من حديث الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور مؤخراً: أن اليمن تعرضت الى مؤامرة من الداخل والخارج "مبرراً استيلاء الميليشيات الحوثية على العاصمة صنعاء ومحاصرتها" الى ما قبله من تموج الصراعات الواقعة في العراق وسوريا ومنطقة الخليج العربي تمر بمرحلة مخاض لا تدرك نتائجه اللاحقة على دولها!

ذكرنا بمقالات سابقة أن على دول مجلس التعاون وبالأخص المملكة العربية السعودية أن تسابق الزمن ليس لمجاراة السيناريو الدولي المخصص للمنطقة بل التفوق عليه وتفكيك اجزائه التي تتعارض مع مصالحها الداخلية وتجيير الأحداث على الارض لفائدتها باعتبارها محور أساسي مستدام ضمن اللعبة السياسية لا فصلاً من فصولها!.

عملية الركون والاطمئنان للسياسات الدولية أصبحت شق من الماضي والتجارب القريبة في المنطقة العربية من لا يأخذ بعبرها فلا شك سيكون ضحيتها لاحقاً. لذا أصبح من الواجب على دول الخليج العربي "وإن كان الحديث مكرراً ومتأخراً" أن تمتلك قواها العسكرية الذاتية القادرة على حماية كيانها دون الحاجة الى الاعتماد بشكل مؤثر على تحالفات دولية عند كل طارئ تخضع لميزان الضغوط السياسية والتنازلات والابتزاز والهدر المالي!. امتلاك قوة الردع الذاتية كافية لتفرض نفسها بالتالي على لغة التخاطب ومستواها حين مجابهة الأضداد.

التحالف الدولي الأخير بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم داعش تحديدا في سوريا والعراق وإن كان إيجابيا في أطاره العام إلا أن على الدول المشاركة به وخصوصا دول الخليج أن تعرف نتائجه المستهدفة مسبقاً بتفاصيلها التراتبية؟! وماهي تلك الفصائل والمكونات التي ستشغل مكان تنظيم داعش أو القاعدة بعد ازاحتها عن الأرض!. وما دورها في تحقيق الاستقرار والمشاركة الشاملة في دولها دون الانفراد بالسلطة؟ والأهم ماهي فائدة تراميات الحدث والمشاركة في ذلك التحالف ( بافتراض أن يكون موجهاً على كافة أشكال الإرهاب دون استثناء أي طرف) على استقرار منطقة الخليج دون اختزال دور دولها لاحقاً كما حدث في السابق حين تم أزاحه الرئيس العراقي السابق صدام حسين وتسليم العراق العربي للهيمنة الإيرانية بدل المشاركة الشعبية الشاملة كما وعٌد!.

ليس سراً أن تنظيم داعش ومنذ بداياته نما وتوسع تحت ظل أعين الإدارات السياسية لعدة دول منها السورية والعراقية والأمريكية والتركية والإيرانية وكلً حاول الاستفادة من تواجده ضمن اللعبة السياسية في المنطقة فالأولى استخدمته كحرب بالوكالة عنها للتواجد الأمريكي بالعراق خوفا من أن يطالها الغزو بعد العراق مباشرة ومن ثم استخدمته داخليا بتبرير محاولاتها القضاء على الثورة الشعبية لديها باعتبار أن من تقاتلهم إنما هم تنظيم إرهابي وبالتالي محاولة الحصول على التعاطف الدولي معها! والثانية استخدمته ضمن اللعبة الانتخابية بفترة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي تحت مقولة " اما انا أو الإرهاب ". والثالثة ها هي تعود لتصدر الأحداث في المنطقة من باب تنظيم داعش نفسه! ولإعادة التوازنات السياسية في المنطقة وترتيب البيت العراقي والسوري في آن واحد مضافا اليه مصالحها في المنطقة العربية ومنطقة الخليج ومحاولة كسب ثقة دولها مجدداً باعتبارها رقما صعبا " أي أمريكا" لا يمكن الحيد عنه في تحقيق الأمن لدول المنطقة!. اما الرابعة "تركيا" فاستخدمته ضمن علاقاتها المتضادة مع النظام السوري ولتحجيم دور حزب العمال الكردستاني (PKK-YPG-HPG) على الأراضي السورية مضافا اليه تحقيق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية من خلال تشعبات علاقاتها بالفصائل المسلحة المحسوبة على الجانب السني وتأثيرها سواء بالتواجد على أرض العراق أو سوريا ضمن مفهوم توازن القوى كما تفعل ايران. على أن أحد الميزات قد فقدت منها بالأمس القريب بعد قرار مجلس الأمن بالإجماع على حظر تدفق المقاتلين الأجانب الى سوريا او العراق والتي كانت تركيا تمثل أحد بواباته الرئيسية!. اما الأخيرة "ايران" فيمكن أن يقال عنها أنها لعبت مع جميع الأطراف لتحقيق مصالحها الاستراتيجية الذاتية باعتبارهم أدوات لا أقل ولا أكثر في مفهومها القومي!

