الكون المرئي بين الديمومة والزوال

الترابط والاتكال المتبادل Lrsquo;interdeacute;pendance، اللاديمومة أو اللااستمرارية Lrsquo;impermanence هي الصفات الجوهرية للوجود كما يقول بوذا.

إذاً، هل الكون المرئي عشوائي منفلت أم منظم ومنضبط؟ هل هو دائم وأزلي أم زائل ومنقرض؟ هل هناك شيء يسبقه وشيء يعقبه أم لا؟ هل هو وحيد أم هناك غيره مواز أو مجاور له؟
الترابط بين المكونات، من أصغرها إلى أكبرها، واعتماد بعضها على الآخر، وعدم ديمومتها وتعرضها للفناء وإعادة الانبعاث أو الولادة من جديد، الحركة الدائمة، والتجدد والتطور المستمر، هي سمات النموذج الكوزمولوجي الجديد الذي يحاول العلماء إثبات صحته اليوم. فالكون المرئي أو المنظور لا يتكون من وحدات متينة ومتميزة وثابتة أو مستقرة، بل هو بمثابة دفق من الأحداث المتغيرة والمتحركة، وسيل من التيارات الديناميكية في تطور دائم، فكل شيء متصل ببعضه ويعتمد على بعضه البعض ويتفاعل فيما بينه على نحو مستمر. فكما يقول علماء الكوزمولوجيا، إن كل شيء يتحرك، وكل شيء يتغير، وكل شيء يتطور. لا شيء في الكون المرئي يبقى على حاله فكل شيء يعاني من اللاديمومة، من أصغر ذرة وما دونها إلى الكون المرئي برمته مروراً بالمكونات الأساسية كالمادة والطاقة والكواكب والنجوم والمجرات والكائنات بمختلف أنواعها. كانت هناك قوة دفع هائلة مجهولة المصدر جعلت الكون في حالة توسع منطلقاً من حالة في غاية الصغر والسخونة والكثافة، كبرت وبردت وتمددت ومازالت تتمدد وتتوسع. ومع نظرية الانفجار العظيم البغ بانغ Big Bang اكتسب الكون المرئي تاريخاً. وصار له بداية وماضي وحاضر ومستقبل. وتشير آخر عمليات الرصد والمشاهدة والدراسة والتحليل إلى أن توسعه son expansion متواصل وسيستمر إلى نهاية الزمان وهل هناك نهاية للزمان؟ وإنه سوف يموت يوما ما بعد مليارات مليارات السنين، في حالة برودة متجمدة، لكن هذا لا يعني نهاية الوجود، فهذا الكون المرئي ليس سوى ذرة غبار في محيط لامتناهي من الأكوان الأخرى المتعددة الماهيات والمكونات والثوابت الكونية. كل البنى التكوينية للكون المرئي في حالة حركة دائمية وتشارك في رقصة باليه كونية مذهلة فهناك حركة الدوران الذاتي أي الكواكب والنجوم والمجرات تدور حول نفسها rotation autour drsquo;elles-mecirc;mes وتدور حول بعضها البعض كالأرض حول الشمس والشمس حول المجرة وهكذا، في حركة تباعد وتقارب، عن بعضها البعض، ولكل منها تاريخ مثلما للكون المرئي، باعتبارها من مكوناته، فهي تولد وتتطور وتموت. فالنجوم تتبع دورة حياتية كالبشر، فهي تولد وتموت لكنها دورة حياة تحسب بملايين وبمليارات السنين. فالأرض تدور في الفضاء بسرعة 30 كلم في الثانية في رحلتها السنوية حول الشمس. والشمس تجر معها الأرض في دورانها حول مجرة درب التبانة la galaxie de la Voie lacteacute;e، بسرعة 230 كلم في الثانية، وهذه المجرة تدور بدورها حول مركز ما مع جارتها الأقرب وهي مجرة المرأة المسلسلة آندروميدا Andromegrave;de بسرعة 90 كلم في الثانية، والمجموعة المجرية التي تضم مجرتنا وآندروميدا وغيرها من المجرات تدور بسرعة 600 كلم في الثانية حول حشد المجرات المسمى العذراء amas de la Vierge الذي يجذبه حشد أو تكدس أكبر وأضخم هو الهيدرا Hydre وحشد أخر أكبر وأقوى هو سنطور Centaur، وهذه بدورها تنجذب نحو تجمع من عشرات الآلاف من المجرات تسمى الجاذب الأكبر Grand Attracteur، وهكذا.. هذا في مستوى الوجود اللامتناهي