قرابة الأربعة أعوام مرت من عمر الثورة في سورية مخلّفة من الدمار و الخراب المادي ما يصعب إعادة بناءه لعقود ودمار معنوي يحتاج لفترة مضاعفة نظرا للتفتيت الذي أصاب اللحمة الوطنية و التمزيق الذي تعرض له النسيج المجتمعي , إرث يخلفه السوريون للأجيال القادمة في دولة تشرد نصف سكانها في العراء و نصف آخر يعيش في الداخل في حالة أقرب منها الى حياة الرهائن داخل معسكر كبير بانتظار المحرقة و لا تزال الأطراف المسلحة المتصارعة على السلطة تدعي انتصارات وهمية لا تنتهي ,هم بذلك يثبتون عن جدارة بأنهم ليسوا الأهل الأصليين لهذا البلد فهم على استعداد لتدميره و ابادة مواطنيه دون وازع من خُلق,دين أو ضمير, انهم يشبهون في ادعاء كل منهم ملكية البلاد و انعدام احساسهم تجاه الأرض و الشعب بتلك الأم المزيفة في حكاية النبي سليمان عليه السلام: حين جاءته امرأتان متخاصمتان على ولد كل واحدة تدعي أنه ابنها, ففكر النبي بطريقة تجعل أم الولد تتضح أمام الجميع, فأخذ الولد بين يديه و قال للمرأتان: كلاكما يريد الولد أليس كذلك؟ فقالتا نعم, فقال: حسنا, أحضر لي أيها الحاجب سكينا حتى أقسمه فتأخذ كل واحدة منهما نصفاً, فأحضر الحاجب سكينا و عندما رفع السكين صرخت الأم الحقيقية للولد قائلة:..لا.. الولد ولدها هي, خوفا على الولد من أن يقتل, أما الثانية فقالت: لمَ لا هذا أفضل حلْ , عندَها تبسَم النبي سليمان و قالَ للأولى: تعالي و خذي وَلدك فأنت أمه الحقيقية.&

&من تحت أنقاض هذا الانهيار لابد أن يكون هناك صوت لأبناء البلد الأصليين الذين يخشون على أمهم التي تذبح من الوريد الى الوريد و يكونون أصحاب مبادرة وقف هذه الحرب المجنونة على الرغم من صعوبة محاربة قوى التطرف الذي كان من المفروض أن تتبناها المؤسسات , النخب و المدارس الفقهية الاسلامية قبل النظم السياسية,الثقافية و التربوية لكي يكون بعدها بإمكان المسلمين أن يطلبوا من الغرب احترام مشاعر أكثر من مليار ونصف من المسلمين دعاة الإخاء و السلام والتسامح قياسا مع بضع آلاف من المتطرفين الذين يشوهون صورة الدين الاسلامي الحنيف ويخلّفون تداعيات خطيرة على مسلمي العالم جراء أعمالهم الاجرامية.

السوريون عانوا ولا يزالون من استبداد النظام على مدى أكثر من أربعة عقود و بإمكان الشعب الاستمرار في السعي لإزالته ولو بعد حين ,فلم يسجل التاريخ على مر العصور انتصار طاغية على شعبه , ارادة الشعوب في المحصلة هي التي تنتصر, لكن ذلك لن يحصل ما دام التطرف مستفحلا. لاخيار أمام السوريين اذا أرادوا الخلاص من الظلم و الاستبداد إلا النضال على جبهتين معا: محاربة التطرف الذي ينمو بشكل سرطاني و ينشر وباءه وفكره الظلامي في عموم سورية و المنطقة من خلال تجييش التنظيمات الارهابية لسوريين تدفعهم عوامل شتى أهمها سياسة التمييز الطائفي الذي مارسه النظام خلال عقود حكمه و بطشه فيما بعد بمناوئيه في ظل صمت دولي مخزي, أما تعبئة الجهاديين الغير سوريين فهي فئات قادمة من عمق الفشل الذريع للأنظمة السياسية في العالمين العربي و الاسلامي , حيث أخفقت في احتوائهم من خلال اصلاحات سياسية منفتحة تخلق فرص تعليم وعمل مواكبان لتطورات العصر و متطلباته , أما القادمون من الدول الغربية فهم من تلك الفئة التي تعاني من البقاء خارج النظم الاجتماعية , يعانون حالة من ضياع الهوية و فقدان الاحساس بالانتماء إلى المجتمع الذي يعيشون فيه وذلك كنتاج لعجز تلك الدول أيضا من التوصل الى سياسة اندماج ناجعة للمهاجرين وخاصة القادمين من العالم الاسلامي.

هؤلاء ليسوا بثوار و لا يمثلون لا من قريب و لا من بعيد تطلعات عامة السوريين الى الحرية , الديمقراطية والعيش الكريم.

النظام بدأ استخدام العنف وعسكرة ثورة السوريين السلمية و هذا لا اختلاف فيه لكن من يقود الثورة اذا افترضنا جدلا بأنها ما زالت ثورة الآن هم من ساعدوا النظام على تحويلها الى حرب أهلية , طائفية, سنية ,علوية و أصبحت فصائل ما سمي حينها بالجيش الحر ان وجدت بعضها بلا حول لها ولا قوة قياسا مع متطرفي جبهة النصرة و داعش. في ظل مثل هذه المعطيات التي أفرزتها دوامة العنف لأربعة أعوام متتالية تقع مسؤولية فضح المجموعات الارهابية و تعريتها على النخب الثورية الحقيقية التي عليهم أن يحملوا لواء التغيير رأفة بسورية و أهلها و محاولة لإنقاذ ما يمكن انقاذه من هذا الوضع المأساوي والواقع المرير الذي وصل اليه حال السوريون.على النخب السياسية من داخل مؤسسات المعارضة و خارجها لعب دور الأبناء الأصليين الذي يخشون على البلد من الضياع و التحلي بشجاعة الاعتراف بأن متطرفي النصرة, داعش و من على شاكلتهم من حاملي الأعلام السوداء هم من أجهض ثورة السوريين و يجب سحب كل غطاء سياسي يشرعن جرائمهم و اللجوء بعدها إلى النضال السياسي لإسقاط نظام الاستبداد و الارهاب معا وإلا فجميعهم مثل تلك الأم الزائفة ينتظرون السكين ليقتطع حصصهم من جسد الوطن.

&

ستوكهولم