لا يمكن أن تستفيد دول الخليج المشاركة بالتحالف الدولي استراتيجيا ضد تنظيم داعش والقاعدة إلا إن كان مضمون هذا التحالف بحقيقته موجه للتنظيمات الإرهابية كافة دون استثناء في المنطقة أما عملية اجتزاءه فسيؤدي الى حالة من السذاجة وذلك بترحيل النتائج الى اطراف أخرى كوعاء يستفيد من جهد الأخرين دون أي جهد يذكر!.

رغم حضور تركيا مؤتمر جدة الأخير الخاص بالتحالف لمكافحة الإرهاب وعدم اعتراضها على بنوده إلا انها نأت بنفسها عن المساهمة المباشرة بضرب تنظيم داعش عسكريا بحجة وجود (49) رهينة من الدبلوماسيين من مواطنيها لدى التنظيم إلا أن سرعان ما جاء نبأ فك أسرهم لاحقاً "بصفقة لم يعلن عن ماهيتها الى الأن - قيل انها ضمن عملية تبادل أسرى لدى مجاميع مسلحة أخرى ترتبط بتركيا - مما وضع تركيا إعلاميا تحت طائلة الاتهام بعلاقاتها مع المنظمات التي توصف بالإرهاب ". وعلى الأرجح ستسعى تركيا نحو مصالحها التي ذكرت مسبقا وتوازنها مع مشاركتها بالحلف عسكرياً من عدمه فالأمر برمته يقاس بالمصالح السياسية المتحققة لها لا بالعاطفة التي تتوقعها الشعوب منها وما أكثر نسيانهم!.

اما ايران التي لم تٌدعى لمؤتمر جدة ولا الى مؤتمر باريس لمكافحة الإرهاب فقد أرادت أن تتماهى شكلياً "كعادتها" بإظهار امتعاضها من عدم دعوتها للمشاركة بالمؤتمرين! وهي الموجودة على أرض الحدث في البلدين (سوريا- والعراق) مسبقا! وكأحد المسببات الرئيسية في نشوء المشكلة من الأساس بتدخلها في كلا البلدين و بدعمها للمنظمات الإرهابية بغض النظر عن أيدولوجيتها طالما أنهم يحققون أهدافها في النهاية ,وإن كانت تميل بشكل استراتيجي نحو التنظيمات الشيعية كبعد مذهبي وكسمعة عقدية تحقق لها التوسع!. على النقيض من ذلك وقفت المملكة العربية السعودية على مسافة واحدة من جميع التنظيمات التي اعتبرت إرهابية دون النظر الى مرجعيتها المذهبية بل الفكرية والعملية.ومن كان يتهم السعودية زوراً برعايتها لتنظيم داعش سقط بوحل جهالته وهو يشاهدها تشكل أحد المحاور الأساسية في محاربة التنظيم!

لم ترد ايران التورط في العراق وسوريا عسكرياً عن طريق دخولها المباشر المكثف وأكتفت بجزء من ميليشياتها "الحرس الثوري" وبالميليشيات التابعة لها ايدلوجيا على أرض كلا البلدين وبالدعم اللوجستي تحسياً من خطة أن تستنزف هناك أو أن تكون الهدف المقبل للتحالف الدولي ضدها باعتبارها انتهكت القوانيين الدولية في حال حصلت تقلبات في السياسة العالمية اتجاهها! "رغم تغاضي القوى العالمية عن تدخلاتها الى الان ضمن صفقات توازن القوى في المنطقة محسومة سلفاً وتحت ذريعة التعاطي مع الملف النووي الإيراني" وطالما بأن هناك من سيقوم بالدور نيابة عنها بمحاربة اعدائها في كلا البلدين فستقف موقف المتفرج المتبرم شكلياً الى أن تتضح نتائج التحالف حينها ستتخذ موقفا يناسب الحدث!.

