لعل ولاية الأمر في الدول الإسلامية المسئول الأول عن هضم حقوق النساء خاصة وأن قوانين الأحوال الشخصية مستمدة من المذهب الحنفي والمالكي وغيرها بحسب مذاهب الشريعة الإسلامية. وتلعب ولاية الأمر دورا حاسما وقاصما في ترسيخ النظرة الدونية للمرأة في شتى مجالات الحياة مما يجعل إصلاح القشور غير فعال في حدوث إصلاح جذري في المجتمع وتكمن الخطورة ليس في هضم حقوق النساء ولكن في تراجع المجتمع برمته وغياب مفاهيم العدالة الاجتماعية بالنظر إلى أن النساء يحملن مسئولية تربية النشء الجديد وترسيخ قيم العدالة الاجتماعية ومفاهيم المستوى الحضاري فتغيب هذه المفاهيم من عملية التنشئة الاجتماعية وبالتالي يتراجع المجتمع بشموليته نظرا لأن جوانب الحياة متداخلة وتأثيرها جدلي ومتداخل.
تعرف ولاية الأمر في الفقه الإسلامي على أنها quot;الصلاحية القانونية الممنوحة لشخص مؤهل وكفؤ لحماية مصالح وحقوق شخص آخر يفتقر إلى القدرة على حمايتها بشكل مستقلquot;. أما الأشخاص الذين يوضعون تحت ولاية الأمر فهم ثلاثة: القاصر والمجنون والمرأة. وبموجب هذا التحديد فإن ولاية الأمر تذهب إلى الرجل إذ لا يمكن أن تكون المرأة ولي أمر المرأة. ويرى أبو زهرة العالم الإسلامي المصري أن ولاية الأمر تنقضي بزوال السبب فالقاصر يصبح مستقلا فور بلوغه سن الرشد والمجنون يصبح مستقلا فور عودة العقل إليه أما المرأة فلا يمكنها التخلص من ولاية الأمر بزوال صفة الأنوثة عنها لأن هذه الصفة دائمة مما يعني أنها لن تصبح مستقلة أبدا. وبكلمات أخرى، فالمعنى الضمني أن المرأة تبقى قاصرا وغير عاقلة طوال العمر وهذا يستدعي ولاية الرجل على أمرها.
ترسخ قوانين الأحوال الشخصية في المجتمعات الإسلامية مكانة الذكر والسلطة الذكورية في المجتمع وتمنحه حق ولاية الأمر حسب الترتيب من ناحية القرابة. وتضع هذه القوانين المرأة تحت ولاية الأمر إلى سن معينة كما في الأردن حيث تكون ولاية الأمر حتى سن الثلاثين بحسب المادة 185 من القسم الثالث من قانون الأحوال الشخصية الأردني لعام 2010 وقد تمتد فترة الولاية إذا كانت المرأة غير أهل للثقة. وفي السعودية واليمن تمتد ولاية الأمر طوال العمر. وتوضح القوانين أن سبب ولاية الأمر هو أن النساء قاصرات ومعتمدات على الرجل بحسب قربه في هيكل الأسرة. ويفسر الفقهاء ولاية الأمر بأنها تكليف للرجل لحماية المرأة وهذا يعني أنها لا تستطيع الزواج دون موافقته ولا تستطيع السفر دون موافقته ولا تستطيع الحصول على أوراق ثبوتية دون موافقته ويستطيع بسهولة التقدم بطلب رسمي لدى الدوائر لمنع إنجاز المعاملات الرسمية للمرأة التي تقع تحت ولايته. وفي هذه الصلاحية افتراض ضمني أن ولي الأمر يتمتع بصفات النزاهة والاستقامة. أما إذا أساء ولي الأمر استخدام صلاحيته، فللمرأة أن ترفع قضية في المحكمة تطلب فيها سحب حق ولاية الأمر من ولي الأمر لأنه يعضلها وإذا ما استطاعت المرأة إثبات العضل فإنها لا تتحرر من ولاية الأمر بل تنتقل ولاية الأمر إلى الرجل الثاني في الأسرة الذي قد يكون الأخ أو الجد أو العم.
وتكمن خطورة ولاية الأمر في أن الأحوال اليوم تغيرت عما كانت عليه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حيث كان هناك خطر وخوف من الغزوات وكان هناك كفار يستهدفون المسلمين ونساءهم كما أن المرأة لم تكن متعلمة ولم تكن ذات مال وتعتمد على الرجل في معيشتها. واليوم أصبحت المرأة متعلمة وذات دخل وأصبح هناك قانون يمنع الاعتداء على أفراد المجتمع. وقد نقلت وسائل الإعلام قصصا كثيرة عن عضل ولي الأمر الذي يمنع الفتاة من الزواج إذا كانت ذات مال ويمنعها من السفر من أجل الحفاظ على سمعة الأسرة وشرفها. غير أن اتهام الولي بالعضل من قبل الفتاة أو المرأة أمر في غاية الصعوبة لأنه مستهجن ويؤدي إلى تفكك الأسرة وانعدام المودة وانحلال الروابط الأسرية، ناهيك عن أن قيام المرأة برفع قضية على ولي أمرها يسيء إلى سمعتها في ظل مجتمع يعتبرها دائما الطرف الأضعف.
لقد أباح الإسلام تغيير القوانين ومنذ صدر الإسلام، قام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع مخصصات المؤلفة قلوبهم رغم وروده في القرآن الكريم وذلك لأن الأحوال تغيرت فلم يلتزم عمر بالنص تبعا لتغير المصلحة. وعندما حدثت المجاعة أوقف عمر عقوبة قطع يد السارق. كما روي عن الإمام الشافعي أنه حين انتقل من العراق إلى مصر قام بتمزيق اجتهاداته القديمة وغيرها تبعا لما اتضح له من الظروف الجديدة في مصر. إذن فتغير الظروف لا يبيح تغير الأحكام فقط بل ويوجبها لكي يستقيم حال المجتمع في ظل المتغيرات الجديدة. فالمرأة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كانت تعيش ظروفا مختلفة كليا عن العصر الحالي ويجب الاستجابة لهذه التغيرات من خلال تغيير القوانين.
إن خطورة ولاية الأمر منبثق من أن ولي الأمر في عصرنا هذا مدفوع بمآرب كثيرة آخرها حماية المرأة مما يجعل المرأة مرهونة بصلاح أخلاق ولي الأمر، فإذا صلحت، صلح حالها وإلا فإنها تعامل كأحد ممتلكات ولي الأمر.
.