لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يمارس كل سياسات الخنق والتضييق على أهالي غزة خاصة وفلسطين عامة، فلم يكتف بحرب الإبادة الجماعية التي يمارسها ضد أصحاب الأرض، بل قصد تدمير كل شيء، كما ضرب اقتصاد البلاد في مقتل، فجرح وشل وأمات إكلينكياً.

واقعياً، نزف اقتصاد فلسطين بعد الحرب على غزة التي ألقت بظلال سلبية على حال التجار في الضفة العربية، فزادت الأزمة الاقتصادية الناجمة عن إغلاق المحلات والتضييق الذي يمارسه الاحتلال على التجار والتجارة، فهنا يضع حواجز أمنية ويغلق مناطق، وهناك يقفل الأسواق ويعيق وصول الناس إليها، ناهيك عن تشديد إغلاق الحدود والمعابر ومنع وصول السلع من مصر والأردن إلى داخل فلسطين.

سياسة العقاب الجماعي انتقلت من غزة إلى الضفة الغربية، فمع بدء العدوان على غزة، ألغت إسرائيل تصاريح 160 ألف فلسطيني كانوا يعملون في تل أبيب ومستوطنات الضفة الغربية، حيث كانوا يعتمدون على العمل في الداخل الإسرائيلي لكسب قوت يومهم، وبهذا قررت دولة الاحتلال استبدالهم بعمال هنود أو من جنسيات أخرى بعد أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، ولم تبق للعمال الفلسطينيين مصادر دخل للعيش!

هذا الضغط والتضييق الإسرائيلي عمق مأساة أهالي فلسطين وزاد من أوجاعهم، فكيف تستمر الحياة بدون عيش أو طحين أو وسائل أخرى للبقاء، وكيف ينفق الأهالي على أطفالهم وأسرهم في ظل استمرار الحرب وخناق الوضع الاقتصادي الذي أصبح لا يحتم؟

وبلغة الأرقام، فإن الاقتصاد الفلسطيني منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، تكبد خسائر ضخمة في ظل استمرار حصار الأسواق الفلسطينية وتقييد الحركة التجارية، فكان الاقتصاد الفلسطيني يعتمد بشكل كامل على إسرائيل، لكن دولة الاحتلال شلته لتضيق الخناق أكثر وأكثر وتجبر الشعب الفلسطيني على الهجرة خارج أراضيه لبناء مزيد من المستوطنات غير الشرعية على الأراضي الفلسطينية.

إقرأ أيضاً: حرب غزة مقدمة لمشهد جديد في الشرق الأوسط؟

تلك التداعيات الاقتصادية الوخيمة في ظل استمرار التوغل الإسرائيلي، تعتبر مؤشر خطر كبير، فسجلت الخسائر في الإنتاج مليارات الدولارات منذ بدء الحرب، وسط توقف شبه تام لعجلة الإنتاج في منشآت القطاع الخاص في قطاع غزة وتراجع غير مسبوق في الضفة الغربية، هذا إضافة إلى أن هناك أكثر من 150 ألف عامل فقدوا وظائفهم، كما فقد إنتاج القطاعات الاقتصادية في الضفة الغربية خلال الشهور الأربعة الأولى من الحرب نسبة 27 بالمئة، بحسب أرقام فلسطينية.

أما عن غزة، فخسرت هي الأخرى 86 بالمئة من إنتاجها الطبيعي خلال أربعة أشهر فقط بعد الحرب، أي بما يعادل 810 ملايين دولار أمريكي، وسجل نزيف قطاع التجارة الداخلية خسائر هائلة، لا سيما في قطاعي الخدمات والصناعة، وأيضاً توقف الإنتاج في 30 بالمئة من منشآت الضفة الغربية وتأثر إنتاجها بالتراجع، وتوقفت عن الإنتاج بواقع 35 ألف منشأة، فيما توقفت معظم منشآت غزة عن ممارسة نشاطها الاقتصادي نتيجة الدمار والحرب التي لم تتوقف رغم قرار مجلس الأمن بضرورة وقفها.

إقرأ أيضاً: الجوع يسابق الرصاص

ومنذ اندلاع الحرب على غزة وما خلفته من دمار شامل للقطاع، والاقتصاد الفلسطيني في تراجع ونزيف لا يتوقف حتى أصبح هشاً لا يتحمل أي صدمات، فما البال بحرب تستعر ولا تتوقف! وزادت الخسائر الاقتصادية التي طالت البنية التحتية بعد دمار غزة، إضافة إلى انتشار الفقر والبطالة وشح السلع، الأمر الذي مثل كارثة اقتصادية كبيرة، هذا بجانب تخريب ربع مليون وحدة سكنية على يد الاحتلال تقدر كلفة إعادة بنائها بنحو ثمانية مليارات دولار، فضلاً عن خسائر القطاع التجاري والصناعة والزراعة والقطاع الصحي وكذلك الكهرباء والاتصالات والمواصلات، والتي تقدر مجتمعة بمليارات الدولارات. كل هذا إلى جانب الخسائر غير المباشرة وشل الاستثمارات، فمتى يتوقف الاحتلال يمارس الاحتلال سياسة الخنق الاقتصادي ضد الشعب الفلسطيني؟!

أيضاً أزمة العمال الزراعيين الفلسطينين الذين تريد إسرائيل استبدالهم بنحو 65 ألف عامل من الهند وسريلانكا وأوزبكستان لاستئناف أعمال البناء المتوقفة، بعد أن طردت الحكومة العمال الفلسطينيين، ما يؤكد بالدليل القاطع أن إسرائيل تريد خنق الفلسطينيين حتى الموت.