قبيل حملة الولايات المتحدة الاميركية لشن عدوانها على العراق مطلع& العام / 1991وتحركاتها ومساعيها لانضمام اكثر من ثلاثين دولة للوقوف الى جانبها ضد العراق الذي تهوّر قائده وتمادى كثيرا في عنجهيته بحيث لم يتورع ابدا في دفع جيشه الى احتلال الكويت والدخول الى اجزاء واسعة في الاراضي السعودية
كنا في خارج البلاد نترقب ماسيجري بحذر شديد وهلع يصعب احتماله وظنون بان أبواب جهنم ستفتح على مصاريعها ليدخل ابناء بلادي عنوة في اتونها وبغداد ستكون هشيما تذروه الرياح وشررا يتطاير على رؤوس اهلي المغلوب على امرهم الواقعين تحت مطرقة الدكتاتورية وسندان العدوان الذي لايرحم ، تماما كما ذاقت الويلات والغزوات الكثيرة من مغول وتتار وترك وفرس من شذّاذي الافاق والحالمين بالشهرة والمعبئين بالمطامع وطالبي الجاه والمال والحظوة الرخيصة وتحقيق مراميهم من خلال الاستحواذ على رأس السلطة
يومها كان العالم كله يترقب أهوال مايحدث لكن هناك مدينة صغيرة في ولاية " اريزونا " اسمها بغداد& تكاد لاتشير اليها الخارطة ، هذه المدينة غدت حزينة طوال شهور قبيل الحرب خوفا على الأم بغداد وقد حذت حذوها في الترقّب والخوف مدينة اخرى اسمها بغداد ايضا تقع في الولايات المتحدة ( فلوريدا )& وبقي اهلها في خوف دائم وهلع كبير وكأن ماسيجري سيقع حتما على رؤوسهم لامحالة ؛ كانوا يرون في " بغداد "& الصغيرة هذه انها وجنْـةُ خدّ بغداد وطلعة وجهها الذي سيعفّر بالتراب .
هؤلاء النفر غير الكثير من السكان المقيمين في بلدة صغيرة اسمها بغداد في ولاية اريزونا الامريكية وهم امريكيون اصلا وفصلا لكنهم كانوا يعشقون بغداد مثل عشقنا تماما بحيث سموا مدينتهم بإسم عاصمة الرشيد حالهم حال سكان سان فرانسيسكو الذين كانوا يصفون مدينتهم الجميلة بإسم بغداد فخرا واعتزازا .
وللتذكير اقول& ان هناك مدن اخرى باسم بغداد تقع في الولايات المتحدة الاميركية وهي تتواجد في كل من ولاية كنتاكي ولويزيانا وفي نيويورك وفرجينيا وفلوريدا ايضا ، كما توجد ولايتان صغيرتان باسم عاصمة الرشيد في بنسلفانيا وولايتان أخريان في كاليفورنيا وفي هيوستن ايضا توجد قصبة ليست كبيرة في مساحتها باسم بغداد ولكنها كبيرة في موقفها الصلب المعاند تجاه الحرب المعلنة وقتذاك
سكان بغداد الصغيرة في ولاية تكساس وفي مدينة هيوستن بالذات عقدوا العزم على تشكيل وفد من خاصتهم من وجوه البلدة ومتنفذيها وذهبوا الى البيت الأبيض كي يحتجّوا ويعلنوا عن سخطهم الشديد وفي وجه& جورج بوش الأب كي يعدل عن الضربات الجوية المقبلة ، حينها كنت اتابع موقف هذا الوفد المعترض الذي قال اثناء مقابلة الرئيس بوش بما مضمونه اذا كان صدام حسين وقادته العسكريون قد أساؤوا التصرف وارتكبوا تلك الجريرة العظمى فما ذنب هذه الماسة الجميلة الملطخة طلعتها بالفحم والسخام& ؛ وهي الرخام الناعم الملمس الصافي الوجه واللامع الزاهي ، اجل هذا هو قدَرها ان تعيث بها ايادي فحّامين لايفهمون منزلة العراقة والأصالة التي تمثّلها سيّدة المدائن الجليلة والنجيبة
غير ان بغداد رغم الوجع الذي اصابها بقيت في قلوب هؤلاء مثل ما بقيت في قلوبنا ونفوسنا نحن الجالية العراقية المنفية في اقاصي الارض في الوقت الذي صرخ احد رؤؤس البنتاغون الموتورين& وهو من نسور الحزب الجمهوري حينما ضربت بغداد جلّ جلالها ليلة 17 /1/ 1991 وقال جذلا : إني أرى اليوم كرنفالا جميلا حينما تلتمع القذائف وتتساقط على سيدة المدائن العريقة بغداد وكأنها نافورات ضوئية وألعاب نارية جميلة تبهج الأنظار كما لو اني في عيدٍ دائم& .
تمر السنون وتبقى بغداد رغم الآمها ؛ فقبل اكثر من عشر سنوات كلمتني ابنتي عبر الهاتف وهي تستجمّ سائحةً في إحدى الولايات الامريكية وأظنها شيكاغو وقالت لي بالحرف الواحد : اني اقرأ الآن أمامي لافتة ضوئية كبيرة وسط المدينة مكتوب عليها Welcome to Baghdad cities )& ) مرحبا بكم في شيكاغو بغداد المدن وهي تتساءل مامعنى وما مقصد تلك العبارة
أجبتها ان جدّتنا الكبيرة مازالت حلوة الطلعة ، انت ياسيدتي بغداد عززْتِ وجللتِ وها هم يتشبهون بكِ مع انك الان سقيمة لكنك تبقين حيّة وسوف تتعافين حتما فمثلك لايموت ايتها النجيبة التي نهلت بقاءها من الذات الإلهية

[email protected]
&