من مفكرة سفير عربي في اليابان


بعد أن انتهت الزيارة التي قمت بها مع ضيوف من اليابان لمدينة دبي، نيويورك الشرق الجميل، توجهنا لزيارة بلدي الحبيب، مملكة البحرين. ويمكن أن أختصر انطباع ضيوف اليابان لزيارة بلدي بتعليقهم: quot;بلد رائع، فمنذ اللحظة التي حطت أرجلنا في هذه المملكة الجميلة، أحسننا بحرارة الود، وصداقة الشعب. كما لاحظنا بأن الهواء نقي في جميع المناطق التي زرناها، فعادة تتلوث افرازات الأنف بلون أسود في البلاد الملوثة، ولم نلاحظ ذلك هنا. كما أعجبنا بتاريخ، وحضارة، وثقافة، ونظافة، هذه المملكة، وأدهشتنا البنية التحتية، وطريقة تخطيط الحكومة لمدنها الشعبية الجديدة، والتي تجمع فيها بين المساكن، والمدارس، والمراكز الصحية، وإدارات شرطة المجتمع، ومراكز التسوق، وأهم ما لفت نظرنا مجانية الرعاية الصحية والتعليم. كما استمتعنا بالأسواق التقليدية، والحديثة، وأعجبنا بالذهب واللؤلؤ البحريني. وقد دهشنا لعمق التاريخ، والذي أبرزته زيارتنا لمتحف البحرين الوطني، وقلعة البحرين، والمتحف المرافق له، والذي يصور، بشكل جميل، غزارة التاريخ البحريني منذ حضارة ديلمون، ومرروا بحضارة تايلوس، والعصر الإسلامي، وانتهاءا بالاستعمار البرتغالي، والحماية البريطانية. كما لفت نظرنا تنوع الاقتصاد البحريني، ودهشنا حينما اكتشفنا بأن موارد النفط والغاز تمثل فقط 20% من الناتج المحلي الاجمالي، كما ان مملكة البحرين مركزا مالي مرموق، وخاصة في مجال نظام المصارف الاسلامية. ونعتقد بأن مملكة البحرين يمكن أن تكون مركزا سياحيا مهما لليابانيين، كما أن هناك فرص استثمارية كثيرة لليابان في هذه المنطقة.quot;
وبينما أنا مشغول برفقة ضيوف اليابان، ومنبهر بما حققته مملكة البحرين خلال العقد المنصرم خلال وجودي في اليابان، كسفير لمملكتنا الجميلة، لفت نظري تصريح لزعيم المعارضة البحرينية ورئيس جمعية الوفاق الاسلامية، عبر حسابه الخاص بتويتر في يوم 22 ديسمبر من عام2013، يقول فيه: quot;البحرين ينتظرها مصيرا اقتصاديا أسودا. بفعل سياسات النظام الاقتصادية والسياسية. خياراتنا السياسية والاقتصادية تنبع من المصالح الشخصية لمجموعة قليلة من المتنفذين، وعلى حساب عموم الشعب. أن الثورة البحرينية جاءت كأحد نتائج هذه السياسات السياسية والاقتصادية الخاطئة. والثورة وفق لمسؤوليتها وأهدافها، هو ايقاف هذا المصير الأسود، وتصحيح المسار، وأن هذا التصحيح لن يتحقق إلا باستبدال الاستبداد والاستفراد بالقرار الى المشاركة الشعبية الحقيقية والديمقراطية.quot;
كما كرر زعيم المعارضة البحرينية الحديث عما اعتبره: quot;مؤشرات المصير الأسود الذي تسبب به النظام عبر سياساته الخاطئة ومنها، انتشار الفساد، وتجدره في كل مناحي الحياة الاقتصادية في البلاد ... وتباطؤ النمو الاقتصادي سنة بعد سنة بسبب فشل السياسات الحكومية... واستمرار الاعتماد على النفط والغاز كمصدر شبه وحيد للميزانية العامة، وعجز النظام عن زيادة دخل المواطن، وتراجع الدخل الحقيقي بسبب التضخم السنوي، واستمرار زيادة الفجوة بين الاغنياء والفقراء بسبب الفشل الحكومي في تحقيق التوزيع العادل للثروة الوطنية، وكلها اسباب لهاوية اقتصادية.quot;
وأنهى رئيس جمعية الوفاق تصريحه بالقول: quot;ولا يمكن إيقاف هذا المصير الأسود المحتوم اقتصاديا، إلا بتغيرات جذرية سياسية، تقود لتغيرات جذرية في الخيارات الاقتصادية. ولا يمكن ايقاف هذا المسلسل إلا بتغيير جذري في النظام السياسي المسئول عن هذا الفساد والفشل الاقتصادي- فمع استمرار تهميش الشعب من تشكيل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ستزداد الأوضاع سوءا سنة بعد أخرى- ولن يجد أبناءنا الوظائف الملائمة، ولا الدخل الذي يكفل لهم الحياة الكريمة.quot; لقد اندهشت من قراءة خطاب زعيم المعارضة، فنحن، أنا وزملائي، كدبلوماسيين، نعمل جاهدين لجذب الاستثمارات الاجنبية إلى مملكة البحرين الجميلة، بتسويق انجازاتها، وثقافتها، وتاريخها، وحضارتاها، وقوانينها واستقرارها الذي يحمي رأس المال، بينما يدعي زعيم المعارضة بأن وطنه في طريقه لهاوية سوداء اقتصادية، بل أن quot;الثورة البحرينيةquot; أتت لتصحيح هذا المسار.
