أما المنجمون الثلاثة فهم على التوالي، بشار وحسن ونوري، وأما النبوءة التي أطلقوها في بحر يومين اثنين، وكأنهم على موعد، فهي أن خطر سقوط النظام في سوريا قد زال.

فبالنسبة للأول نقلت وكالة إيتار تاس الروسية للأنباء عن رئيس الوزراء الروسي الأسبق سيرجي ستيباشين قوله quot; إن الأسد يتوقع انتهاء الكثير من المعارك في الصراع السوري بحلول نهاية العام، بعدها سنتحول إلى ما كنا نقوم به طوال الوقت، وهو محاربة الارهابيينquot;.

ثم أعلن حسن نصر الله في مقابلة مع جريدة السفير أن مرحلة سقوط نظام الأسد قد انتهت، بانيا نبوءته على أساس أن المعطيات الإقليمية والدولية قد تغيرت. وقالquot; ليس هناك في الأفق ما يظهر أن المعارضة قادرة على أن تقوم بحرب كبيرة. إن الذي حصل ويحصل في اللاذقية وكسب، مثلا، لا يمكن أن نسميه حربا كبرى. المعطيات الميدانية مطمئنة. quot;.

وكان نوري المالكي قد أطلق نبوءته في مقابلة أجرتها معه صحيفة دير شبيغل الألمانية مؤخرا، حيث قال: quot; قلنا للأميركيين من البداية إنهم لا يستطيعون إسقاط الأسد، وذلك عندما كان الكثير من المسؤولين في واشنطن يقولون إن الأسد سوف يسقط في غضون شهرين. لقد مرت الآن ثلاث سنوات ونظام الأسد لايزال موجودًاquot;. quot;كل ما أعرفه هو أن الحل العسكري لن يُسقط الأسد. لست أدافع عن النظام السوري، ولكن يجب أن ُيترك الحل للجانبين في سوريا، بدون تدخل خارجيquot;. فـ quot;إذا توقفت الولايات المتحدة والسعودية عن إملاء الأقوال والمواقف على الأطراف المعنية، عندها يمكن لطرفي الأزمة الجلوس معًا وإيجاد حلquot;.

لكن ما يجعل توقعات المنجمين الثلاثة قصورا في الهواء، وأمنيات بعيدة عن الواقع، عواملُ عديدة أولها السياسي.

فقد أعلنت إيران مؤخرا، بصراحة، أن quot; سوريا هي الساحة الأخيرة التي تقاتل بكل ما لديها من قوة لحمايتها من السقوط، لأن هذا السقوط يعني بداية الإطباق على إيران ذاتها وجرها إلى حرب مفتوحة غير محسوبةquot; جاء هذا على لسان نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية العميد غلام علي رشيد في كلمة في مدينة (ديزفول). وقال إن بلاده تساند سوريا دون حدود لأنها تمثل جبهتها الدفاع الأمامية.

وهذا الإعلان يسقط عن قوات حسن نصر الله ومليشيات نوري المالكي والحوثيين صفة الجهاد المذهبي التي كانوا يتذرعون بها لتبرير اشتراكهم في قتل السوريين. فهو يثبت أنهم موجودون في سوريا دفاعا عن النفوذ التوسعي الاستيطاني الإيراني، وليس عن رايات الحسين، ولا عن مقام السيدة زينب، ولا عن سواه. وكشف أيضا أن الحرب الدائرة في سوريا على امتداد ثلاث سنوات هي حرب إيران بالدرجة الأولى، وأن نظام الأسد ليس سوى غطائها المحلي فقط لا غير. إضافة إلى أن إعلان نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية هذا يثبت عليهم تهمة العمالة والولاء المطلق لللنظام الإيراني، وهو بالتالي يوحد في مواجهتهم جميع القوى والأحزاب والدول التي تناصب إيران العداء ولا تريد لها أن تتوسع في المنطقة.

كما أنه، من ناحية أخرى، يفضح حسن نصر الله، ويخرجه من خانة رجال الدين ويجعله رجل سياسة ورئيس مليشيا يؤدي دورا مرسوما له في طهران. بمعنى آخر. إن هذا الإعلان يقول إن حسن نصر الله كان يكذب على الله وعلى نفسه وعلى حزبه وطائفته في مزاعمه السابقة حول الدفاع عن مواقع دينية، تارة، وحول حماية قرى شيعية سورية تارة أخرى، ومنع تسلل التكفيريين إلى لبنان، تارة ثالثة.

