مثل ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق بغارة جوية إسرائيلية مفاجأة كبيرة للجميع، وشكل تحولاً استراتيجياً لم يحسب له أحد حساباً في الحرب الدائرة بين إيران، بشكل غير مباشر عبر وكلائها، وإسرائيل. لكن عشرات الأسئلة تدور في ذهن كل متابع، وأهمها لماذا ضربت القنصلية، وهي مقر دبلوماسي وليس عسكري، في هذا التوقيت بالذات؟

إجابتان تلخصان مغزى الضربة الإسرائيلية، الأولى هي تصعيد إسرائيلي متعمد لسحب إيران إلى المواجهة المباشرة، والثانية هي رسالة إسرائيلية إلى طهران بأن جميع الأهداف العسكرية والمدنية والدبلوماسية والبنى التحتية ستكون أهدافاً لسلاح الجو الإسرائيلي من الآن فصاعداً. وهذا يعني أن إسرائيل لن تسامح إيران على ما جرى في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وأنها عازمة على تنفيذ وعودها التي قطعتها على نفسها بعد أحداث غزة، عندما أعلنت أنها ستستأصل كل تهديد يمس أمنها القومي.

إذاً نحن على ابواب مرحلة جديدة من توسعة الحرب، فإن سكتت إيران، فإنَّ إسرائيل ستوجه ضربات أشد إيلاماً لها، وإذا قامت بالرد، فهذا ما تنتظره إسرائيل لتنفيذ وعودها السابقة، والتي كانت تواجه معارضة شديدة من لدن أميركا والعالم الغربي.

وسائل الإعلام الأميركية أكدت بعد ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق أن الحرب ذاهبة للتوسعة، وأن إيران تمهد لضربة انتقامية، وهذا ما أكده مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي، الذي قال إنَّ إسرائيل ستندم على فعلتها، لكن إسرائيل يبدو أنَّها أعدت العدة للمواجهة ليس من الآن، بل من السابع من تشرين الأول (أكتوبره)، عندما صرحت القيادة العسكرية الإسرائيلية أن البلاد في حالة حرب، وبناءً على ذلك، خططت القيادة العسكرية الإسرائيلية لجميع سيناريوهات المرحلة المقبلة.

إننا إذاً أمام حرب حقيقية واسعة ومباشرة بين إيران ووكلائها من جهة وبين إسرائيل وداعميها من جهة ثانية، وقد استدعت تلك المستجدات أن تعلن القيادة المركزية الأميركية ووزارة الدفاع الأميركية حالة التأهب القصوى لمواجهة جميع الاحتمالات. إيران يجب أن ترد لأن السكوت يعني ضربات إسرائيلية متتالية مذلة ولا ترحم، والرد يعني وقوع إيران في الفخ الذي رسمته إسرائيل لها، وفي الحالتين هناك مرارة لا يمكن تجرعها، وقد حاولت إيران طوال الأشهر الستة الماضية أن تكون خارج اللعبة، وقد أجادت هذا الدور بحرفية عالية، لكن الواضح أن سياستها وأسلوبها قد وصل إلى طريق مسدود، ولا مناص من الحرب، وقد أرادت إيران جهد إمكانها فرض إسلوبها بأبعاد نفسها عن المواجهة المباشرة، ولكن إسرائيل كانت لها كلمة أخرى، وقد اختارت إسرائيل الوقت والمكان المناسبين لتوجيه ضربة من العيار الثقيل لإيران، وسر اختيار إسرائيل هذا التوقيت هو تيقنها أن حماس لم تعد تشكل خطراً وتهديداً على إسرائيل بعد أن فقدت معظم قوتها العسكرية وخزينها الصاروخي، وأن أحداث غزة سائرة إلى الحل النهائي بعد أن فرضت إسرائيل قوتها على الأرض، وبنفس الوقت، فإنَّ الحوثيين قد فقدوا قدراتهم الهائلة وأصبحوا في وضع ضعيف جداً نتيجة القصف الجوي الأميركي والبريطاني المستمر ليل نهار على قواعدهم في اليمن، وكلنا نعلم أهمية الحوثيين في المعركة القادمة لولا تدخلهم المبكر في حرب غزة واستنزاف قوتهم.

إقرأ أيضاً: روسيا ستخسر الحرب مع الغرب

لقد تعجلت إيران فقدان هذه الورقة، التي كان بالإمكان أن تكون ورقة رابحة لمثل هذا اليوم، لكن الأخطاء الكبيرة في الصراعات تؤدي دائماً إلى نتائج وخيمة، إضافة إلى قرب الانتخابات الأميركية في نهاية هذا العام، ما سيدفع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى عمل المستحيل لكسب رضا إسرائيل في الانتخابات القادمة، لذلك فإن الإدارة الأميركية ستقف بكل ثقلها إلى جانب إسرائيل.

إقرأ أيضاً: الدور الوازن لدول الخليج في الأحداث الدولية

من هذا المنطلق، نستطيع القول إنَّ إسرائيل قد حسبتها بدقة حين أقدمت على توجيه ضربتها المؤلمة لإيران، فمهما سيكون الرد الإيراني فهو بشائر خير بالنسبة إلى إسرائيل، لأنها تريد الحرب وإنهاء كل التهديدات الآنية والمستقبلية لكيانها، وأما السكوت الإيراني فسيكون خيبة أمل لجميع أنصار الجمهورية الإسلامية وبنفس الوقت سيكون على إيران الاستعداد لتحمل المزيد من الضربات المؤذية التي ستدفعها بالنهاية إلى الرد، فلا فارق عند الإسرائيلين أن يكون الرد اليوم أو غداً، ففي الحالتين النتيجة واحدة، والسؤال هنا هل أن إيران توقعت السيناريو الذي حدث في دمشق؟ وهل أنها تتوقع السيناريوهات القادمة؟ وهل أن إيران درست العقلية الإسرائيلية في الحرب؟ أم أنها أرتكبت خطأ غير محسوب؟ لا نستطيع الحكم على العقلية الإيرانية في إدارة الصراعات بإنها ضعيفة أو فاشلة، لأنها فعلاً استطاعت أن تنجح في مواقف كثيرة سابقة، ولكن العبرة بالنهايات.