جنيف: يشرع العلماء في المنظمة الاوروبية للابحاث النووية (سيرن) اليوم الثلاثاء في محاولة جديدة لاحداث تصادم بين الجسيمات على سرعات متناهية الكبر تكاد تقترب من سرعة الضوء في محاكاة للانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون.

وقال رولف-ديتر هوير المدير العام لسيرن الواقعة في منطقة الحدود الفرنسية السويسرية المشتركة قرب جنيف quot;نحن نفتح الباب امام علم الفيزياء الجديدة ونستهل حقبة جديدة من الاكتشافات في تاريخ البشرية.quot;

وفي وقت مبكر من يوم الثلاثاء تبدأ اضخم تجربة علمية في العالم باحداث تصادم بين حزمتي جسيمات من البروتونات تسيران في اتجاهين متقابلين في مسار بيضاوي داخل نفق طوله 27 كيلومترا في مصادم الهدرونات الكبير وبكم طاقة يصل الى 3.5 تريليون الكترون فولت لمحاكاة الظروف التي اعقبت الانفجار العظيم.

ومصادم الهدرونات الكبير هو مجمع ضخم من المغناطيسات الحلقية العملاقة والاجهزة الالكترونية المعقدة والحاسبات وتكلف انشاؤه عشرة مليارات دولار ويصل عمره الافتراضي الى 20 عاما. والالكترون فولت هي وحدة لقياس الطاقة وتعادل كمية طاقة الحركة التي يكتسبها الكترون وحيد حر الحركة عند تسريعه بواسطة جهد كهربائي ساكن قيمته واحد فولت في الفراغ.

وحين تحطم الجسيمات بعضها البعض فان كل تصادم يحدث انفجارا سيمكن الاف العلماء في شتى ارجاء الارض من المشاركين في مشروع المختبر الاوروبي لفيزياء الجسيمات من رصد وتحليل ما حدث خلال فترة متناهية الصغر من الزمن اعقبت حدوث الانفجار العظيم الذي وقع قبل 13.7 مليار عام.

وكانت سيرن اعادت تشغيل المصادم في نوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي في اعقاب اغلاقه تسعة ايام. ودشنت الاختبارات في المصادم في سبتمبر ايلول من عام 2008 لكنها توقفت فترة اثر مشاكل تتعلق بزيادة درجات الحرارة الناجمة عن تعطل موصلات ضخمة متصلة بمغناطيسين لتبريد قلب المصادم. ويأمل العلماء في ان تميط هذه التجربة العملاقة اللثام عن طلاسم كونية منها منشأ النجوم والكواكب وماهية المادة المعتمة غير المرئية.

والمادة المعتمة في علم الفيزياء الفلكية تعبير أطلق علي مادة افتراضية لا يمكن قياسها الا من خلال تأثيرات الجاذبية الخاصة بها والتي بدونها لا تستقيم حسابيا العديد من نماذج تفسير الانفجار العظيم وحركة المجرات. ويرجح انها تشكل حوالي 25 في المئة من مادة الكون الكلية فيما تمثل الطاقة المعتمة - التي يعتقد أنها مسؤولة عن اتساع الكون واستمرار حركته - حوالي 70 في المئة من كتلة الكون.

والمادة المعتمة غير معروفة من حيث التكوين والطبيعة ولايمكن رصدها لانها لا تعكس الضوء أو أي موجات كهرومغناطيسية ويعتقد انها تتكون من جسيمات لايمكن قياسها بالامكانات العلمية الحالية أو أنها تقع في أبعاد أخرى غير الابعاد الاربعة المعروفة في الفيزياء الكلاسيكية وهي الطول والعرض والارتفاع والزمن.

وعلى مدى السنوات وتحديدا عام 2013 عندما يصل كم طاقة الجسيمات المتصادمة خلال التجارب داخل المصادم الى 7 و14 تريليون الكترون فولت سيشهد المصادم مليارات التصادمات التي ستطرح كما هائلا من البيانات عن ملابسات الانفجار العظيم وما تلاه من احداث.

وقال ستيف مايرز مدير المعجلات والتكنولوجيا في سيرن quot;ان رصد حركة الجسيمات وتجميعها هو تحد في حد ذاته. انه يماثل اطلاق ابر عبر المحيط الاطلسي ثم التحكم في تصادمها بمقدمتها في منتصف المسافة.quot; ويخضع الكم الهائل من المعلومات الناجمة عن التصادمات لعمليات معالجة الكترونية ثم التحقق من النتائج المرة تلو الاخرى الامر الذي يعني ان امام سيرن الشهور والسنوات قبل ان يعلن اكتشافات مهمة ومؤكدة.

ويركز العلماء في تجاربهم المستفيضة على التعرف على كيفية نشوء المادة وما يعرف بضديد المادة وما اذا كان هناك وجود لما يعرف نظريا باسم بوزون هيجز وهو جسيم افتراضي قال عالم الفيزياء الاسكتلندي بيتر هيجز قبل ثلاثة عقود من الزمن انه يساعد على التحام المكونات الاولية للمادة ويعطيها تماسكها وكتلتها.

وقد اخفقت جميع المحاولات السابقة في فك شفرة جسيم بوزون الذي يعتقد انه اسهم في تكون النجوم والكواكب والمجرات من مخلفات المواد المنشطرة من الانفجارات ومن ثم نشأة الحياة على كوكب الارض وربما في عوالم اخرى مجهولة.