&&لم يسبق أن التبس الخطاب السياسي العراقي إلى الدرجة التي وصل إليها اليوم. هذا الالتباس ينعكس أيضا في الحديث الإقليمي والدولي عن عراق اليوم. وليس بعيدا عنا مشروع بايدن [ نائب اوباما] عن تقسيم العراق إلى دويلات كردية وشيعية وسنية.
لقد غاب الخطاب السياسي القائم على المعايير السياسية الوطنية والعلاقات الحزبية- الحزبية ليصبح قائما على الانتماءات المذهبية والقومية، مع استثناء غير المسلمين وحقوقهم ومطالبهم من خارطة العراق.
هذا الانهيار في المعايير السياسية الوطنية هو الذي قامت عليه "العملية السياسية" [حسب ما توصف]، أي المحاصصة.
إن حديث اليوم الدائر في العراق هو عن ولاية السيد المالكي الثلاثة، بعد ثماني سنوات من الفشل التام& في كل الميادين، سواء من حيث انتشار الفساد، أو التداعي الأمني، أو المسايرة التامة للمشيئة الإيرانية، أو مشكلة الخدمات، أو الصعود المرعب للطائفية والكراهية الطائفية، والاعتداءات المتكررة على حرية التظاهر والاعتصام السلميين، وعلى حرية الصحافة، وعلى اللاجئين العزل في أشرف وليبرتي .
صحيح، لقد ارتفعت رواتب ومبالغ تقاعدية، ولكن النسبة الكبيرة لا تزال مع أو تحت خط الفقر، والطبقة المتوسطة تواجه مصاعب جمة. أما الاقتصاد، فما عدا العائدات النفطية والتركيز على إنتاج النفط، فإن أية مشاريع صناعية وإروائية جديدة وهامة لم تقم في العراق خلال السنوات الماضية وذلك برغم زيادة العائدات وارتفاع الميزانية.
السياسات العراقية القائمة تتخبط، والنخبة السياسية أجمع ليست بمستوى التحديات في عراق يعيش أزمة بعد أزمة، وفي منطقة تغلي وتلتقي عندها الأزمات والحروب، وحيث صعود الإرهاب. الانتخابات السابقة، التي لم يحترموا نتائجها، أدت لتعقيد الأمور والمشكلات، والانتخابات التي انتهت للتو لن تكون المعجزة إن لم تؤد لمزيد من التعقيدات وتعميقها& ما دامت العقلية المهيمنة عقلية طائفية بامتياز، وما دامت إيران هي سيدة الموقف وأيا تكن إرادة الغالبية العراقية.
لقد تفاقم الشرخ الطائفي مع مجازر الحويجة والأنبار التي كان يمكن ويجب تفاديها بالحكمة، وتلبية كل ما هو عملي ومشروع من المطالب، وبذلك أيضا تعزل العناصر الإرهابية المندسة وتحارب بصفوف أوسع وأقوى، كما جرى أيام الصحوات التي تنكرت لها الحكومة بدلا من تعزيزها وتلبية استحقاقاتها. فقد ضربت القاعدة ضربات قاصمة بفضل الصحوات والقوات الأميركية والعراقية، وبدا أن أمل التلاحم الوطني العام بات& ممكن التحقيق، ولكن سلبية الحكومة وجفاءها والرغبات الإيرانية أفسدت كل شيء، وساعدت على عودة الخطر القاعدي. وكما قلنا مرارا، فإن الإرهاب لا يتجزأ بسبب المذهب والانتماء، وإن حكومة ترعى وتحتضن مليشيات إرهابية شيعية تابعة للولي الفقيه لا يمكن أن تكون ذات مصداقية في ادعاء محاربة الإرهاب القاعدي " السني".
لو راجعنا تسلسل التطورات منذ سقوط النظام البعثي، لوجدنا أن من بين أهم معوقات ومثبطات قيام حياة سياسية سليمة في العراق كان هذا التحالف " الإستراتيجي" بين التحالف الكردستاني والأحزاب الشيعة تحت عنوان تحالف "الكورد والشيعة". وهذا& عنوان خاطئ لأن هذه الأحزاب لا تمثل كل الشيعة، وهي تستثني غير الحزبيين وترفض العلمانيين والتقدميين من دعاة الدولة المدنية ورافضي مبدأ ولاية الفقيه وتدخل رجال الدين في سياسات الدولة والحكم.& وإن هذه الأحزاب ظلت تستعين بالمرجعية الدينية، سواء في النجف أو في طهران وقم، وهو ما يتعارض مع الديمقراطية والدولة المدنية.
أجل، بفضل التحالف المذكور بين التحالف الكردستاني وما سمي ب" البيت الشيعي" السياسي، طرحت جانبا نتائج الانتخابات السابقة وكذلك اتفاقيات أربيل، وأمكن قيام الولاية الثانية. واليوم، وفي مجرى الفورة القائمة عن الولاية الثالثة بين مؤيد ومعارض، ترتفع أصوات كردية ديمقراطية تدين ما تعتبره محاولات بعض الدول للتشويش على العلاقات "الكوردية- الشيعية"، والقصد هنا التشويش على العلاقات مع حزب الدعوة بالذات لأنه هو مدار ومحور الولاية الثالثة. ومهما كان اجتهاد هؤلاء عن الولاية الثالثة، فأن الواجب أن يعبروا عن موقفهم الداعم للولاية الثالثة بصيغة أخرى سياسية عامة لا عرقية – مذهبية فضفاضة- أي أن يعلنوا أنهم مع الولاية الثالثة للمالكي وحزبه كأحزاب سياسية وليس كقوميات ومذاهب، علما بأن الشعب العراقي لا يتلخص في الأكراد والشيعة وحسب برغم أنهم الأكثرية التي تحملت اكبر الأعباء في النضال والتضحيات . وفي هذا الوقت نفسه، ترتفع صرخات الثأر من الكورد لا من الخارج بل من بين صفوف حزب الدعوة نفسه على لسان النائبة إياها، مشعلة الفتن الطائفية والعرقية، وذلك بحجة تصدير النفط. والأحرى بالنائبة، المهووسة بالقتال ضد غير الدعويين، أن تراجع دستورهم المتصادم والمتناقض، والذي يكاد يحول كل محافظة، لا كل إقليم وحسب، إلى دولة مستقلة. فالمصيبة هناك، والدستور كان من نظم وتلحين وغناء ما سمي ب"البيت الشيعي" السياسي قبل أن يؤيده الآخرون....
&