كثير من الناس هنا في دمشق، تستغرب تقاعس المجتمع الدولي والغربي تحديداً عن مساعدة الشعب السوري، وضعف تأثير الرأي العام الشعبي على قادة تلك الحكومات، ظناً منهم أن المواطن الأمريكي والأوروبي يعرفون كل شيئ عن سوريا، الأمر اللذي اكتشفنا عدم صحته متأخرين.

ففي الإعلام الغربي لايصفون ما يجري في سوريا بأنه ثورة، بل يصفونه بمصطلحات فاترة من قبيل ( الأزمة.. النزاع..الصراع) فهم لا يعتقدون ان ما يجري في سوريا ها ثورة، بل هو صراع بين جماعات متطرفة على السلطة، وهي الصورة اللتي استطاع النظام ترسيخها في الذهنية الغربية بدلاً من صورة الشعب اللذي يثور من اجل نيل الحرية والكرامة، والسؤال هنا: لماذا هذه هي صورة الثورة السورية لدى الغرب؟

قد يبدو للوهلة الأولى أن الحديث عن العلاقات العامة في الثورة السورية هو نوع من الرفاهية لا لزوم له، لكن مع الوقت تبين لنا ان قليلا من الاهتمام بهذا المجال كان من الممكن أن يوفر على الشعب السوري كثيرا من الضحايا والآلام، وأن النظام تفوق علينا في هذا المجال وربما كان هذا هو السبب في إطالة عمره إلى اليوم، حيث ينفق النظام شهرياً ملايين الدولارات لشركات ووكالات العلاقات العامة حول العالم، ويشتري ذمم صحفيين من قارات العالم الخمس، فقط من أجل أن يصور للعالم أنه quot;يحارب الإرهابquot; الإسلامي المتشدد والمتطرف.

للأسف الشديد، يبدو أن النظام قد نجح في خداع العالم حتى الآن على الأقل، فالمواطن الأمريكي والاوروبي لا يريان في سوريا سوى صور مقاتلين ذوي ذقون كثّة، ويرفعون أعلاماً سوداء ويلبسون كلابيات أفغانية، ويقاتلون جيشاً نظامياً حليقاً يلبس اللباس العسكري الرسمي ويمثّل حكومة معترف بها، ولا يمكننا نسيان الخدمات الذهبية اللتي يقدمها بعض المغفلين للنظام بقصد أو بدون قصد، وكلما ظهر معتوه محسوب على الثوار كأبو صقار وابو وهيب وغيرهم بمقاطع وصور شنيعة لقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث، سارع النظام لتلقف تلك الهدية مبرزا شناعة افعال الجهادين التكفيريين، وكلنا نعلم ان النظام دفع لاحدى المؤسسات الامريكية ما يقارب عشرين الف دولار من اجل نشر وتسويق هذا المقطع.

أما مؤسسات الثورة والمعارضة، فقد اهملت العلاقات العامة بشكل كبير جداً، وفضّل سياسيوها الإنفاق على تذاكر الطيران والاجتماعات البروتوكولية في هذا الفندق أو ذاك، ففي أمريكا مثلاً، توجد طوائف وقوميات لايزيد تعداد أفرادها عن ألفي شخص، ومع ذلك يخرج لكل فئة منها قناة وصحيفة أو أكثر لتنطق باسمها وتعرف المجتمع بها، في حين لايوجد لكل الجالية العربية - ومعظمها من سوريا ولبنان ndash; لايوجد لهم قناة تلفزيونية تمثلهم وتقدمهم للمجتمع الأمريكي !

وحتى في وسائل الاعلان الرخيصة، من المريع انك عندما تبحث في قوقل عن كلمة سوريا، فإن اول ما سيظهر لك هو مقاطع السلخ والذبح وصور التكفيريين والاعلام السوداء، ولم نجد سورياً واحداً يتبنى فكرة نشر جرائم الاسد والتنظيمات الملحقة به عبر وسائل رخيصة كالفيسبوك وغوغل ادسنس وغيرها، بل فضل تجار الكراسي في المعارضة السورية دفع الاموال للتسويق السياسي الرخيص عبر بث المنشورات والمقالات وشراء المعجبين بالكيلو عبر وسائل الاعلام الاجتماعي.

أما عن صحف الثورة السورية المحلية، فرغم وجود ثلاثين صحيفة سورية تمثل المعارضة تقريبا ؛ لم يكلف احد من المعارضة نفسه بالتفكير بانشاء صحيفة او قناة ناطقة باللغة الانكليزية او غيرها، بل يفضل العديد ممن يمتهنون quot;مهنةquot; معارضة النظام، فضلوا تاسيس الصحف والمواقع والقنوات المعارضة من أجل التسويق السياسي الرخيص في الداخل السوري، ولا يعلم هؤلاء أن أكثر من نصف الشعب السوري لا يملك كهرباء لمشاهدة هذه القنوات أصلاً.

جهد آخر ضائع يتمثل في كثرة صفحات الفيسبوك الثورية المستنسخة ذات المحتوى السطحي المكرر، واللتي زاد عددها بحيث اصبح لكل مدينة او شارع مغسل دبابات خاص به، وعدسة شاب خاصة به، وقناة جزيرة وعربية لكل حي في سوريا تقريبا، في حين لم يكلف الشباب السوري نفسه بتعلم اللغات الاجنبية وتاسيس صفحات فاعلة مؤثرة لمخاطبة الرأي العام العالمي بدلا من اضاعة الوقت والمال ونشر الخلافات والشائعات عبر الصفحات المكررة والمستنسخة بلا فائدة.

وحده النظام من ينفق المال في تدريب المترجمين ونشر خطابه في الاعلام الشرقي والغربي، يوجد للنظام صفحات اعلامية قوية بلغات لا تخطر على بال، وجيش من المؤيدين المغتربين اللذين يتكلمون بلغات البلدان اللتي يقيمون فيها، حيث يقوم هؤلاء بنشر وجهة نظر النظام واقناعه بها، كما أنه بارع في استغلال حماقات بعض المعارضين وتضخيمها ويدفع المال لصحفيين غربيين لنشرها.

يجب على الثورة السورية أن تهتم بصورتها امام الرأي العام العالمي، مالم نذهب نحن لاقناع المواطن الامريكي والاوروبي بان نظام الاسد مجرم فلن يوجد ما يدفعه للبحث وتحري الحقيقة عما يجري في سوريا من تلقاء نفسه، وبالتالي لن يكون هناك رأي عام عالمي ضاغط باتجاه التدخل لمساعدة الشعب السوري.. وقد رأينا جميعاً كيف أن كلمة واحدة من أوباما أركعت النظام بين ليلة وضحاها فانطلق يلعق الأرجل ويقبّل الأيادي.

مالم يكن هناك لدى الثورة والمعارضة مؤسسة خاصة معنية بالعلاقات العامة والاعلام وتعريف الرأي العالمي فلن يعرف أحد ماذا يجري في سوريا، وستبقى الصورة الذهنية المترسخة في عقل المواطن الغربي أن ما يجري في سوريا هو صراع داخلي بين متطرفين إسلاميين وحسب.

كاتب سوري- دمشق