في الكبر، والأمر لا يختلف في مستوى اللامتناهي في الصغر، أي العالم الذري وما دون الذري le monde Atomique et Subatomique، فلا شيء يدوم على حاله في هذا العالم الغريب. فالجسيمات يمكن أن تغير طبيعتها. فالكوارك quark وهو أصغر وحدة أو بنية جوهرية أولية مكتشفة من قبل الانسان للمادة، يمكن أن يغير عائلته أو قيمته، فالبروتون proton يمكن أن يصبح نيترونneutron، وبعث أو إطلاق بوزيتون positon، وهو الجسيم المضاد للالكترونantiparticule de lrsquo;eacute;lectron، ونيوترينو neutrino. وفي عملية إفناء annihilation مع المادة المضادة lrsquo;antimatiegrave;re تتحول المادة إلى طاقة eacute;nergie خالصة. وحركة الجسيم يمكن أن تتحول الى جسيم والعكس صحيح. بعبارة أخرى، إن خصائص جسم أو شيء محسوس أو مادة يمكن أن تتحول الى جسم أو شيء محسوس أو مادة. فبفضل الاهتزاز أو الارتجاج الكمومي أو الكوانتي الغامض للطاقة يمتليء الفضاء المحيط بنا بعدد لامتناهي من الجسيمات التي تسمى الجسيمات الافتراضية particules virtuelles التي تظهر وتختفي بسرعة مذهلة وذات دورة حياة غاية في القصر dureacute;e infiniteacute;simale وهي أفضل تجسيد لللاديمومة lrsquo;impermanence. إن الميكانيك الكمومي أو الكوانتي la meacute;canique quantique يصف السلوك الغريب للطبيعة في مستواها الميكروسكوبي واللامتناهي في الصغر ويستحيل إدراكه من قبل العامة من الناس فكما قال العالم الأمريكي ريشارد فينمان Richard Feynman إذا كنتم تعتقدون أنكم تفهمون الميكانيك الكمومي أو الكوانتي فهذا يعني أنكم لم ولا وسوف لن تفهموه على الإطلاق. وكان آينشتين يعتقد، وبل وعلى قناعة تامة، بأن هذه القوانين الكمومية أو الكوانتية الغريبة والغامضة تخفي مستوى من الواقع أكثر جوهرية مما نتصور. فالشيء أو الجزيء الميكروسكوبي اللامتناهي في الصغر لا يملك في حقيقة الأمر أية قيمة دقيقة ومحددة لموقعه وسرعته أو لكموميته الحركية أو المتحركة sa quantiteacute; de mouvement. فإما السرعة أو الموضع فلو حصلنا على السرعة فمن المستحيل تحديد الموضع في الفضاء وهو الأمر الذي يكشف عن ظاهرة تداخل وتشابك حركتين متموجتين من تردد واحد lrsquo;interfeacute;rence وهي ظاهرة لها صلة بالموجات بدلاً من الأشياء المادية مما حدا بالعلماء الى إدخال مفهوم دالة الموجة la fonction drsquo;onde التي تسمح بحساب احتمالية قياس معين يعطي هذه النتيجة أو تلك. ما هي دالة الموجة وكيف نفسر تحولها المفاجيء ما أن نبدأ عملية القياس؟ وكيف يمكن تخيل حالة أو واقع جسيم لايرصده أو يراقبه أو يقيسه أحد؟ النظرية الكمومية أو الكوانتية تعمل بأرقى صورها وفعاليتها رغم غرابة قوانينها وعدم اقتناع العلماء بمفاهيمها. واستحالة تطبيقها على اللامتناهي في الكبر أي المستوى الكوني الأكبر الذي تعاملت معه نظرية النسبية لآينشتين. لذلك ظهر علماء شباب وجريئين اقترحوا أسلوبًا جديدًا للكشف عن الجاذبية الكمّومية أو الكوانتية la graviteacute; quantique التي يعتقدون بإمكانية العثور عليها في آثار الانفجار العظيم البغ بانغ Big Bang. لذلك اقترح عالم الفيزياء - لورانس كراوس Laurence Kraus، عالِم كونيات بجامعة ولاية أريزونا، والعالم فرانك ويلكزك Franck wilkzek، الفيزيائي الحاصل على جائزة نوبل من معهد ماساشوستس بكامبريدج - أسلوبًا جديدًا للكشف عن الجاذبية الكموميّة أو الكوانتية، التي حيّرت العلماء، في آثار الانفجار العظيم.

