الضغوط الأميركية المتزايدة على (الائتلاف الوطني السوري) والرامية لدفعه لقبول المشاركة في مؤتمر جنيف 2 دون شروط مسبقة تتزايد. quot;الائتلافquot; لا يرغب في المشاركة لعدة أسباب لعل من أهمها انه لا يملك أي رصيد ميداني على أرض المعركة، وبالتالي قرار تسعير أو تهدئة الحرب ليس بيده. الوحدات المقاتلة، وهي بالمئات، لا تلتفت إليه ولا تعترف بكلمة رموزه من مقيمي الفنادق التركية، بل على العكس، ثمة نقمة وحقد على هؤلاء. حتى بعض وحدات quot;الجيش الحرquot; تبخرت من الميدان نتيجة تمدد quot;جبهة النصرةquot; وquot;داعشquot;، والتقدم الميداني للجيش النظامي في عدة جبهات وقضمه الممنهج لquot;المناطق المحررةquot;، التي كان quot;الائتلافquot; ينوي ترسيخ حكومته العتيدة فوقها. ثمة كذلك الضغوط التركية والخليجية والأوامر بالتشدد من أجل إفشال الحل السياسي ومواصلة المعركة إلى النهاية. فتركيا وبعض دول الخليج أحرقوا مراكبهم مع النظام السوري، وهم لا يريدونه حاكما في دمشق بأي ثمن كان، لذلك الأوامر تقضي بعدم الخوض في أية صيغة حل قد تبقيه في السلطة، أو تشرعّن مشاركته فيها. quot;الائتلافquot; في وضع حرج للغاية. الحلفاء تخلوا عنه. لم يمدوه بالسلاح النوعي، مثلما وعدوا. وها هي أميركا تقول له صراحة على لسان سفيرها روبرت فورد: quot;لا ضمان لدينا لرحيل الأسدquot;!. وفي هذا الواقع المأزوم هناك خوف حقيقي من انسلال البقية الباقية من القوى التي تشكل quot;الائتلافquot; للانضمام إلى quot;داعشquot; وquot;النصرةquot; القاعديتين، وإعلان ذلك بشكل رسمي. التصريحات التي يطلقها كمال اللبواني القيادي في quot;الائتلافquot; والتي يغازل فيها علانية كل من quot;داعشquot; وquot;النصرةquot;، ويستقوّي بquot;المجاهدين المتدفقين من كل أنحاء الأرضquot;، والغزل الصادر من quot;الائتلافquot; تجاه quot;داعشquot; وquot;النصرةquot; والسكوت على جرائمها في quot;ولاية الرقةquot; ( اختطاف وقتل الصحفيين والناشطين الحقوقيين، اختطاف الأب باولو، تدمير معالم المدينة وتماثيلها، نهب المتاحف...الخ) يدل على ان هناك اتجاها واضحا في quot;الائتلافquot; بات يراهن على quot;القاعدةquot; حليفا استراتيجيا في حال تخلي الولايات المتحدة والدول الممولة عنه وعن رموزه.

من المهم القول بان (الائتلاف الوطني السوري) غطى بشكل كامل على جرائم quot;داعشquot; وquot;النصرةquot; منذ بداية ظهورهما في سوريا. اعتبر آلاف المقاتلين الأجانب quot;ثوارا جاءوا إلى سوريا لمساعدة شعبها على بناء الديمقراطية وتحقيق الحريةquot;. البس الحملات العسكرية على: اللاذقية وقتل العلويين هناك، وعلى صيدنايا وقتل المسيحيين هناك، وعلى السلميّة وقتل الاسماعيليين هناك، وعلى المناطق الكردية، لبوسا ثوريا، واصفا في تصريحاته وإعلامه جرائم الإبادة هذه بquot;الحملات الثورية التي يقوم بها الجيش الحر لتحرير سوريا

من النظام الاسديquot;!. وكانت رموز quot;الائتلافquot; وquot;الجيش الحرquot; يظهرون على الفضائيات العربية، وفضائيات المعارضة، ويدافعون عن هذه الجرائم وعن العمليات الانتحارية ويتغنون بها بوصفها من quot;أعمال الثورة المباركةquot;!. ولعل الحقد الأكبر كان على الشعب الكردي وعلى (وحدات الحماية الشعبية) التي باتت الآن قوة ثورية طليعية وطنية في وجه quot;داعشquot; وquot;النصرةquot; وبقية المجموعات المأجورة المرتزقة. وكانت للأوامر التركية فعلها، إضافة إلى العقلية العنصرية الطائفية السائدة لدى أغلبية رموز quot;الائتلافquot; وكرههم الشديد للمواطنين السوريين من غير المكون العربي السنّي.

