الشعب المصري خفيف دم، صاحب نكته في احلك الاوقات، و لكنه بلا ادني شك وطني و ذكي و صبور وان كانت حركته ثقيله مثل الفيل، الذي حمل اسمه رواية quot;الفيل الازرقquot; لاحمد مراد الشاب المصري، في الوقت أنه يبدو quot;امquot; الاتوبيس هو الذي يقرر مصير الدولة و انتخابات الرئيس!!.
و قبل حكاية quot;حلم الاتوبيس quot; للمرشح الرئاسي و رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور، نقف عند تلك الرواية التي تتحدث بعد خمس سنوات من العُزلة الاختيارية يستأنف د. يحيي عمله في مستشفي العباسية للصحة النفسية، حيث يجد في انتظاره مفاجأة..في quot;8 غربquot;؛ القسم الذي يقرر مصير مُرتكبي الجرائم، يُقابل صديقاً قديماً يحمل إليه ماضياً جاهد طويلاً لينساه، ويصبح مصيره فجأة بين يدي يحيي.. تعصف المفاجأت بيحيي وتنقلب حياته رأساً علي عقب، ليصبح ما بدأ كمحاولة لاكتشاف حقيقة صديقه، رحلةُ مثيرة لاكتشاف نفسه أو ما تبقي منها.(انتهي الاقتباس عن ملخص الرواية الصادرة عن دار الشروق 2012، من موقع ويكبيديا ).
وفي محاولة للمقارنه و التشبيه، مع فارق الشخصيات في الرواية، لكن الفكرة ذاتها تشير الي ان مصر بعد عزلة اجبارية عن الديمقراطية الحقيقية، و بعد حكم ازلي شمولي امتد لاكثر من ثلاثين عاما، يأتي رئيس منتخب في ظروف مشكوك بها و كيفية اعلانه رئيسا، تعصف المفاجأت به و تقلب حياته من رئيس الي سجين متهم بجرائم قتل (محمد مرسي)، قد يقابل يوما رئيسا استقال و يقبع في نفس السجن، (حسني مبارك)، و هو ايضا متهم بجرائم قتل متظاهرين، حيث جاهد طويلا، مرسي، لاقصاء مبارك عن حكم مصر او هكذا يدعي تيار الاخوان المسلميين، اللذين استغلوا ثورة الشباب المصري ليصلوا الي حكم مصر.
و تأتي الانتخابات المصرية التي تشير نتائجها المسبقة الي تيار جامح طالب المشير عبد الفتاح السيسي بالترشح معلنه فوزه المعنوي في الساحه قبل اقفال الصناديق في مواجهه لاخرين لم يتمكنوا من الحصول علي quot;توكيلات بالترشح تبلغ خمس و عشرون الفا و بحد ادني الف من كل محافظه، ليتنزع حمدين صباحي المرشح اليساري ذو الميول الناصرية في اللحظات الاخيرة ثلاث و ثلاثون الف توكيل، في مداعبه مصريه تقول ان بعض من منظري و رجالات الدولة لعبوا دورا حتى لا يكون المشير السيسي منفردا او مرشح التزكية، و هو قول فيه الكثير من الاختلاف و الخلاف و الحكمة في نفس الوقت.
و من ثم المرشح الاخر، مرتضي منصور، المحامي و صاحب اللسان اللاذع و ذائع الصيت، الذي كثيرا ما يستخدم quot;امquot; في كل مداخلته المتلفزة او لقائته، و اصبح فاكهه الموسم بعد تصريحات اطلقها علي باسم يوسف قائلا له quot;امك وصتني عليك quot;، و استخدم عبارات quot; ام quot; الانتخابات. و كلمة quot;امquot; استخدمها الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين للتعبير عن حربه مع الامريكان مع الفارق ان quot; امquot; المعارك اودت quot;بأمquot; العراق علي راي مرتضي منصور و طريقته في الوصف.
