استعرت هذا العنوان من مقال نشرته في أعقاب الانتخابات التشريعية في العراق سنة2005، وكان السجال يدور حول من هو الشخص الذي سيحكم العراق؟ هناك في اللغة الفرنسية مصطلح هو les preacute;sidentiables والمقصود به المؤهلين لتسنم منصب الرئاسة من بين عدد كبير من المرشحين، وهؤلاء الــ preacute;sidentiables عادة قلة يعدون على اصابع اليد الواحدة وربما أقل، ممن لديهم بعض الميزات والصفات والكفاءات التي تجعلهم قادرين على تحمل هذه المسؤولية. لكن هذا المنطق لا يمكن أن يطبق في العراق فكل واحد من السياسيين يجد في نفسه وحده الكفاءة والقدرة على تحمل هذه المسؤولية وانها موجودة عنده فقط ويفتقدها الاخرون خاصة المنافسين له من داخل حزبه او من الاحزاب المنافسة الاخرى. هناك من غامر في تقديره واعلن أن الانتخابات القادمة ستفضي الى توزيع جديد للمناصب فرئاسة الجمهورية ستكون للنجيفي ورئاسة الحكومة ستكون للمالكي للمرة الثالثة ورئاسة البرلمان ستكون للأكراد. وانا اعتقد إنه تسرع في توقعاته رغم إن ذلك ليس بالمستحيل. فها هو العراق يدخل مرة أخرى في أخطر معادلة سياسية سوف ترسم مستقبله بلا شك لعقود طويلة قادمة. لقد بدأت التحالفات القائمة والكتل السياسية المتحالفة على أسس مذهبية وطائفية وقومية استناداً الى مبدأ المحاصصة، بالتفكك واعادة التشكل في خضم نقاشات سرية وعلنية محمومة ومفاوضات عسيرة بين مختلف الاطراف والشخصيات السياسية المشاركة في العملية السياسية المريضة التي اعقبت سقوط النظام الصدامي. فالتيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر يقود صراعاً شرساً ضد حزب الدعوة الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي السيد نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون وعضو التحالف الوطني الشيعي، الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة ووسائل للحصول على ولاية ثالثة لا يمانع فيها الدستور لأن هذا الأخير لم ينص على تحديد ولايات الحكام في السلطات الثلاثة سواء في الرئاسة أو الحكومة أو البرلمان. القائمة العراقية لم يبق فيها سوى الاسم والدكتور أياد علاوي يشعر بالإحباط واليأس من جراء ابتعاد حلفاء الأمس من حوله وحيداً في الساحة مع تنظيمه السياسي حركة الوفاق والذي فشل في مهمته كرئيس انتقالي للحكومة لمدة عام مثلما فشل في تحقيق الأغلبية النيابية لصالحه لتشكيل الحكومة بعد انتخابات 2005 و 2010. كما فشل خلفه الدكتور ابراهيم الجعفري الذي أطيح به رغماً عنه وتم التوافق على بديل له في شخص الرجل الثاني آنذاك في تنظيم حزب الدعوة وهو الاستاذ نوري المالكي. وهان نحن اليوم نعود للمربع الأول عشية انتخابات عام 2014 النيابية حيث سيدخل العراق بلا أدنى شك في فترة جديدة من الاضطرابات والانتكاسات الأمنية وصعوبات التوافق السياسي المرتكز على دعامة مبدأ المحاصصة والتوازنات في توزيع المناصب في السلطات الثلاث. من خلال زيارتي الأخيرة للعراق واقامتي هناك لمدة شهر تقريبا من اواسط اكتوبر الى اواسط نوفمبر 2013 لمست بنفسي نفور العراقيين من مختلف الاتجاهات والفئات والانتماءات من الطبقة السياسية الحاكمة وانهيار الثقة فيها فالجميع يتكلم بلغة سلبية ويندد ويفضح وتتردد على الألسن حكايات وقصص وإشاعات عن الفساد والسرقات والمحسوبية والمنسوبية واستغلال السلطة ونهب المال العام وتردي الخدمات وانهيار المنظومة الأمنية برمتها مما يحول دون تشكيل حكومة عراقية شرعية منتخبة بنزاهة تكون قوية وفاعلة ومنسجمة تسود اعضائها الثقة المتبادلة ولديها برنامج حقيقي لانتشال البلد من الهوة التي سقط فيها واعادة الثقة للمواطن العراقي المسحوق والمبتلى والعاجز عن فعل شيء.
ولا ننسى كذلك دور وتأثير القوى الإقليمية المحيطة بالعراق والتي تتحكم بمصيره واختيار حكامه وقبولهم أو عدم قبولهم بهذا الشخص أو ذاك، وعلى رأسها إيران والسعودية وتركيا والأردن ودول الخليج، وبالطبع ما ستؤول إليه المأساة السورية من حلول ومخارج لها أثمان لن يكون العراق بعيدا عن شرارتها. وأيضاً موقف الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولة عما أصاب العراق من كوارث ومحن، وموقف المجموعة الدولية والأمم المتحدة، وقبلهم جميعاً موقف الشعب العراقي واختياراته في صناديق الاقتراع.
