تحمل المكالمة الهاتفية للرئيس الأميركي للرئيس الإيراني.. عدة معاني.. أولها إعتراف ضمني بدور إيراني إقليمي في المنطقة العربية.. وقدرة أمريكا على التحايل على أحد أهم بنود الأمم المتحدة وهو البند الخاص بعدم التعامل مع الدول التي تصدر أسلحة ورجال خارج حدودها لقلب موازين الإستقرار في دولة اخرى.. سواء بوقوفها مع المعارضة.. أو وقوفها مع النظام ضد هذه المعارضة كما هو الوضع السوري الحالي.... ولكن وفي كل الأحوال يبقى السؤال الأهم في حسابات الإستراتيجية الأميركية.. هل تسقط الولايات المتحدة دعمها الغير مشروط لإسرائيل من أجل حماية مصالحها.. وهو الأمر الذي يقلق نتنياهو للغاية..!!!!

الرئيس الأميركي الحالي.. وبالرغم من فشله السابق في الإيفاء بوعوده في السياسة الخارجية.. والداخلية.. ورغم تغيير موقفة الأساسي في عزمه على توجيه ضربة عسكرية لسوريا عقابا لها على إستخدام السلاح الكيماوي.. إلا أن قراره في التوافق مع العرض الروسي لحمل سوريا على تدمير ترسانتها الكيماوية.... حقق له ثلاثة أهداف إستراتيجية في السياسة الأميركية لعقود قادمه....

الأول تجنيب الولايات المتحدة الدخول في حرب لا ناقة لها فيها ولا بعير.. ثم إلتزام أميركا بقرار الأمم المتحدة على تجنب الحرب.. ثم والأهم الإلتزام بالرغبة الشعبية الأميركية في عدم الدخول في مواجهة عسكرية في سورية..

أسئله كثيرة مطروحة للحوار والبحث في ماهو الدافع الذي حمل الولايات المتحدة الأميركية وفي فترة قصيرة جدا على تغيير سياستها الخارجية.. والتخلي عن الحلفاء النفطيين..

الأول.. هو الثقة التي حملتها الولايات المتحدة من قدرتها على التخلي عن البترول العربي.. نظرا لإكتشاف حقول نفطية وغازية كبيرة فيها.. قد تجعلها في مكانة الإكتفاء الذاتي إن لم تضعها في مصاف أولى الدول المصدرة للنفط والغاز..

الثاني.. الإعتراف الأميركي بالدور الإيراني في المنطقة... سببه الرئيسي أن إيران وبرغم طموحاتها لتصدير الثورة الإسلامية إلى دول الجوار.. والهيمنة الإقليمية عليهم.. إلا أنها لم تصدّر أي إنتحاريين إلى الدول الغربية فلم نسمع في كل العمليات الإنتحارية التي تمت عن إيراني واحد إشترك بمثل هذه العمليات.. إضافة أن الإيرانيين المقيمين في الغرب. لم تظهر من بينهم أية خلية إرهابية عملت على زعزعة الأمن الداخلي في أميركا أو في أي من الدول الغربية المضيفة.. بل إن الكثير منهم أثروا الإقتصاد وقليلون من يظهروا علامات التعصب او التطرف.. عكس الأقلية المسلمة الأخرى المتواجدة في الغرب..

وهو ما ينطبق على الجمهورية التركية.. برغم الإختلاف الكبير في طريقة حكم كل منهما.. إلا أن الحكم التركي يمر بأزمات داخليه في الوقت الحالي قد تطيح بالنظام.. بينما وبرغم التذمر الشعبي الإيراني على السلطات المطلقة للحكومة الإيرانية.. إلا أنه تميّز بالإستقرار النسبي مقارنة بالدول المجاورة الأخرى.. إضافة إلى أن النظام الإيراني أبدى ترحيبا بتغييرات إسترايجية في مواقفه الرسمية وفي محاولة الوصول إلى الشعب الميركي عن طريق إعترافة التام بالمحرقة اليهودية.. وإعترافه المقابل بمعاناة الفلسطينيين من الإحتلال.. بمعنى أنه امسك العصا من وسطها في محاولته التقرب للأميركيين.. ولم يتخلى عن مبدئه في حق الشعب الفلسطيني... وإن كان لا يزال مفاوضا في حقه في إمتلاك الترسانه النووية؟؟؟

