يُعتبر الشعب المصرى من أحسن الشعوب التي غنت وكتبت الشعر في الوطن، وكذلك من اكثر الشعوب التى تفيض مشاعره حبا فى الوطن، عندما يتكلم المصرى عن الوطن يشعرك بأنه قيس يتحدث عن ليلاه او عنتر يتغزل فى عبلاه...وما أحلي وما أروع وما اسهل الكلام!

عندما تفجرت مشكلة البرادعي وقبلها عندما أثيرت الشكوك حول جبهة الإنقاذ، أدركت جيدا أن مصر بالنسبة لكثير من المصريين ليست أولا وربما ليست ثانيا وربما يأتي ترتيبها عاشرا، كنت أعلم ذلك جيدا من البداية، وكنت أشعر أن الإنتماء الديني لدي المصريون أهم وأقوي من الإنتماء الوطني، فالمسلم المصري دينه أو ازهره اومسجدة كلهم يأتون أولا ثم بعد ذلك ياتي الوطن في المرتبة الثانية، والمسيحي دينه وكنيستة والبابا يأتون أولا ثم يأتي الوطن في المرتبة الثانية.

لكن الذي أذهلني أن حتي جبهة الإنقاذ التي لا يزيد عمرها عن تسعة اشهر أتت للبعض أولا، وجاءت مصلحة الوطن بعد مصلحة جبهة الإنقاذ، فعندما قلت لبعض من الزملاء أنني أحذر أن تسرق جبهة الإنقاذ الثورة الثانية، كما سرق الاخوان الثورة الأولي، صرت لهم عدوا مع أني هدفت لمصلحة الوطن غضبوا وهاجموا لاجل مصلحة الجبهة التى انشأوها بكندا، لم تمض بضعة اسابيع الا وحلوا هذه الجبهة التى وضعوا مصلحتها قبل مصلحة وطن بالكامل!!!!

وعندما تفجرت أزمة البرادعي الذين هاجموه لم يهاجموه من أجل مصلحة الوطن، بل هاجموه انتقاما منه ومن دوره في ثورة 25 يناير، وهذه حقيقة، والذين دافعوا عنه لم يدافعوا لاقتناعهم بأن البرادعي لم يخطىء ولا لأنهم موافقون علي تصرفاته وعن انسحابه المهين من المشهد في وقت كانت مصر تمر بأزمة من اصعب الازمات التي مرت عليها ربما في تاريخها، هم دافعوا عن البرادعي لأنهم بردعاوية وطالما هم بردعاوية فمصلحة البرادعي تأتي قبل مصلحة مصر، ولذا فهم يغردون في السرب منفردين.

أليس لدي جماعة الإخوان جماعتهم أولا ثم مصر عاشرا، أليس لحازمون، حازمهم أولا ثم مصر تاسع عشر، أليس للتيار الشعبي حمدين صباحي أولا ثم تأتي مصر في مرتبة بعد منه.

وأه يا بلدي لقد تعودنا أن نهملك ونضعك في أخر قائمة اهتماماتنا، وبالرغم من كذبنا وغنائنا وأشعارنا لك ليلا ونهار لدرجة أن ما نغنيه وما نكتبه لك يكفي كل بلاد العالم دفعة واحدة، أه يا بلدي فكم من افراد ومن كيانات ومن جماعات ومن أحزاب، ومن مصالح رخيصة جعلناهم في مرتبة أعلي و أهم منك.

أهمل المصريون في درة التاج، لم يعرفوا معني كلمة وطن وبلد وأمن وأستقرار، فكان أنتقام الوطن قاسيا دفع ثمنه كل المصريون، اضطرابات، غياب الأمن والأمان،، صراعات، انقسامات أدت إلي فوضي ولبحور من الدماء الله وحدة يعلم متي تنتهي!

بالرغم من كل ما سبق فأنا لست متشائما بل بالعكس كل ما ذكرته هو جزء من تاريخنا ومن تراثنا ليس المصري فقط بل وكل الشعوب المجاورة تسير علي نفس منهجنا وتتبع نفس خطواتنا، والسبب في تقدم الدول الغربية والفرق الوحيد بينهم وبيننا هو أنهم وضعوا مصلحة الوطن أولا، بل وضعوا الوطن قبل كل شئ حتي قبل العقيدة والدين، ولهم في ذلك كل الحق فأن ضاع الوطن ضاعت العقيدة وضاع الدين وضاع المواطن.

في نهاية مقالي تتراقص أمام عيناي صورة المطرب التونسي العظيم لطفي بوشناق، عندما غني... لن أكون في يوم منكم يشهد الله والزمن، لا حروب لا خراب لا مصايب لا محن، خدوا المناصب والمكاسب لكن خلوا لي الوطن... وعندما بكي بعدها لطفي بوشناق ونزلت دموعه تسبح فوق شوارب رجل تشعر برجولته بمجرد ان تراه عيناك، من الأخر لن ينصلح حال مصر إلا عندما تصبح مصر أولا لتصبح مصر فوق الجماعات والإنتماءات والأحزاب والقيادات.