أما العامل الآخر الذي يعاكس المنجمين الثلاثة فهو العامل العراقي وتفاعلاته وتأثيراته وتقلباته المتلاحقة. والظاهر أن إيران بدأت تقرأ الساحة العراقية بشيء من الواقعية، وصارت تشعر بخوف حقيقي من أن ُتفجر الانتخاباتُ القريبة صراعا طائفيا وقوميا واسعا يهدد نفوذها، بشكل أو بآخر، أو على الأقل يضيف إلى مشاغلها السورية مشاغل جديدة هي في غنى عنها في الوقت الراهن.

ويبدو ذلك واضحا فيما بدأ يُعلن من تحالفات جديدة تقام بين (جماعتها) في المجلس الأعلى ومعسكر مقتدى ومرجعيات النجف تتمرد، علنا وبإصرار، على عودة نوري المالكي في دورة ثالثة.

ومن الطبيعي أن تمردا شيعيا عراقيا من هذا الوزن ما كان ليحدث لولا ترخيص، أو على الأقل، (تطنيش) من قاسم سليماني الذي أقام في بغداد أياما عديدة لضبط إيقاع التحالفات الانتخابية داخل المعسكر الشيعي العراقي.

وإذا ما حدث ذلك، ويبدو أنه هو الذي سيحدث لا محالة، فإن أي حكومة عراقية جديدة لابد أن تخفف، ولو قليلا، من علنية رضوخها للوصاية الإيرانية، ولابد لها أيضا أن تقوم بتصحيح أخطاء الحكومة السابقة، وأولها وأهمها وقف الدعم العسكري والمالي والسياسي المفضوح لبشار الأسد، أو خفض نسبته إلى أقصى حدوده الممكنة. ومعنى هذا أن النظام الأسدي سيفقد معبرا مهما جدا وحيويا للسلاح والمال الرجال.

أما العامل الثالث، وهو الأهم والأكثر قدرة على تحديد مسار الحرب الساحة السورية ذاتها، والذي لا يراه المنجمون الثلاثة، فهو صمود الشعب السوري الذي أثبت أنه شعب من نوع فريد لم تستطع أسلحة روسيا ولا مليشيات إيران أن تضعف عزيمته القتالية، رغم شحة سلاحه وكثرة خصومه المحليين والوافدين وعنف حرب الإبادة الجماعية التي يشنونها جميعُهم عليه.

وليس أمام هذا الشعب الأبي والشجاع سوى الاستمرار في صموده حتى النهاية. فهو أعرف من سواه بأن الثمن الباهض لابد أن يدفعه في الحالتين، حالة ثباته في المعارك إلى نهايتها، وحالة استسلامه لشبيحة النظام وحرس إيران وجلادي حزب الله ومليشيات نوري المالكي. وهذا ما يزيد من بسالة ثواره، وهو أيضا ما يفسر عجز كل ما حشدته إيران وحليفها السوري من قوة مدفعية وصاروخية وجوية وحتى كيماوية عن استرجاع بضع كيلومترات في حلب أو درعا أو الساحل أو الغوطة.

وما حققه الثوار مؤخرا من انتصارات، حتى وإن شكك حسن نصر الله بقيمتها الاستراتيجية، يؤكد عجز أعداء الشعب السوري عن استرجاع مناطق حررها الثوار، أو فك حصار مواقع أخرى حيوية في دمشق واللاذقية بالتحديد.

وأهم ما تفعله هذه الانتصارات أنها تحرج القوى العربية والإقليمية والدولية الفاعلة، وتقنعها بأن استمرار هذه الحرب صار خطرا على مصالح الجميع، وأن إنهاءها لم يعد حاجة سورية فقط بل إقليمية ودولية أيضا.

ولا سبيل لوقف هذه المجزرة إلا بإجبار النظام على قبول الحل، ولكن بقوة الثورة ذاتها وما تحققه من مكاسب على الأرض. وليس هناك من حل يقبل به الشعب السوري، بعد كل ما قدمه من دماء وخراب بيوت، إلا حل واحد يشترط أول ما يشترط، نهاية حكم الأسد، بأي شكل من الأشكال.

فإذا لم يكن هذا الحصار والاستنفار والاستنزاف اليومي الذي يعيشه النظام منذ أكثر من عامين سقوطا، فماذا يمكن أن يسميه المنجمون؟!