هناك أسماء يتداولها المراقبون والمحللون السياسيون برز بعضها على الساحة العراقية من خلال المناصب التي تبوأها في الفترة الانتقالية والمؤقتة التي أعقبت سقوط النظام الصدامي السابق في التاسع من نيسان 2003 لكن السلطة وممارستها استهلكت البعض منهم وقضمت مصداقيتهم لفشلهم في تقديم إنجازات ملموسة للمواطن العراقي في مجال الخدمات والأمن والنزاهة والإخلاص ومحاربة الفساد إذ أن العكس هو الذي استشرى وتفاقم وكشف عجزهم عن قيادة البلد نحو بر الأمان. فمهما ستكون نتائج الانتخابات القادمة، ينبغي اولا التوصل إلى إتفاق مع التحالف الكردستاني الذي يعلن اليوم استيائه من الحكومة الحالية ويكشف عن خلافاته معها للعلن ويقوم بعملية تصعيد للمواقف والمشاكل القائمة بين الإقليم وحكومة المركز، خاصة في ملف الأمن والحصة المالية في الميزانية وملف كركوك ورواتب البيشمركه الخ والشخص الوحيد القادر على معالجة كل ذلك والمرشح الأوفر حظاً هو الدكتور عادل عبد المهدي القيادي البارز في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وأحد أعمدة الإئتلاف العراقي الموحد والذي شغل منصب وزير المالية في حكومة الدكتور إياد علاوي ونائب رئيس الجمهورية في حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري وحكومة نوري المالكي الأولى ثم استقال طواعية من منصبه، وهو مثقف مبدع وسياسي بارع ومخضرم ومحلل سياسي عريق خبر جميع الأيديولوجيات وذو تاريخ مشرف في مقارعة الدكتاتورية والحكم الشمولي ومن عائلة سياسية وعشائرية معروفة ومحترمة تعرض للخطر والاغتيال عدة مرات من قبل الإرهابيين وهذا شرف له وقدم تضحيات كبيرة كان آخرها إغتيال شقيقه المستشار في الحكومة ولديه علاقات سياسية دولية عديدة ومعروف على الساحة العالمية فليس هناك من هو أكفأ منه في شغل هذا المنصب الحساس، أي منصب رئاسة الحكومة القادمة لاسيما وهو مقبول ومفضل من قبل الحلفاء الأكراد في الإئتلاف الحكومي القادم لأنه معروف باعتداله وصداقاته القديمة مع القادة الأكراد ولايمكن أن يتحول إلى ديكتاتور لأن ذلك يناقض مبادئه وتربيته وثقافته وقناعاته وتجربته الحياتية الطويلة جداً في المنفى القسري في أوروبا وفهمه العميق لنظريات وأشكال الحكم المتنوعة القائمة في العديدة من دول العالم وهو متدين ومستقيم لايمكن أن يسرق أو يحتال أو يتحيز للمقربين منه لأن مثله الأعلى هو الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام كما سمعته يقول ذلك بنفسي في الكثير من المناسبات التي جمعتني به. سيكون أمام رئيس الوزراء العراقي القادم مهام جسيمة وخطيرة وعاجلة عليه أن يكون فيها حازماً وعادلا ليستأصل آفة الإرهاب أولاً وبأسرع وقت وأقل التكاليف وأن يسيطر على الآلة الاقتصادية والإنتاجية ومحاربة الفساد والسرقات والتبذير والإلتفات للفقراء والمحتاجين والعاطلين عن العمل وتوفير الخدمات الضرورية العاجلة وعلى رأسها الطاقة الكهربائية والوقود والماء الصالح للشرب والطبابة والدواء والضامن الصحي والدعم العائلي ووسائل النقل الرخيصة والبدء ببرنامج حقيقي وواسع وطموح في إعادة الإعمار وإعادة الفرح والبسمة لشفاه العراقيين المحرومين منها طيلة أربعة عقود تقريباً.
إن اختيار الدكتور عادل عبد المهدي كرئيس للحكومة العراقية الشرعية القادمة من شأنه أن يخفف من حدة الاستقطاب المتفاقمة الآن ونحن على أعتاب العملية الانتخابية حيث تهدد الكثير من القوى السياسية منذ الآن بالتصعيد والمزيد من التوتر والطعن بنزاهة الانتخابات التي ستجري وفق قانون انتخابات جديد أقر قبل أيام من قبل البرلمان العراقي وما سيحصل فيها من تزوير وخروقات مع ما ينطوي على ذلك من مخاطر لاتحمد عقباها. هناك على قائمة المنافسة أشخاص يحاولون بكل الطرق الوصول الى هذا الموقع على رأسهم نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي الذي لا يريد التخلي عن منصبه إلا في حالة فشله الصريح في الانتخابات القادمة، وهناك بيان باقر جبر صولاغ الزبيدي الذي لا يخفي رغبته لكي يكون مرشح المجلس الأعلى لهذا المنصب، وكذلك أحمد عبد الهادي الجلبي، وكذلك التيار الصدري الذي يريد أن يكون المنصب من نصيبه ولقد رشح جعفر الصدر ابن المرجع الشهيد محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة وربما شخصية أخرى من بين صفوف التيار لو تعذر فرض السيد جعفر الصدر، وبالطبع اياد علاوي الذي ما يزال يحلم باستعادة منصب رئاسة الحكومة، إلا أن الكفة مازالت تميل لصالح الدكتور عادل عبد المهدي لحد الآن وقد نكون مخطئين في توقعاتنا وجل من لايخطيء.