القضاء على تنظيم داعش والنصرة في العراق وسوريا يفيد الجانب الإيراني بحالة واحدة إن أصبحت نتائجه تصب في صالح النظام السوري الحالي (أو من سيخلفه يكون مرتبطا بها ) وتصب في صالح حكومة عراقية غير شاملة وتابعة لها بأي شكل من الأشكال أي كالتي كانت متواجدة مسبقاً. والعكس صحيح تماماً!. يعتمد الأمر على نوايا سياسة الولايات المتحدة الامريكية التي تقود التحالف الحالي ضد تنظيم داعش! لذلك استبقت ايران النتائج على الأرض بتموضع استراتيجي جديد لها بالجزيرة العربية من خلال تحريك أحد بيادقها المتمثل بميليشيا حركة أنصار الله "الحوثيين" وسيطرة الأخيرة على العاصمة اليمنية صنعاء ( تحت نظر وسكوت القوى العالمية أيضا واستغلالاً لحالة التناحر القبلي وتصفية الحسابات السياسية داخليا واقليمياً!) وحلمهم بإقامة دولتهم الجديدة (جزء من شمال صنعاء باتجاه عمران وصعدة شمالاً ومحاذاة الى جنوب المملكة العربية السعودية وغربا باتجاه مياه البحر الأحمر!). فهل سيطالهم التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب يا ترى؟! أم أن تفاهمات اللعبة السياسية تقتضي غض الطرف عنهم!.

وقفات:

*مقتطف من المقال السابق بعنوان ( سٌخرية تركي الفيصل ) وحدث:

تقارب وجهات النظر بين الطرف السعودي "كركن مؤثر إقليمياً" ومن وراءه العربي مع الجانب الإيراني والتركي لابد ان يصب في نهاية المطاف الى عامل الاستقرار في المنطقة ولو مرحليا / أنتهى. التقى قبل أيام وزيري خارجية السعودية وايران في أمريكا وتبعه موقف فاجأ المراقبين السياسيين من القيادة السعودية بمباركتها الاتفاقية التي تمت بين الحكومة اليمنية وبين الطرف الأخر الممثل بحزب أنصار الله "الحوثيين" رغم أن السعودية تعدهم كمنظمة إرهابية! بعد حربها معهم سنة 2009م.وربما هذا التحول بالمنظور السياسي يعد أحد المؤشرات الى وجود حالة من التواصل مع الجانب الإيراني الذي لابد أن يوازيه أمراً يستحق هذا التطور!.

*حينما تدخل حرباً عليك تأمين الجانب الأمني داخلياً قبل كل شيء! فالخلايا النائمة قد تتحرك كردة فعل لما أصاب كيانها الخارجي وممكن أن تستقل الأحداث جهات معادية أيضا لذل يجب توخي الحرص والكفاية لقادم الأيام وهذا الأمر ينطبق على جميع الدول المشاركة ضمن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب!.

*الحرب على التنظيمات الإرهابية كتنظيم داعش حسب التقارير الواردة تتطلب سنوات! السؤال هنا من أوجد هذه الحالة من الفوضى قريبا في المنطقة العربية أليس هي نتيجة السياسات الغربية في المنطقة؟ لتتحملها دولها لاحقا اقتصاديا ومن دماء أبنائها ويجني ربحها من صنعها! أنها صناعة العدو والدفع نحو تجارة الحروب. لا عزاء للضعفاء في غابة الحياة هكذا هو منطق العولمة!

*لبس من قبيل المصادفة أن يبدأ التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب أعماله في المنطقة وبذات اليوم تسيطر القوات الحوثية على العاصمة صنعاء دون قتال يذكر؟! الواقع يقول أن الجميع كان على علم يما سيحدث مسبقاً بما فيها دول المنطقة والصمت المطبق علامة على ذلك وربما قادم الأيام ستكشف عن نوع الصفقة التي تمت!.

كاتب في الشأن السياسي والاقتصادي

&