عبد الجبار العكيدي ( قائد quot;الجيش الحرquot; في جبهة حلب، والذي استقال أخيرا) هدد الكرد بالتصفية والتطهير العرقي من كل مناطق محافظتي حلب وريفها، وتعهد بمواصلة الحرب ضدهم جنبا بجنب مع quot;داعشquot; وquot;النصرةquot;. وظهر العكيدي تحت علم quot;داعشquot; في مطار quot;منغquot; العسكري وهو يتحدث عن quot;تحرير الجيش الحر للمطار وطرد قوات الاسدquot;!. ورغم ان quot;الائتلافquot; يتهم كل من quot;داعشquot; وquot;النصرةquot; بquot;التعاون مع نظام الأسدquot; وquot;انهما من صنيعة استخباراتهquot;، إلا ان هاتين المجموعتين تتحولان بقدرة قادر إلى quot;جيش حرquot;، إذ ما تعلق الأمر بمواجهات مع (وحدات الحماية الشعبية) الكردية. وتتحمل فضائيات المعارضة( وعلى رأسها فضائية أورينت) الدور التحريضي الأكبر ضد الكرد والترويج لquot;داعشquot; وquot;النصرةquot;، حتى ان الطاقم العامل في quot;ولاية الرقةquot; يجتهد في التغطية على جرائم quot;داعشquot; وquot;النصرةquot; وعدم الإشارة إلى الانتهاكات الحاصلة بحق المعارضين وأهل المدينة المحتلة، إضافة إلى تشويه سمعة (وحدات الحماية الشعبية) وبث الأكاذيب والافتراءات ضدها. هذه الوحدات التي باتت الآن أمل السوريين: عربا وكردا وسريانا وآشوريين وأرمن، في التخلص من quot;القاعدةquot; وجرائمها والحيلولة دون وقوع مناطق الحسكة وعفرين وكوباني ضمن نطاق دولتها المفترضة: حيث قطع الرؤوس والتطهير العرقي وتدمير الكنائس ونهب أرزاق الناس. والمتأمل في مظاهر الفرح التي أبداها المواطنون العرب مؤخرا في ريف رأس العين من تخليص (وحدات الحماية الشعبية) قراهم من دنس quot;داعشquot; وquot;النصرةquot;، سيعرف بان هذه القوات إنما تمثل كل الوطنيين الأحرار، وان المئات من العرب والسريان باتوا يقاتلون في صفوفها الآن، وهو الأمر الذي يؤرق تركيا وأدواتها في quot;الائتلافquot; الطائفي العنصري المعادي لكل تقارب وطني حقيقي بين مكونات الشعب السوري.

كان من المتوقع ان ينتهي مصير quot;الائتلافquot; بهذا الشكل. فأي قوة سياسية تعتمد بشكل كامل على الخارج وتسلمه قرارها سوف تنتهي بهذا المنتهى، فما بالك بقوة تدعيّ الثورية والدفاع عن قيم راقية مثل الديمقراطية والحرية؟. لقد خان quot;الائتلافquot; مبادئ الثورة السورية عندما سلم أمرها لدولة شمولية مثل تركيا ولأخرى متخلفة مثل منظومات الخليج، اضافة إلى القوى الظلامية الطالبانية، وفتح جيبه للتمويل المالي الآتي من كل حدب وصوب. لقد ظن المعارضون الذين تمسكوا بالعسكرة والتمويل الخارجي والتصعيد الطائفي ( من اجل إرضاء دول الخليج ومنظمات الوهابية العالمية) والعداء للحقوق الكردية ( من أجل إرضاء تركيا) بأن هذه الدول والجهات سوف تستمر إلى ما لا نهاية في دعمهم وتوفير كل سبل النصر لهم. والآن النتيجة هي ان القوى الكبرى تريد تفاهما حول مصير النظام السوري، وان الأسلحة

الاستراتيجية الكيميائية انتٌزعت من يد هذا النظام، فأصبح عاريا لا يشكل خطرا إلا على شعبه، وهو أمر ليس بالمهم بالنسبة لأميركا وإسرائيل ودول الغرب.

والآن وبعد انتهاء مهمة quot;الائتلافquot; يهدده روبرت فورد بالحل، فهم الذين صنعوه وهم القادرون على حله أيضا. ومن هنا تبدو الآفاق مسدودة أمام quot;الائتلافquot; الذي وضع كل بيضه في سلة الخارج، فأما الاعتراف بالهزيمة والذهاب صاغرا إلى جنيف 2 والخضوع لمشيئة النظام السوري، المتقدم في الميدان، وإما قول (لا) للسيد الأميركي وتابعيه من الممولين، أو الخيار الثالث الذي بدأ يتشكل رويدا رويدا: وهو الانضمام إلى quot;داعشquot; وquot;النصرةquot;، والاعتراف بإماراتهما quot;مناطقا محررةquot; للثورة، وبهما: ممثلا شرعيا لquot;ثورة الحرية والديمقراطيةquot;!.