الثالث.. إعتراف العالم الغربي كله ب.. إذا كان الحكم الديني هو ما تريدة هذه الشعوب.. فليكن.. على أن تلتزم هذه الدول الدينية بالمواثيق العالمية للحفاظ على الأمن العالمي.. وأن لا تصدّر الفكر الديني المتطرف إلى العالم.. وهو ما وجدته أميركا حاصلا مع إحدى الدول الخليجية النفطية التي بوعي وبدون وعي غذت بثرواتها الفكر المتطرف في باكستان.. وحتى في الغرب نفسه بين القادمين العرب الجدد....

أما تحالف الغرب لفترة زمنية محدودة مع الإخوان.. فإن سببه الرئيسي إطمئنان الغرب آنذاك للحكم السني في تركيا.. والإعتقاد بأن سياسة الإخوان ستلتزم بمثل السياسة التركية المنفتحة إلى حد كبير مقارنة مع جيرانها من الدول العربية. إضافة إلى الدور الذي لعبه بعض الحقوقيين العرب الذين كسبوا مصداقية في آرائهم ورؤيتهم من امثال سعد الدين إبراهيم الذي نجح في إقناع الغرب بعدم الخوف من الإخوان وبانهم سيلتزموا الإسلام السني المعتدل.. ثم دور قيادات من الإخوان المسلمين المتواجدين في الغرب باللعب على الألفاظ المنمقة والتأكيد للغرب بأنهم يمثلون الإسلام المعتدل.. ولكنهم إضطروا للإنشقاق عن الإخوان حين رؤا فشلهم السياسي.. في محاولة لعدم تشوية صورتهم أمام الغرب ولإبقاء الباب مفتوحا لعودتهم مرة أخرى للأوطان التي إحتضنتهم مثل الهلباوي مثلا.. والدور الذي لعبه البعض من الأكاديميين والمثقفين المواطنين من أصول عربية.. أمثال عمرو حمزاوي الذي كان يتنقل بين الدول الغربية كلها لإقناع نوابها بعدم الخوف من تصاعد الإسلام السياسي.. والإطمئنان إلى الإخوان..

إن قرار الرئيس الأميركي أوباما في الإتصال مباشرة بنظيره الإيراني في محاولة جادة لفتح قنوات الحوار قرار إستيراتيجي يستند إلى rsquo;بعد نظر في العلاقات الدولية.. وتمهيدا لتهميش المنطقة العربية الإسلامية وإدارة ظهره لها.. ولكن الرد عليها لا يكون بالحرد والغاء الكلمة المقرره في الأمم المتحدة.. الرد يكون بسياسات طويلة الأجل تعتمد رؤية واضحه لمستقبل المنطقة العربية.. لرفض الهيمنة الإيرانية.. والتسلط الأميركي.. الرد يكون في سياسات تنموية متكاملة وفي إعادة توجيه الطاقات والأموال إلى إستثمارات طويلة الأجل في البنية التحتية وفي وعي الإنسان العربي ليفهم بان التطرف.. والطائفية ليست في مصلحته ولا في مصلحة مستقبله العالمي.. الرد يكون بالإصلاح.. وبالدمقرطة الحقيقية التي لا تتخفى

بتقية.. وبشورى.. وبمنهج تعليمي يعمل على ضبابية العقل.. ديمقراطية تعمل على العدالة الإجتماعية بين جميع المواطنين.. ونظام قضائي عادل وحر من القيود الدينية..

العالم الغربي بل وكل العالم على إستعداد للتخلي حتى عن اهم مبادئه.. في سبيل أن يحافظ لمواطنيه على امرين.. الأمن.. والرخاء الإقتصادي.. وبينما تؤكد كل الصور الخارجة من المنطقة الإسلامية العربية بتهديد الأمن المحلي والإقليمي والعالمي... فإن الكثير من الأموال العربية تغذي الرخاء الإقتصادي في الدول العربية.. ويالها من مفارقة!

بصيرة للحقوق الإنسانية