وصف الثورة الايرانية التي أسقطت نظام الشاه في 11 شباط 1979، بزلزال هز المنطقة، کان وصفا جيدا ولکنه کان نظريا على الاغلب و لم يکن عمليا او تطبيقا مجسدا على أرض الواقع، وانما کان في واقع أمره حدثا استثنائيا لفت الانظار بقوة من ناحية انه قد قلب الموازين في الصراع العربي الاسرائيلي لصالح العرب کما أکدت الشعارات و التصريحات الصادرة من طهران، لکن الاحداث و التطورات و التداعيات التي جرت في طهران خلال الاشهر و الاعوام الاولى من الثورة، بدأت تميط اللثام عن سياق ليس هو بالضرورة کما کان ينتظر و يعتقد و يتوسم الشارعين العربي و الاسلامي.

مراجعة مجريات الاحداث و الامور التي جرت خلال 36 عاما التي أعقبت الثورة الايرانية، تدل بشکل او بآخر على أن هذه الثورة عاشت فترة من الارباك و التخبط من جراء السعي المحموم للتيار الديني بزعامة آية الله الخميني للسيطرة على مقاليد الامور بيد من حديد و إزاحة و إقصاء کل الاطراف و الاطياف الايرانية المختلفة التي ساهمت في صناعة الثورة و نجاحها، وهنا من الضروري الاعتراف بأن الخميني لم يستثن أحدا في مسعاه هذا من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، ذلك أن المقياس العام الذي تم وضعه لإثبات الولاء و مصداقية الانتماء للثورة کان مقياس تإييد التيار الديني و الاعتراف بأن الثورة الايرانية لم تکن سوى حرکة دينية من أجل التغيير.

المنطق الديني البحت في التعامل و التواصل مع العالم ولاسيما الشعار الابرز(الله أکبر، خميني القائد، الموت لأمريکا، الموت للإتحاد السوفياتي، الموت لإسرائيل، الموت لمنافقي صدام)، غلب على نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية بعد إستتباب الامور لصالح التيار الديني، وقد توضح هذا الامر للجميع و صار حقيقة و أمرا واقعا بعد أن جسدت الجمهورية الاسلامية الايرانية منطقها هذا في معظم دول المنطقة عبر جعل التيارات و الاحزاب الدينية القناة الاهم لها للتواصل و التعاطي، وهذا الامر إنسحب بالضرورة على القضية الفلسطينية، عندما قامت الجمهورية الاسلامية و عن عمد و قصد واضحين بتهميش حرکة فتح و منح الاولوية لحرکتي حماس و جهاد الاسلاميتين.

بعد رحيل الخميني و التنصيب"الاستثنائي"لخامنئي بمنصب الولي الفقيه و الذي تم بواسطة الجهود المتباينة التي بذلها هاشمي رفسنجاني، لئن حاول الثنائي خامنئي رفسنجاني مابوسعهما من أجل ملء الفراغ الکبير الذي خلفه الخميني، لکن خامنئي کان ولازال دون المستوى و القدرة و الاهلية التي بمقدورها أن تسد فراغ الخميني، ولهذا فقد کان من الطبيعي أن يلجأ الولي الفقيه الجديد الى أساليب جديدة من أجل سد عجزه"الکاريزمي"، ولذلك فقد

وجه إهتمامات الجمهورية الاسلامية من أجل التعويل على العامل الخارجي بعد أن تيقن من أنه ليس بإمکانه أبدا ان يرقى الى مستوى الخميني داخليا.

بعد مرور 36 عاما على الثورة الايرانية، وبعد مرور 36 عاما على کل تلك الشعارات البراقة الطنانة، لو قمنا بإلقاء نظرة على منجزات و مکاسب ماسموه و وصفوه ب"الثورة الاسلامية"، فإننا نجد سوريا غارقة في بحار من الدماء و عراق تطحنه الطائفية و لبنان مستقر على برکان قد ينفجر في أية لحظة و يمن يسير نحو منعطف الموت و الدمار و الخراب، ولذلك فإن الزعيمة الايرانية المعارضة مريم رجوي تبدو واضحة و منطقية أکثر عندما تؤکد في کلمتها أمام المؤتمر الدولي الاخير الذي إنعقد في باريس وهی توضح ماهية و معدن التيار الديني بقولها:( في عام 1971 كان خميني في خطبته يلوم مرائيا دكتاتورية الشاه لان أهالي محافظة بلوتشستان الإيرانية اضطرت الى بيع بناتها من شدة الفقر. وأما الآن ناهيك عن بلوتشستان، ففي قلب طهران العاصمة، تصدر اعلانات مؤلمة لبيع اطفال صغار وأعضاء الجسد الإنساني."، هذا الى جانب أن خامنئي قد أجاز التفاوض المباشر مع"الشيطان الاکبر"، الذي قال الخميني ذات يوم بأنه سيقطع اليد التي ستمتد من طهران لمصافحة أمريکا، فهل هناك من يقطع يد وزير الخارجية الايراني و هو يصافح وزير الخارجية الامريکي، أم يجب أن تسحق وصايا الخميني تحت أقدام مصلحة الولي الفقيه الجديد؟!