منذ تصاعد ميلشيات داعش المُخزية، والجدل يحتدم حول الاسلام، عبر تكرار خطاب هجائي للاسلام باعتبار أن داعش ليست سوى حلقة طويلة من حلقات تاريخ التعذيب في الاسلام، أو من خلال طرح تبسيطي بكون القضية مجرد مؤامرة دولية لا علاقة لها بعقائدنا التي ترفل ببياض النقاء الوراثي. وهو أمر ليس بجديد منذ 1916 حيث تصاعد خطاب الاستشراق يوم ذاك. لكن المشكلة التي تتفاقم في وسط هذا الخراب العملي، لها موازٍ آخر هو الخراب النظري. فنحن اليوم لا نسأل (هل هذا الشيخ الذي يتحدث بالدين أو ذاك المثقف الناقد له، هل هو فعلاً له دراية بما يتحدث؟!) لنا في مصر والعراق نموذج واضح: شيوخ موديل و كتب لأقلام مجهولة التخصص، هذه هي الحالة في مصر منذ قرن كامل، كان الشيعة فيما سبق يهجون هذه الحالة باعتبارها تسطيحاً للفكر الديني لا يجعلنا نفهم لا الدين و لا الثقافة، لكن منذ 2003 وحتى الان يعيش الشيعة حالة مشابهة للسنة. فمنذ 2003 تصاعدت ظاهرة المدعين بمنصب المرجعية و الافتاء، والان انضم أليها ادعاء العرفان و التخصص في التصوف. مجرد أن تكون لك بعض الاطلاعات تتحول الى (المرجع الاعلى) كما فعل شخص يدعى الصرخي لا يفرق في كتبه حول علم الاصول (الفكر المتين ج3، مثلا) بين المسألة الاصولية و مسائل القواعد الفقهية، آخر يدعى قاسم الطائي لا حقيقة علمية له سوى كونه يقول إنه اضاف نسخة في السوق حول شرح كتاب كفاية الاصول، وهو شخص مُنكر في النجف والعراق يدعي المستفيدون منه ان هناك في مجاهل مدينة مشهد الايرانية من يقول باجتهاده! نموذج ثالث يبلغ حداً نفسياً عصيباً يدعى صالح الطائي يكتب عن نفسه بأن مقالاته حول القرآن هي (أحسن تفسير للقرآن الكريم في تاريخ الاسلام) و في مفتتح الجزء 43 من هذا الاسفاف يقول (يجب على كل مسلم و مسلمة تعلق بذمتهما الخمس و الزكاة شراء دوره من هذا التفسير) فهو الكاتب و الناقد المادح لما يكتب و الفقيه الذي يجب على الآخرين شراء أوراقه!! اما ما يكتبه في علم الاصول و الفقه فيحتاج الى برنامج باسم يوسف، نجمع فيه بهلوانيات عبدالملك السعدي و حسين المؤيد و شيخ دمشقية، وهي أقوال وكتب تدل على حاجة أصحابه للدخول إلى أقرب "شماعيه" ومشفى للامراض العصبية. وهذا بالطبع شيء قليل أمام قنوات خرافة مثل قناة صفا و الانوار وما شابه من دكاكين الأمراض النفسية، التي لن يكون لها تأثير لو لم يكن الناس يعيشون جهلا حقيقيا في أبسط أمور الدين الذي يتصارعون فيه و حوله.&

الوضع في دنيا الاسلاميين، سنة و شيعة، يبلغ حداً انفجارياً في عالم المحاضرات و الكتب، لا يكون معه الوضع مستغرباً أن يتحول الى حفلة جنون عسكرية.

&يراسلني في صفحتي الشخصية للتواصل الاجتماعي جملة من الشباب الذين يريدون أن يكونوا مشاهير و عرفاء و فقهاء في اسبوع واحد، بعدها تظهر لهم دورات في شرح الفصوص و العروة الوثقى و الكفاية و موسوعات افتاء، تترنح بين الصيغة اللفظية لما قيل في كتب سابقة، أو ملاحظات بالغة الهزل و الهزال، وبالطبع كل من لا تعجبه كتاباتهم فهو فاسق و كافر عليه لعنة الله.&

ونحن نعرف اليوم بفضل شبكة النت مدى سهولة الكتابة في الشعر و الرواية و الفقه و التصوف، عبر تكرار مضموني بتغييرات لفظية يمكن لأي هاوٍ للقراءة فعلها بدقائق معدودة، وهو أمر لا علاقة لها بإبداعية الكتابة و حقيقة الاضافة النوعية للفكر لا في الادب ولا في علوم الدين.

كنا في السابق نعاني من فقدان الموازين في عالم الادب حيث مجانية كون هذا أو هذه شاعر و شاعرة أو روائي و روائية، ويتم الاستقواء بشبكات العلاقات و المال لتسويق ديوان شعري او رواية او مكررات رسائل الماجستير المعروفة، حيث عشنا قرن كامل من بيانات شعرية لا تختلف في أمراض نرجسيتها عن البيانات الانقلابية للسياسيين.

كان الأمر مع المثقفين هيناً بعض الشيء لكونه في النهاية بلا صيغ إكراه جماعي بحجم الكارثة في دنيا الاسلاميين الجدد حيث يتم إجبارك على المدح أو السكوت لعمائم و أقلام، لا علم حقيقيا لها بالدين وتطرح نفسها كمفتي ديار و كمرجعية لها اتباعها و حواشيها و مؤسساتها، من بيت العرعور الى بيت رافع الرفاعي و الطائيين و الصرخي و غيرهم، مسافة واحدة لشوارع بيوتها موصدة الأبواب بوجه العلم، مشرعة بترحاب لكل فتنه، حيث نهمل الأمة العلماء أصحاب الاختصاص و تلتف حول أصحاب الادعاء، كنوع من التضامن المصلحي في صنع الاسماء و التسلق لخمط المناصب و الثروات والرمزية الاجتماعية، و لعله من هنا نُسب للامام الشافعي صرخته الموجعة تلك:

تموت الأُسد في الغابات جوعاً _ولحم الضأن تأكله الكــلاب

وبالطبع ليس هناك أكثر وحشية من كلاب أهل النار في الدنيا و الآخرة الذين يشوهون الدين و يجعلون الدنيا هشيما. وفي مناخ مزرعة الإيمان هذه، يستحيل النقد والحوار و يتعالى التنابز بالنباح، حيث انقرضت الأنسانية اليوم في دنيا العرب.

&