لقد ذكرني هذا التصريح بما حدث في عام 2011 في وطننا العربي وفي مختلف أنحاء العالم، والذي سماها رئيس زعيم المعارضة البحرينية بquot;الثورة البحرينيةquot;، والتي خير من وصف حقائقها، عالم الاقتصاد الأمريكي، البروفيسور جوزيف ستجلتز، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، والمستشار الاقتصادي السابق للرئيس الأمريكي بل كلنتون، حيث كتب في كتابه ثمن اللامساواة، يقول: هناك لحظات في التاريخ يقف فيها جميع شعوب العالم ليصرخوا بأن هناك خطئ ما، ليبدأ عصر جديد، فقد يكون عام 2011 من أحد هذه اللحظات. فانتفاضة الشباب التي بدأت في تونس، وبسرعة انتشرت بين الشباب في اسبانيا، واليونان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وباقي دول العالم. وقد كان لهؤلاء الشباب أسبابهم للخروج للشارع، وقد كانوا المتظاهرين محقيين. فالفجوة بين ما كان يجب أن يحققه نظامنا السياسي والاقتصادي، وبين ما تم فعلا تحقيقه كبير، ولا يمكن تجاهله. ولم تعالج حكومات العالم تحديات العولمة الاقتصادية، وخاصة بعد أن ضحت قوانين العولمة بقيم العدالة الاجتماعية، لخدمة القلة من الجشعين، ليصبح الشعور بالظلم شعور بالخيانة. ولم تكن هناك فرصة للدفع بعملية التغير في الشرق الأوسط بالآلية الديمقراطية، كما فشلت أيضا السياسات الانتخابية في الولايات المتحدة، وباقي دول الغرب. فقد ثبت بأن سوق العولمة الحرة لم تكن كفئة. فقد أدى انفلات سوق العولمة الحرة من الانظمة والقوانين، مع الحكومات الغير الفعالة، للأزمة المالية لعام 2008، والتي سبب أيضا محاولة انقاد النظام المالي العالمي من الافلاس، إلى افلاس حكومات دول الغرب، لينتهي العالم بالأزمة الاقتصادية لعام 2010(انتهي).
تلاحظ عزيزي القارئ كيف خطأ زعيم المعارضة البحرينية في تسمية الانتفاضة العالمية ضد سوق العولمة الحرة المنفلتة عن الانظمة والقوانين، بquot;الثورة البحرينيةquot;. وليسمح لي القارئ العزيز أن أطرح الاسئلة التالية: هل يعقل أن يسوق زعيم المعارضة بلده بالادعاء بأنه ينتظرها مصيرا اقتصاديا أسودا بسبب السياسات الاقتصادية والسياسية؟ ألم يدرس هذا الزعيم quot;الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين لعام 2030quot;، والتي تهدف لرفع نصيب الفرد من النتاج المحلي الاجمالي إلى الضعف مع حلول عام 2030؟ وما قصده من أن خياراتنا السياسية والاقتصادية تنبع من المصالح الشخصية لمجموعة قليلة من المتنفذين وعلى حساب عموم الشعب؟ ألم تنبع خياراتنا السياسية والاقتصادية من ميثاق العمل الوطني الذي صوت عليه أكثر من 97% من شعب البحرين؟ وما قصده بquot;الثورة البحرينيةquot;، هل ما حدث في البحرين في عام 2011 هي فعلا ثورة بحرينية، أم ما هي إلا جزءا من انتفاضة شباب العولمة، والتي طالب فيها شباب العالم لتصحيح مسار العولمة، بعد أن حولت التكنولوجيا كوكبنا الأرضي لقرية عولمة كونية صغيرة؟ ألم تحاول بعض الأحزاب الدينية في المنطقة استغلال انتفاضة العولمة للسيطرة على الحكم، وبإسم الدين؟ وما هي الثورة البحرينية التي يصبو هذا الزعيم لتحقيقها؟ هل ثورة على النمط الايراني، التي أدخلت ايران في حروب متلاحقة، لتنهك اقتصاده، وتفقر شعبه، ولتجتمع الاموال في جيوب حفنة لوردات حروب متطرفة جشعة؟ وما الذي يعنيه هذا الزعيم بالتصحيح لن يتحقق إلا باستبدال الاستبداد والاستفراد، بالقرار الى المشاركة الشعبية الحقيقية والديمقراطية؟ ألم تدعى جمعيته للمشاركة بالبرلمان فرفضته أولا، ثم رجعت فشاركت بعد أن طارت الطيور بأرزاقها، ورجعت وانسحبت حينما كانت البلاد في أشد الحاجة لنواباها خلال أزمة عام 2011؟
