجاد مواقع قدم جديدة لها [ كما فعلت في اليمن وليبيا] بسبب الانتفاضات، ومنها تحول القضية لساحة تنافس وصراع إقليميين ودوليين.
ربما يكون غريبا أولا طرح السؤال التالي: هل الانتفاضة السورية صناعة خارجية، أم هبة شعبية حقا نتيجة سياسات القهر الدموي والانغلاق والفساد التي يمارسها النظام الشمولي السوري؟ ولكن نظرية المؤامرة هي ما يروجها هذا النظام وحاميه الإقليمي المباشر نظام الفقيه، الذي رحب بانتفاضات تونس ومصر واليمن واعتبرها من إشعاعات الخمينية، بينما استخدم نظرية المؤامرة في الحالة السورية. والواقع أن هناك في لبنان والعراق وربما غيرهما من يصدقون حكاية المؤامرة هذه، وينسبونها لمشروح سايسكس بيكو جديد، وخاصة للثنائي الإسرائيلي ndash; الأميركي. هذه النظرية، التي تقوم على التحيز المسبق وإغماض العين، رددها من قبل علي صالح وتراجع، ويرددها اليوم عسكر مصر الذين يروجون بأن الولايات المتحدة سعت لتدوير quot;الثورةquot; لصالح أميركا وإسرائيل، والدليل منظمات المجتمع المدني التي تتلقى بعض العون المالي المحدود. ولا نعرف لماذا لا يكون الدعم المالي الأميركي السنوي الضخم للجيش المصري نفسه هو المؤامرة!!
نعرف أن هوس نظرية المؤامرة عربي بامتياز، سواء بين الحكام أو المثقفين أو في الشارع.
مثلا، نعرف كيف راجت نظرية أن جرائم 11 سبتمبر من صنع الموساد أومن صنع أميركي، وهذا ما ردده أحمدي نجاد أيضا مرات رغم تبني القاعدة رسميا وبكل حزم للجرائم واعتبارها quot;غزوة إسلامية مباركةquot;. وإذ تروج اليوم نظرية في بعض المواقع الألكترونية الثانوية عن quot;تحالف لندن وواشنطن مع القاعدة ضد النظام السوريquot;، فنود أن نهدي هذه النظرية حالة كان التوافق تاما فيها بين القاعدة وquot; الشيطان الأميركيquot;، وأعني رد نشرة quot; إنسابايرquot; القاعدية في سبتمبر 2011 على تصريحات أحمدي نجاد عن 11 سبتمبر. فقد وصفتها القاعدة بأنها quot; سخيفةquot;، وحذرت نجاد من ترديدها. كما نعرف كيف راجت نظرية المؤامرة عند هبوب أعاصير تسونامي، وكيف نسبوها لتجارب نووية أميركية وإسرائيلية. وفي مرة، ربما عام 2005 ، قالت الصحفية السعودية سهيلة حماد، وبكل ثقة وتأكيد، بأن هناك مؤامرة أميركية-إسرائيلية لتصفية الإسلام خلال 30 عاما!!
إن قادة إسرائيل لم يدلوا خلال الشهور الأولى من الانتفاضة السورية بأية تصريحات، واكبر الظن أن إسرائيل قلقة وليست فرحة بتداعيات الانتفاضة. فخلال أربعين عاما وأكثر لم تطلق رصاصة واحدة من الجولان، وكانت المفاوضات السرية بين الطرفين مستمرة عبر طرف ثالث، هو تركيا.
إن نظرية أن تحرك الشعب السوري فعل أجنبي يعني أنه لم تكن هناك أسباب مشروعة لقيامها وان الشعب السوري كان سيظل غير متأثر بالانتفاضات العربية الأخرى.
نعم، إن الوضع السوري شديد التعقيد والتشابك، وإنه مفتوح على احتمالات عديدة قد يكون بعضها كارثيا: كالحرب الأهلية، أو تفكيك الدولة وانتشار الأسلحة الكيمائية وغيرها داخل سوريا والمنطقة، وكذلك احتمال استفادة القاعدة من الوضع لإيجاد مواقع قدم لها. .ورغم أن المعارضة السورية نفت أن بعض التفجيرات التي حدثت هي من صنع القاعدة إلا أن مدير المخابرات الأميركية صرح بأنه يعتقد بكونها تحمل بصمات القاعدة. وهذا التأكيد لا يجعل أميركا في quot; تحالف مع القاعدةquot;. وحين نقول عن 11 سبتمبر إنه من صنع القاعدة فهذا لا يعني أننا شركاؤها. وأيضا نرى السلفيين وحزب التحرير في بريطانيا يعلنون أنهم يريدون قيام الخلافة هناك وفي ألمانيا وغيرهما من أوروبا. فهل هذا يعني أن بريطانيا شريكتهم؟
وزيرة الخارجية الأميركية رفضت طلب تسليح المعارضة السورية، مثلما لا يريد الغرب التدخل العسكري. وقالت هيلاري quot; نحن نعلم أن زعيم القاعدة [ الظواهري] يؤيد المعارضة السورية. فهل نؤيد القاعدة في سورية؟quot;
الظاهر لي أن الولايات المتحدة تتخوف من الحكم البديل للأسد رغم الإدانة والعقوبات والمطالبة بالتنحي. والخوف من تسلل القاعدة هو واحد من الأسباب المهمة لهذا الموقف. وهناك قبل ذلك، عامل الانتخابات القادمة. ويبقى سؤال محير: ألم تكن القاعدة منذ سقوط صدام شريكة وأداة النظام السوري ونظام الفقيه في تدمير الوضع العراقي، وشن المتفجرات وقطع الرؤوس وإشعال الفتن الدموية؟! ألم تكن عناصرها القادمة من السعودية وليبيا وموريتانيا والجزائر والمغرب وتونس وغيرها وكذلك من أوروبا، تتسلل عبر الحدود السورية وبعلم النظام السوري؟! ألم يكن الزرقاوي يعبر لإيران وينتقل منها للعراق بكل حرية؟ ألم تحتضن إيران كوادر وقادة قاعديين، كسيف العدل وعائلة بن لادن وعشرات آخرين واستخدمت فريقا منهم في العراق؟ يقال إن عناصر القاعدة في العراق تتسلل لسورية من لبنان وتركيا. ولكننا نعرف أن لبنان الرسمي يدعم النظام السوري وأن حزب الله، وهو أداة إيران والنظام السوري، هو المتحكم في لبنان. أما العراق، فلا يجهل أحد مدى هيمنة إيران على مقدراته وسياسات حكامه. وإذن فكيف تنتقل هذه العناصر بحرية لسورية حيث لم نسمع يوما عن عبور قاعديين من تركيا؟
مسألة محيرة حقا، ولغز قد تحله الأيام القادمات.