في قاموس مصر quot;ام quot; كذا كنايه عن السباب و الشتم و حاله القرف، و لكن تلك التعليقات الصادره عن المرشح الرئاسي مرتضي منصور، و الذي جمع ثمانيه عشر الف توكيل لخوض الانتخابات و في روايه اخري الفان فقط، و كان بأمكانه الاستمرار و حشد ما يخوله لخوضها، فجأه داهمه quot;ام quot; الاتوبيس في حلم غريب، يذكرنا بحلم شيخ من الاخوان المسلميين في الاردن، وقت الحرب العراقية حيث قال انه حلم بطير ابابيل يأتي لقتال الامريكان و يقذفهم بالحجارة و انه راي الملائكه في لباس ابيض يقاتلون مع جيش صدام، و هو نوع اخر من الهلوسه و الرؤي.
حلم مرتضى، بداْ و انتهي ثلاثه ايام قبل اغلاق باب الترشيح، و كان عباره عن رؤيته نفسه في اتوبيس باتجاه منطقه فم الخليج،( حي في منطقة مصر القديمه، في المنيل بعد الكوبري، حسب علمي )، و قابل في الحلم اثنان من الجيش احدهما برتبه عميد و الاخر رتبته ازيلت قالوا له نحن في طريقنا الي مصر الجديدة....استيقظ رئيس نادي الزمالك، المرشح لمنصب رئيس الجمهورية و اعلن عدم اكماله الترشح، و ليس الانسحاب لانه لم يقدم بعد اوراقه الرسمية ليقول انه مرشح معتمد مستوفي الشروط.
فكرة و تفسير الحلم، انه كان مرشحا لاجل الحفاظ علي مصر القديمة التي يعرفها لكن الرؤيه اوضحت له ان شخصا من الجيش سيقود مصر الي مصر الجديدة و قد نزع رتبته، اي ان المشير السيسي استقال و هو المقصود.
لقد بكي نجم النادي الاهلي، احمد شويبر و مقدم البرامج الرياضية المعروف، باستهزاء و سخرية من هذا الانسحاب، و بنفس الاسلوب الساخر علق الاعلامي عمرو اديب علي تلك الرؤيه في برنامجه القاهره اليوم، و حمد الشعب المصري ان مرتضي منصور لم يكمل الترشح و لم يفز بالانتخابات و الا كان مصير مصر بين quot;امquot; الاتوبيس و احلام الكمسري.
الخارطة الانتخابية يبدو انها فصلت علي المشير عبد الفتاح السيسي و حمدين الصباحي، و لن تخلوا من الطرافه، و النكات حيث اطلق مؤيدي حمدين صباحي quot;الكبير كبير و مش لازم يبقي مشير quot;، و قام الاعلام المصري بنبش سيرة المرشحين في اسلوب ديمقراطي بحت و هو حق من حقوق الناخب ليعرف من ينتخب فوجد المصريون انفسهم امام مشهد من فيلم الاخر للمخرج الراحل يوسف شاهين، من بطوله نبيله عبيد و محمود حميده و هاني سلامه الذي يظهر بصورة العاشق لحنان ترك، و يعمل في جريدة يراس تحريرها quot; حمدين صباحي quot; الذي ادي دورا صغيرا في الفيلم.
مراجعه سريعه للافلام المصرية في عهد الاحكام العرفية و الشمولية، يجد المصريون انفسهم امام فيلما يحمل اسم quot;احنا بتوع الاتوبيس quot;، من بطوله الراحل الفنان عبد المنعم مدبولي و عادل امام وسعيد عبد الغني من إنتاج عام 1979، تدور أحداث الفيلم حول التعذيب الذي كان يحدث في مصر خلال الحقبة الناصرية، وهو عن قصة حقيقية في كتاب quot;حوار خلف الأسوارquot; للكاتب الصحفي جلال الدين الحمامصي.
يبدو ان مصر تدور في فلك، quot;ام quot; الاتوبيس و quot;ام quot; الانتخابات علي راي مرتضي منصور.
بلا ادني شك، مصر تقدم حله جديدة، و ديمقراطية مليئة بالتندر و الفكاهة، هكذا هم المصريون الابطال، يطلقون النكات و يمرحون و يتندرون، رغم كل الصعاب و الالام و يقدمون التضحيات و في النهاية هم الثمرة الناضجة و نور الانفاق في عالم مليء بالعتمة السياسية و الانظمة الشمولية.