آزاد اسكندر
حين كنتُ صغيراً كانت هذه لعبتي المفضلة، كنا نقسم أطفال المنطقة إلى مجموعتين، شرطة و حرامية، في البداية نترك الحرامية يهربون ثم نبدأ بملاحقتهم، فإذا قُبِضَ عليهم جميعاً نتبادل الأدوار فتصير الشرطة حرامية و الحرامية شرطة. في هذه اللعبة، تغيير اللاعبين لا يعني شيئاً كثيراً فهي مستمرة إلى ما شئنا لها الاستمرار أو ما شاءت لنا أجسادنا الصغيرة، فإما يهدنا التعب أو يهبط الظلام فنتفرق.
هذه أيضاً لعبة الطائفية السياسية في العراق منذ 2003، مع فارق أنَّ وقود لعبة المحاصصة الطائفية هو مستقبل و دماء و موارد العراقيين. في لعبة الاستنزاف و القتل و الدمار الطائفية تتبدل الأدوار هنا و هناك، تتبادل الوجوه مواقعها لكن قوانين اللعبة لا تُمس. مادامت اللعبة محكومة بقوانينها الطائفية فإن تغيير الوجوه لن يغير شيئاً. لا بديل عن هدم قانون هذه اللعبة الدموية من الأساس، لعبة انتخاب مرشحي الطائفة و القومية و العشيرة الخ.
كسر الاستقطاب الطائفي لن يتم إلا بانتخاب القوائم المدنية لأنها خارج الاصطفاف الطائفي و الانقسام العنصري، لكن المعضلة أن نظام المحاصصة الطائفية في عراق اليوم هو صورة طبق الأصل عن مجتمع لم تبرهن أغلبيته بعد أنها تؤمن بعراق مدني فوق الأعراق و الطوائف. المرشح الطائفي يستند على واقع ضارب، جذورُهُ عميقة، و يلقى قبولاً واسعاً من الناس. المرشح المدني يتكئ على فشل الآخرين و سيرهم السيئة في الحكم و على خطاب لا يصل إلى كثير من شرائح المجتمع. من هنا، القوى و التيارات المدنية بحاجة إلى حضور أكبر على الأرض و نشاط مجتمعي أكثر فاعلية قبل التفكير بتحقيق النجاح المرجو في انتخابات عراقية.
العمل السياسي المدني لن ينجح كما يجب دون عمل مجتمعي موازي.
يبقى أن المسألة ليست مسألة أشخاص أو شعارات، كل ما سبق إذا تحقق، هو مجرد خطوة أولى لنبدأ من تحت الصفر، فإن انتخاب قائمة مدنية لا يحل مشاكل إساءة استخدام السلطة و نهب المال العام بضربة واحدة. ليست المسألة أن نختار رجلاً quot;شريفاًquot; لنضعه في موقع المسؤولية و ننتظر منه أن يقوم بالمهمة. الافراد عادةً - باستثناءات نادرة لا يُعتد بها- لا يقاومون إغراء السلطة و المال العام السائب في غياب نظام رقابي فعال و صارم و محايد و سلطة قضائية فوق رؤوس الجميع. أثبتت التجربة في العالم أجمع أن الفرق بين الدول ذات الديمقراطيات الراسخة و غيرها أن الأولى تراقب سياسييها و تحاسبهم. لذا فإنَّ التغيير الحقيقي ليس في تغيير الوجوه و إنما فيما يجب أن يتبع ذلك من بناء مؤسسات حقيقية و قوية.
في الأثناء يظل سؤال الانتخابات مصيرياً في عراق آيل للسقوط في فخ التقسيم، و المنفذ الوحيد نحو العراق الآمن المزدهر الذي نطمح إليه إنما يمر من بوابة كسر التابو الطائفي و العنصري، لكن القوى المدنية إذا لم تكسب الرهان الاجتماعي فستظل تحصل على أقليات لا تداوي جراح العراق.
* شاعر و كاتب عراقي