تنبأت النظرية النسبية العامة لأينشتاين بوجود موجات في نسيج الزمكان تُعرَف بموجات الجاذبيةondes gravitationnelle، ومثلما تُحمَل القوة الكهرومغناطيسية بواسطة الفوتونات، يفترض العلماء أنّ قوة الجاذبية يتم حملها بواسطة جُسيم أولي يُدعى quot;الغرافيتونquot;Graviton، ولكن يأس الكثير من العلماء من ملاحظة أو اكتشاف أي جرافيتون في الفضاء يرجع إلى حقيقة أنّ قوة الجاذبية ضعيفة جدًا لدرجة أنه يُعتقَد أن أي تفاعلات بين الغرافيتونات والمادة تفوق قُدرة الإنسان على ملاحظتها، بسبب افتقاده للتكنوليا المتقدمة اللازمة لهذه المهم. بل قال العالِم فريمان دايسون Freeman Dyson، من معهد الدراسات المتقدمة في برينستون بنيو جيرسي، في مؤتمر عُقِدَ في سنغافورة للاحتفال بذكرى ميلاده الـ90، أنه لمن المستحيل فيزيائيًا بناء كاشف للغرافيتونات. فهناك العديد من الكواشف المقترحة لكنها ستفشل بسبب التشويش الناتج عن الكواشف نفسها، بالإضافة إلى التشويش الكمومّى. أو الكوانتي ذاته. ويجادل دايسون بأنّ الطّريقة القياسيّة للبحث عن موجات الجاذبية - من خلال ارتداد الضوء بين مجموعة من المرايا ومن ثمَّ قياس التغيُّرات الدقيقة في انفصالهم - ستكون أمرًا ميؤوسًا منه للكشف عن الغرافيتونات: فلكي نكون دقيقين بما فيه الكفاية للكشف عن هذه التغيرات الدقيقة في المسافة الضئيلة بسبب الغرافيتون الواحد، لابد للمرايا أن تكون ثقيلة جدًا لدرجة أنها ستنهار لتكوّن ثقبًا أسود.

فى النموذج الأكثر قبولا بين العلماء لميلاد الكون، فإن الكون قد خضع لحالة تضخم Inflation رهيب خلال جزء من مليار المليار المليار المليار من الثانية الأولى من وجوده، وطبقًا للنظرية العامة لأينشتاين، فإن هذا التضخم قد ولّد موجات الجاذبية والتي تمدَّدت على طول الزمكان في اتجاه، وانكمشت على طول الاتجاه الآخر.

يُعتقَد أن العملية التي يولد بها التضخم موجات الجاذبية قد تكون كمومية أو كوانتية ميكانيكيًا في طبيعتها، وبسبب أن الغرافيتونات تظهر وتختفي من الوجود في الفراغ. استخدم العالمان أداة رياضية اسمها quot;التحليل البُعديّquot; لاثبات أن توليد الموجات الجذبوية خلال التضخم يتناسب مع مُربّع ثابت بلانك (قيمة تظهر فقط في النظريات الكمومية أو الكوانتية)، مما يعني أن الموجات الجاذبية كمومية كوانتية بالفعل، كما يقولان. فإيجاد آثار الاستقطاب في خلفية الإشعاع الكوني الماكروي المنتشر (وهي صورة لبداية الكون بعمر حوالي الـ300000 ألف عام) قد يكون أول اختبار تجريبي على أن الجاذبية كموميّة. أو كوانتية. يتخذ العالمان الكون برمته كمختبر وأداة تجريبية لأبحاثهما على أمل الحصول على غرافيتون متضاعف بفعل التمدد الكوني لكنه أمل ضعيف جداً إن لم نقل مستحيل في الوقت الحاضر. لقد أيد صاحب نظرية التضخم العالم آلان غوث Alan Guth وهو أستاذ الكوزمولوجيا في معهد MIT الشهير أي معهد ماسوتشوست للتكنولوجيا، أبحاث كرواس وويلكزك واعتبرها محاولة جديدة لاثبات أن موجات الجاذبية المتوقعة تنجم عن الخصائص الكمومية أو الكوانتية لمجال الجاذبية ذاته، وليس فقط بفعل التفاعل بين مجال الجاذبية والتذبذبات أو التقلبات الكمومية أو الكوانتية للمجالات الأخرى، وبالتالى إذا تمكنا من رؤية دليل مُلاحظ ومقنع من قياسات الاستقطاب لإشعاع الخلفية الكونية الماكروية المنتشرة بوجود موجات الجاذبية، إذن سيكون لدينا دليل قوى على أن الجاذبية كمومية أو كوانتية بالفعل.quot; يتبع