وكما ذكر زعيم المعارضة البحرينية بأن الفساد الذي تحدث عنه قد كشفته تقارير الرقابة المالية، اليس نشر تلك التقارير هي نتيجة للإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تمت في مملكة البحرين، لكشف بؤر الفساد ومحاولة التخلص منها؟ وهل انسحاب جمعيته من البرلمان ساعد على خفض نسب الفساد الذي تحدث عنها، أم زاد من هذه النسبة؟ وهل سبب تباطؤ النمو الاقتصادي فشل الاصلاحات، أم بسبب سوء القرارات الانفعالية لجمعيته؟ وهل ما تحدث عنه عن استمرار هروب رؤوس الأموال الداخلية والخارجية هو بسبب تلك الاصلاحات، ام بسبب التحريض الانفعالي من رفاقه للشباب على العنف والتطرف والانقلاب؟ أليس سبب زيادة الدين العام الأزمة التي سببته جمعيته بانسحابها من البرلمان والحكومة؟ وما الذي قدمته جمعيته الموقرة لخفض استمرار زيادة الفجوة بين الاغنياء والفقراء؟ وهل صحيح ما قاله بعدم تنوع مصادر الدخل في الاقتصاد البحريني، والاعتماد فقط على النفط؟ وما قصده بأنه لا يمكن ايقاف هذا المسلسل الأسود إلا بتغيير جذري في النظام السياسي؟ هل يريد أن يحول مملكة البحرين إلى جمهورية ثيولوجية إيرانية؟ وهل يتصور بأن الشعب البحريني المتحضر والمتنور سيقبل بتجربة نظام فاشلة، انتهت بعد ثلاثة عقود باقتصاد مدمر، ودكتاتورية ثيولوجية ليس فقط في الحكم، بل أيضا على مستوى الحياة الشخصية للمواطنين؟
وماذا يقصد زعيم المعارضة البحرينية باستمرار تهميش الشعب من تشكيل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية؟ ألم يرجع جلالة لملك جميع السياسيين المنفيين، ويبيض السجون، ويدفع لتحقيق ميثاق وطني صوت عليه بنزاهة أكثر من 97% من شعب البحرين؟ وقد ينتقد هذا الزعيم دستور البلاد لان مجلس الشورى معين، اليست الديمقراطية ثقافة تعليم تدريجية؟ ألم تحقق اليابان تطورها الصناعي في القرن التاسع عشر بدستور يجمع بين مجلس نيابي منتخب ومجلس نبلاء معين من جلالة الإمبراطور؟ أليس من الحكمة أن تبدأ العلمية الديمقراطية تدريجيا وتتطور مع تقدم التجربة؟ أم يريد سعادته انتخابات يقرر نتائجها رجل دين متطرف، يفرض على الشعب نواب البرلمان، وإلا سيدخلهم نار جهنم؟ أليس من الحكمة أن يبدأ الاصلاح السياسي بشكل تدريجي، لإعطاء الفرصة لخلق الثقة بين الاطراف المتصارعة، لتتطور التجربة مع زيادة الثقة بين مختلف أطياف الشعب ومع القياده؟
وتبقي الأسئلة الأخيرة لرئيس جمعية الوفاق: هل حان الوقت لاستقالتك عن مسئولياتك السياسية والتفرغ لواجبك الديني، لنشر القيم الروحية المطلقة للأخلاق والفضيلة، بدل تلويث سمعتك في دهاليز السياسة النسبية الوعرة؟ ألم يحن الوقت لكي تتحول جمعيتك من جمعية ثيولوجية طائفية، إلى جمعية وطنية، تضم تحت جناحيها جميع أبناء الوطن المخلصين، وتهدف لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لرفع مؤشر السعادة بين أفراد الشعب البحريني؟ الم يحن الوقت لجمعيتك ان تبدأ العمل على تشجيع الشباب والشابات على الانتاجية المبدعة والعمل الحر، بدل التفرغ في النقد الأسود السلبي المزمن والذي سيدفع بمملكتنا الجميلة لنفق مظلم؟ ألم يحن الوقت أن تستفيد جمعيتك من التجربة اليابانية والتي قبلت بالدستور الذي فرضه عليها المستعمر الأمريكي، واستطاعت من خلاله ان تتحول من أرض محروقة إلى ثاني اقتصاد عالمي، كما حولت عدوها الأمريكي إلى شريك مخلص، استفادت من تكنولوجيته المتطورة لتحقيق معجزتها الاقتصادية؟ ولنا لقاء.

د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان